بقلم: د. سلامة الصالحي
المثقف في المجتمعات الحديثة هو المعبر عن ضمير الناس وعن احلامهم وآمالهم، وتعد الثقافة الحقيقية مشتركا انسانيا بين جميع الناس، وهي الانحياز للخير والجمال والحق والمثقف، هو حامل شعلة النور في مجتمعه وقنديل ليل الظلام ووحشة التخلف والأزمة الحقيقية للمثقف، هي ألا يجد الحرية الكافية، ليوقد مشعل النور الذي كلفته به الحياة واعني هنا المثقف المبدع والخلاق والمفكك للخطابات الفردية والجماعية والمرشد للناس والتنويري إلى جوانب الحق والعدالة.
والحيادية الايجابية تعد من أولويات المثقف في التعامل مع السرديات الكبرى أو الصغرى اي بمعنى عدم الانحياز إلى الجانب المظلم في القضية في صراعها مع نقيض آخر يؤدي إلى فنائها في ذات الوقت. المرجو من المثقف هو الانحياز للقضايا الانسانية والوطنية الكبرى، أي بمعنى التمترس مع قضية الانسان والعدالة والحرية بكل تمظهراتها وجوانبها.
في الآونة الاخيرة ظهر على السطح ما يسمى بعودة الخطاب الطائفي المقيت في مناسبة هنا أو هناك، والذي يؤدي إلى إشعال الفتن وإيقاظ الضغائن والأحقاد في قضايا تاريخية روحية بت فيها وترك للزمن قطع دابر الخلاف فيها والالتفات وبجدية إلى بناء الوطن والانسان واللحاق بركب الحضارة، ولأن المنتج الوحيد الذي يستطيع عالمنا الثالث المنافسة به مع العالم المتقدم هو منتج الثقافة والفكر، ولأنه منتج نوعي وليس كميا، فينبغي أن يكون قد صقل في مرجل الأحداث ليخرج لنا المثقف بخطاب متزن وانساني ويحمل قيم الشرف الوطني والنواميس الانسانية.
نعم لك حرية الاختيار ليس المثقف، فحسب بل أي إنسان آخر ضمن هذه الرقعة الجغرافية من العالم، والتي شهدت نزاعات كثيرة ودماء جليلة لك حرية الاختيار في مذهبك ودينك وقوميتك وأثنياتك وانحيازك لأي حدث تاريخي، ولكن ينبغي أن يبقى هذا الانحياز داخل الذات، ولا يشرئب برأسه في الخطاب العام على مستوى المنتج الفكري أو طرح رأي يستفز الآخر، ويوقظ فيه ضغينة ما تحت مسمى حرية الرأي.
فليس بمفهوم الحرية هي الخروج بسيف الطائفية والنعرات التاريخية، في وقت صرنا نتوسل الزمن أن يعيدنا إلى طبيعتنا الاولى في نفض غبار الطائفية والسلوكيات الشائنة الناتجة عنها، والتي تؤدي إلى ضياع الإنسان، وبالتالي ضياع مسمى الوطن وارتباك نظام الدولة، والتي هي البيت الكبير الذي يجمعنا بكل أثنياتنا وطوائفنا، والتي نعود فيها إلى إنسانيتنا التي تجمعنا بلونها الابيض دون أن يكون موشور التنابزات، قد أحدث فعلته في التفرقة والمطالبات السلبية في عودة مشاريع التقسيم والتفتيت.. والعودة إلى المربع البغيض الذي أقل ما يقال عنه هو مربع الدم والموت المجاني.
من هنا تقع المسؤولية التاريخية على المثقف بعدم خيانة القضية الانسانية، التي تبنتها الثقافة على طول تاريخ البشرية، وهي احترام الذات والآخر.
وفي عصر ما بعد الحداثة والسرديات الصغرى وما أفضت الحروب والغزو الامريكي لبلادنا يجب على المثقف أن يقف وقفة شجاعة في تقبل هذه السرديات، ولكن دون التثقيف لها أو إشاعة الخطاب الطائفي الجزئي، الذي ينضوي تحت تلك المسميات، التي جاءت بها الخطط الغربية، والتي أذاقتنا مرارة الموت والنار التي اشتعلت في الرؤوس قبل أن تشتعل في الشوارع، وتسيل الدماء وتتعطل الحياة ويضيع معنى المواطنة.
عزيزي المثقف لو كان لديك شعور طائفي فاحتفظ به لنفسك ولا تجعله خطابا مثيرا للنعرات والتفرقة وميلادا، لمسخ حاولت الدماء ذاتها القضاء عليه وبتره من وجودنا الرابض على حافة الصراعات والحروب.
أقرأ ايضاً
- فازت إسرائيل بقتل حسن نصر الله وأنتصرت الطائفية عند العرب
- الدعوة إلى تجديد الخطاب في المنبر الحسيني.. بين المصداقية ومحاولة تفريغ المحتوى
- رصانة لغة الخطاب الاعلامي