- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
أثر الذكاء الاصطناعي في العدالة الجنائية
بقلم: القاضي إياد محسن ضمد
هل يمكن تجهيز رجال الشرطة بأجهزة تمكّنهم من تشخيص أصحاب السوابق الذين تم الإفراج عنهم في حال تواجدهم بالقرب من المصارف والمواقع التي يمكن أن تكون هدفا لجرائمهم؟ الجواب نعم يمكن أن يحدث ذلك.. وهل يمكن معرفة كم مرة أشهر رجل الأمن سلاحه وهل كان الإشهار لأداء واجب وهل أن الواجب كان طارئا ومهما؟.. نعم يمكن ذلك من خلال ما يعرف بالحزام الذكي الذي يجبر رجال الشرطة في بعض الدول على ارتدائه.
كل ما كنا نتوقعه خيالي وغير ممكن سيصير واقعيا وممكنا مع الذكاء الاصطناعي… المدهش، فالذكاء الاصطناعي كما البشر، يفكر ويستنتج ويتوقع ويقدم الحقائق، فتلك الأنظمة الحاسوبية التي تمتلك خصائص تقترب في بعض تفاصيلها من الذكاء البشري هي أنظمة قادرة على اتخاذ قرارات بطريقة ونهج مشابهين للسلوك الإنساني في مختلف المجالات عن طريق خلايا عصبية صناعية تحاكي الخلايا العصبية البشرية وتتشابه معها في التفكير وتخزين المعلومات وربطها، ليس ذلك فحسب، بل إن من ابرز سماته هي قدرته على الإدراك وفهم تجارب قديمة ومن ثم توظيفها في مواقف وحالات جديدة للإفادة منها أو للوقاية من آثارها السلبية.
والعدالة الجنائية حالها حال بقية المجالات لم تعد بمنأى عن التأثر بالذكاء الاصطناعي والافادة من نظمه وخوارزمياته لتطوير العمل في مفاصل العدالة ومساراتها، فراح الذكاء الاصطناعي يدخل في انظمة كشف الجريمة وتعقبها والاسراع بمعرفة مرتكبها من خلال الأنظمة الخوارزمية المعقدة التي تستطيع معرفة المتهم الذي ارتكب الجريمة من بين مجموعة متهمين بعد تغذيتها بالمعلومات عن الضحية والمتهم ووسيلة ارتكاب الجريمة لكن الاشكالية التي تثور هي في حجية النتائج التي يقدمها الذكاء الاصطناعي للقاضي الجنائي والى أي مدى يمكن الاستناد للقناعة التي يوفرها ذلك الذكاء في بناء القناعة الوجدانية للقاضي البشري ومن ثم حمله لإصدار الحكم على أساسها.
تثور الإشكاليات كذلك في تحديد المسؤولية الجزائية للجرائم المرتكبة من خلال تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي فمن يتحمل تلك المسؤولية، ويضرب بعض الباحثين مثالا عن ذلك بان اطلاق طائرة مسيرة لصواريخ بناء على امر من يسيرها يتحمله المسير وان اطلاقها للصواريخ بدون امر المسير بسبب خطأ في البرمجة والنظام فان المسؤولية يتحملها من أخطأ في البرمجة، لكن ماذا عن حالة اطلاق الصواريخ التي تحدث نتيجة تمرد الذكاء الاصطناعي وانفلاته وقدرته على التفكير واتخاذ القرارات بإطلاق الصواريخ لا عن خطأ في برمجة ولا عن امر بشري وانما عن تفكير وتقدير وقرار ذاتي، وان مثل هذه الاشكاليات سنكون مضطرين لمواجهتها والاجابة على تطبيقاتها العملية مستقبلا وقبل ذلك مضطرين لوضع التشريعات القانونية التي تنظمها وتكون قادرة على وضع أحكامها وتغطية كافة احتمالاتها وصورها الجرمية … وانطلاقا من ذلك ينبغي على النظم القانونية ومؤسسات العدالة الجنائية ان تعد عدتها لمواجهة التغيّرات والتطورات السريعة التي يحدثها وسوف يحدثها الذكاء الاصطناعي وان تكون على مقدرة من مواجهته والافادة منه في الارتقاء بنظم العدالة الجنائية.
أقرأ ايضاً
- دور الذكاء الاصطناعي في إجراءات التحقيق الجزائي
- الذكاء الاصطناعي الثورة القادمة في مكافحة الفساد
- ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟!