بقلم: القاضي أريج خليل
الإعلام بصنوفه المرئي والمقروء والمسموع هو ليس السلطة الرابعة فحسب، بل انه من اعظم الأسلحة المؤثرة في المجتمع لأنه سلاح مؤثر على العقول والأفكار لاسيما بعد ان انضمت اليه وسائل التواصل الاجتماعي فأصبح أكثر الأسلحة فتكا، لأن الدول بدأت توظفه لنشر استراتيجياتها وأصبح تأثيره أقوى من تأثير الكتب والمدارس والمناهج العلمية، لذلك هو سلاح ذو حدين فهو وسيلة بناء وتربية وإصلاح وتقويم وأحيانا وسيلة هدم وضياع وإفساد.
إن الدول مهما حاولت التحكم بالمحتويات الإعلامية التي تحتوي احيانا على مضامين زائفة وباطلة بل وخطيرة على المجتمع الا ان هذه الرقابة قد تناسب الإعلام المقروء او حتى التلفزيوني، وفقدت اغلب الدول سيطرتها على الإعلام الحديث الذي يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية وقنوات اليوتيوب وغيرها، وان حرية الصحافة والاعلام وان كانت مكفولة استنادا لاحكام المادة ٣٨ /ثانيا من دستور جمهورية العراق لعام ٢٠٠٥ الا ان القانون يلعب دورا مهما في تنظيم هذه الحرية لان ممارسة هذه الحرية يجب ان لا يخل بالنظام العام والاداب حيث ان هناك أطرا قانونية تنظم حرية الاعلام وحرية التعبير عن الرأي، لأن التعسف في ممارسة هذه الحرية او ممارستها خلافا لقواعد النظام العام يجعل من يمارسها مرتكبا لجريمة التشهير أو القذف وهي من الجرائم التي جرمها قانون العقوبات العراقي.
واليوم تضاف جريمة جديدة لجرائم التعسف باستعمال الحقوق والحريات وهي جريمة التنمر، وهي نتاج طبيعي للانفتاح الالكتروني وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي الا انه ليس من الطبيعي ان يكون التنمر مادة اعلامية تصدر من شخص يدعي انه اعلامي وبقناة فضائية ويكون محتواه التنمر على شخصيات مجتمعية بهدف اضحاك المشاهد او المتلقي فهل هذه هي الرسالة والرؤيا الإعلامية.
الإعلام لا يمكن انكار دوره الايجابي الا ان الحريات وان كانت مصونة الا انها مقيدة بالمحافظة على النظام العام لذا يجب مراعاة وسائل تنظيم هذه الحريات ومنها الحرية الاعلامية ومحاولة تهذيب الحوار الاعلامي ومنع اساءة التوظيف الإعلامي وسوء استخدام الوسائل الإعلامية.
إن انتشار الجرائم الإعلامية ومنها التنمر الإعلامي، هو نتيجة وجود إعلاميين غير مؤهلين لهذه الوظيفة، فالإعلامي الذي لا يفرق بين الانتقاد البناء وبين التنمر لا يستحق أن يمارس هذه المهمة لذا ينبغي إعادة النظر بطريقة اختيار من يكون إعلاميا وحصر هذه الوظيفة بمن يكون فاهما الرسالة الإعلامية ومهنيتها وان لا يعتمد على مظهره الخارجي فقط وإنما الثقافة الذاتية وأسلوب الحوار كما قال سقراط للشخص الذي جاءه يتبختر ويتباهى بشكله ووسامته فنظر إليه وقال له تكلم حتى أراك، فالإعلام رسالة هادفة يجب أن تقدم ممن يكون لديه ثقافة شخصية وليس مظهرا خارجيا فحسب.
نأمل أن تكون هناك عقوبات رادعة لمن يحرف الرسالة الإعلامية ويحاول ان يوظف الإعلام توظيفا سلبيا عن طريق ارتكاب الافعال الجرمية كالقذف والتشهير والتنمر، وعلى الاعلام ان يكرس نشاطاته في المجالات المجتمعية والتثقيفية والدراسات النظرية لمواجهة الظواهر السلبية وخاصة ظاهرة التنمر وتوظيف الإعلام لتحليل هذه الظاهرة وبيان اسبابها ودوافعها واثارها وطرق علاجها لان التنمر هو احد اشكال العنف التي يمارسها الفرد ضد فرد آخر، فماذا لو كان العنف صادرا من جهة اعلامية يشاهدها الملايين فالكلمة التي يطلقها المتنمر بإمكانها أن تهدم شخصية الفرد المقصود وحتى المتلقي وتؤثر على نفسيته والى فقدان ثقته بنفسه فتؤدي به الى العزلة الاجتماعية وتراجع الأداء، في حين انه بالإمكان أن يكون عنصرا فعالا في المجتمع لولا تعرضه للتنمر، ونأمل من هيئة الإعلام والاتصالات أن يكون لها دور في تهذيب الحوار الإعلامي وان يتم السيطرة على سلوك كافة الاعلاميين عن طريق تفعيل مدونات السلوك الاعلامي التي أشار اليها القسم ٢ من الأمر رقم ٦٥ لسنة ٢٠٠٤.