بقلم: القاضي علي عبد اليمه جعفر

يعد منع الجريمة من موضوعات السياسة الجنائية الحديثة، فهي تعالج بصورة متكاملة التجريم، والعقاب، والمنع، من اجل حماية المجتمع وتنمية طاقاته الاستثمارية.

وتتحقق الوقاية من الجريمة بإتباع منهجين متلازمين أولهما يتمثل بتوفير الظروف الاجتماعية الملائمة لعلاج الأسباب الاجتماعية لانحراف السلوك الإنساني المتمثل بالجريمة، وذلك لتمكين الأشخاص من العمل وفقا لحاجيات المجتمع وهذا ما يتطلب تضافر جهود جماعية لكافة سلطات الدولة دون استثناء أي سلطة منها، من خلال رسم سياسة اجتماعية تكفل القضاء على المشكلات الاجتماعية التي تتولد عنها الجريمة وذلك بتطبيق دقيق يكفل تحقيق العدالة والتنمية الاجتماعية ويعمل على تطوير الإحساس الاجتماعي بالمسؤولية وترجمة هذا الإحساس في عمل اجتماعي يحول دون وقوع الإجرام، وهذا ما يلمس في الدول المتقدمة التي حققت مرتبة عالية من حيث نجاحها في الحد من الجريمة وتميزها بمضاعفة نفقاتها للقضاء على أسباب الانحراف مقارنة بما تنفقه بعد وقوع الجريمة، وثانيهما يتمثل بتفعيل استخدام التدابير المانعة لمواجهة حالات الخطورة الاجتماعية التي تتوافر لدى بعض الافراد وتنذر بارتكاب الجريمة مستقبلا، وهذه التدابير بطبيعتها تمس حرية الأفراد، الامر الذي يتطلب ان تطبق بشكل يوفق من خلاله بين الحماية الاجتماعية وحماية هذه الحرية بعدها قيمة اجتماعية جديرة بالحماية.

فالوقاية الجنائية أصبحت ركنا أساسيا في بناء المجتمع وتنمية الاستثمار فيه، فهذا الأخير يتحقق بنوعين من الجهود، جهود إيجابية تهدف الى تحسين موارد الدولة المالية والطبيعية والإنسانية كماً وكيفاً بزيادة القدرة على التنمية ورفع مستوى الحياة لدى اكبر نسبة من سكانها وعادة ما تشمل قطاعات الصحة والصناعة والتجارة والزراعة والنقل وغيرها، وجهود سلبية تهدف الى الحد من الاجرام الذي يضعف من طاقة هذه الموارد وقدراتها على الإنتاج، لذلك فان الوقاية الجنائية يجب ان توضع ضمن الخطة العامة للتنمية، ويمكن ان نشير الى الاساس القانوني للوقاية الجنائية الى جانب الأساس الموضوعي المتمثل بالخطورة الاجتماعية او الخطورة الاجرامية، فقد نص قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل وكذلك قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لسنة 1971 المعدل على جملة من التدابير والإجراءات التي تهدف الى منع ارتكاب الجريمة كما في المواد 103, 106, 107, 108, 109 عقوبات والمواد من 317 الى 329 من قانون أصول المحاكمات الجزائية.