تردّد كثيرا قبل أن يقولها لكنه قالها، اذا لزم الأمر قتالاً فسنقاتل، لم يقل من يقاتل، لم يفصح عن جدوى القتال اذا لم تنازعه على كركوك دولة أخرى، لم يبيّن قلقه على كركوك ممّن؟
من عراقها، من عربها، من تركمانها، من\"كردها\"؟، لم يقل، غير ان مفردة القتال قالت عنه وأوحت بالمضمر.
أول مرة يلوح الكرد وعلى لسان البارزاني بالقتال وهم الذين تجنبوا مأزقه مراراً بل هم أكثر من ذاق حروقه ووعى منظر البندقية فوق رأس أعزل، وعوا معنى الشاجور الفارغ حين لا يحميك أحد، كما سُلِّموا لوحش العراء الرهيب وفتك الجوع والبرد بهم مرات لا تعد، اعتقد أن كلمات البارزاني في لقاء العربية الأخيرغيّرت المسار الآمن الذي يمتاز به الكرد وأخرجت الجبل من حياده العتيد الى منطقة العمل المسلح، في الأقلّ فيما يخص العدو المحتمل الذي ستبوح به الأيام والذي لا يحتاج الى كثير بوح، ربّما تكتسب صفة العداء بمجرد أن تشكك بكردستانية كركوك، حتى وان قدمت عراقيتها!.
إذن، نحن أمام معركة قديمة جديدة، أدخرت بارودها ليوم تكون فيه قضية كركوك على المحك، ونحن نعلم حجم قنبلة كركوك التي قد لا تبقي باقية ولا تهدي لقاتلنا غير رصاصة الرحمة.
في السياسة من الصعب أن تعمّر ورقة ضغط لأن السياسة لعبة متغيرات أو حصالة مدّخرات اذا نفعت يوماً ما في الإغارة على المفاوضين فلا تنفع غداً، وفي العراق لا تعمّر ورقة ضغط مثل الاستعداد للقتال، أظن أن أضعف الأحزاب كما أنبئنا هي تلك التي لا تملك مسلحين مدجّجين.
أحياناً لا تكون ورقة الضغط هذه أكثر من سبابة وصوت عالٍ، ربّما يشتد عودك حين تفلح في رسم الوعيد المناسب وتشعر الآخرين أنك قادرٌ على ما يشفقون منه أو قادرٌ على ما يفعلون، وكلّ ما فعله البارزاني فكّ عجمة الأشياء، أبلغ من يقاتل أنه يملك رمزاً يقاتل من أجله وهو مستعدٌ لعمل يشهر السلاح فيه، فكركوك تعدل عند البارزاني مثلما أسرّ لبريمر ذات يوم، تعدل القدس وحاول بريمر ثنيه عن هذا التشبيه لما له من حساسية تنكئ ذكريات الاغتصاب وذهاب الأرض، فترك التشبيه على مضض لكن بقيت حمولة الرمز، بقيت حساسية الحقّ المضاع.
الذي أعجب منه أن الحكام الكرد يتصرفون في العراق على هيئة طفل مدلل، ويغضون الطرف عن كلّ سيناريو محتمل لأزمة كركوك بما فيها اجتياح كردستان من قبل الأتراك في حالة ضمّ الكرد كركوك الى إقليمهم، ثم انهم لا يجيبون عن تساؤل تعفن في بال العراقيين ولم يجبهم عليه أحد، اذا كان الكرد يأخذون نسبة ثابتة من نفط العراق ـ في حال ضمّت كركوك لكردستان أم لم تضم ـ فلماذا يلحّون على دمج كركوك بكردستان، ولماذا ينشأ نزاع على الأراضي بين الاقليم والدولة كما تنشب تلك النزاعات بين دولتين متحادّتين؟!، ما الذي يتغير اذا ضمّت مناطق من الموصل وخانقين الى كردستان، وأهرق الثبات الاداري القديم لمجد يخصّ الكرد فقط، لا يعلم آخره مثلما يجهل أوّله؟.
كركوك، فتيل يمدّ حربنا بالمزيد وبيتنا أوهى من بيت العنكبوت، وهي قضية تثير الحساسية عند الجميع وليس الكرد فحسب، ربّما تثيرها عند الأميركيين أيضاً وهم الوحيدون القادرون على تحديد المصائر وقد أخبروا الكرد في زيارة رايس الأخيرة أنهم يرتكبون الأخطاء وأشاروا إليهم بأصبع غليظة تعدّت طابع الصداقة الحميمة التي تشي بإصغاء تام لما يقوله الأميركيون هناك في كردستان، باختصار، قالوا لهم ـ كما ذكر أكثر من تقريرـ:لا مستقبل للكرد بـ\" الانفصال\" عن مستقبل العراق.
في السياسة أيضاً لا تكسب من جديد ما خسرته، وقد لا تخسر ما تكسبه اذا ما أحسنت لعبة الإصغاء، قد تأتي مرحلة في العراق يكون الإصغاء فيه ورقة ضغط تدل على الجلد، وحتى تأتي هذه المرحلة سنسمع الكثير من الوعيد والزجر ولا نتداول سوى ورقة ضغط سياسية واضحة الآن:الاستعداد للقتال وهي لا تدل الا على بدائية التنافس وسياسة الغلبة، سياسة الغاب القديمة، وهي أسمى ما يفهمه الجميع!.
أقرأ ايضاً
- طوفان القدس والتاثيرات الاقتصادية على العراق
- قراءة في الحكومة الاسرائيلية الجديدة
- بانتظار الحكومة الجديدة