شكل انسحاب عضو المحكمة الاتحادية القاضي عبد الرحمن زيباري، بداية لتصعيد قادم من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني "بارتي" الحاكم في أربيل، ضد بغداد وقرارات المحكمة الاتحادية، المتهمة من قبل الإقليم بسحب صلاحياته، كما يرى مراقبون، في حين، نفى متخصصون أيّ أثر قانوني لهذا الانسحاب، نظرا لوجود أعضاء احتياط يكملون النصاب في حال انسحاب أحد أعضاء المحكمة.
ويقول الباحث في الشأن السياسي محمد علي الحكيم، إن "انسحاب القاضي عبد الرحمن زيباري من عضوية المحكمة الاتحادية، يعد خطوة تصعيدية سياسية من قبل حكومة إقليم كردستان، وتحديدا الحزب الديمقراطي الكردستاني، كورقة احتجاج وضغط على سحب صلاحيات الإقليم من قبل بغداد عبر هذه المحكمة، ونتوقع خطوات تصعيدية أخرى ستكون خلال المرحلة المقبلة".
ويضيف الحكيم، أن "حكومة إقليم كردستان ستعمل بكل وسائل الضغط السياسية الممكنة من أجل منع سحب صلاحياتها، خاصة المالية والنفطية"، منبهاً "من غير المستبعد مقاطعة وزراء الديمقراطي الكردستاني لجلسات الحكومة، وكذلك نواب الحزب لجلسات البرلمان، فخطوة انسحاب القاضي عبد الرحمن زيباري هي بداية التصعيد".
ويؤكد أن "القوى السياسية بالتأكيد تدرك خطورة أي تصعيد مع الإقليم، ولذا سيكون هناك حراك سياسي من أجل تهدئة الأوضاع مع الإقليم ومحاولة إيجاد اتفاقات سياسية تعيد جزءا من صلاحيات الإقليم ومنع تحركات سحب الصلاحيات عبر القرارات القضائية التي تصدر من المحكمة الاتحادية العليا".
وكان القاضي عبد الرحمن زيباري، عضو المحكمة الاتحادية عن إقليم كردستان، أعلن يوم أمس الثلاثاء، انسحابه من عضوية المحكمة، وبحسب مؤتمر صحفي، فإن انسحابه جاء احتجاجا على القرارات الصادرة مؤخرا ضد إقليم كردستان، كما أكد "وجدت نفسي في موقع أصبحت فيها جهودي، وامكانياتي العلمية والمهنية عاجزة عن تحقيق غايتها في الدفاع عن مصالح إقليم كردستان"، عازيا قراره إلى "نزعة في قرارات المحكمة المتتالية نحو العودة التدريجية إلى أُسس النظام المركزي للحكم، والابتعاد شيئا فشيئا عن أُسس ومبادئ النظام الاتحادي".
وأصدرت المحكمة الاتحادية، في شهر شباط الماضي، قرارا بحصر توزيع مرتبات موظفي الإقليم بالمصارف الحكومية الاتحادية خارج الإقليم، الأمر الذي أثار مخاوف السلطات والأحزاب هناك من تحجيم سلطات الإقليم التي أقرّها الدستور.
ويعاني موظفو إقليم كردستان منذ فترة طويلة من انقطاع رواتبهم أو اجتزائها بحجة عدم وصولها من المركز، ويأتي هذا القرار الذي يراه الحزب الحاكم في كردستان تقويضا لصلاحيات الإقليم، يأتي لحل أزمة خرجت على إثرها عشرات التظاهرات والاحتجاجات من قبل موظفي الإقليم.
كما أصدرت أيضا، قرارات بشأن انتخابات برلمان الإقليم، حيث قسمت الإقليم إلى 4 مناطق انتخابية، وقررت أيضا أن تحلَّ المفوضية العليا المستقلة للانتخابات الاتحادية بدلا من الكردستانية.
وجاء قرار المحكمة لصالح شكوى قدمها الاتحاد الوطني الكردستاني بعد فشل حسم خلافه مع غريمه التقليدي الحزب الديمقراطي الكردستاني بشأن قانون الانتخابات داخل برلمان كردستان العراق.
من جانبه، يبين الخبير القانوني جمال الأسدي، أن "مجلس النواب العراقي أجرى تعديلا على قانون المحكمة الاتحادية، وجعل هناك مجموعة من القضاة الاحتياط لسد أي شاغر في نصاب المحكمة، بالتالي انسحاب أو استقالة عضو لا يؤثر على عملها من الناحية القانونية".
ويتابع الأسدي، أنه "من الناحية السياسية انسحاب القاضي عبد الرحمن زيباري، من عضوية المحكمة الاتحادية، له تأثيرات وتداعيات، فهذا الأمر سيكون له تأثير في مصداقية القرارات التي تصدر من هذه المحكمة خلال المرحلة المقبلة".
ويلفت إلى أن "المحكمة الاتحادية، يفترض أن تقدم تفسيرات دستورية وفق قناعات وطنية، لكن عند فقدانها المصداقية والقناعات الوطنية، سيكون هناك تأثير على عملها، فالانسحاب له تأثير سياسي كبير أكثر مما له تأثير قانوني".
وكان رئيس حكومة الإقليم والقيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسرور بارزاني، أكد في وقت سابق، خلال لقائه زير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أن قرارات المحكمة الاتحادية والخطوات المتخذة ضد إقليم كردستان والفيدرالية في العراق تثير القلق، وأنه يجب احترام الكيان الدستوري للإقليم والنظام الاتحادي والمبادئ الديمقراطية في العراق.
من جهته، يبين المحلل السياسي الكردي كاظم ياور، أن "انسحاب القاضي عبد الرحمن زيباري، من عضوية المحكمة الاتحادية، كان متوقعا، حتى وأن كان هذا الانسحاب لا يؤثر من الناحية القانونية على تعطيل اتخاذ القرارات الاتحادية، لكنه له تأثيرات سياسية".
وينوه ياور، إلى أن "انسحاب القاضي له تأثيرات سياسية، أبرزها مؤشر على تصدع وتآكل بنية تشكيل المحكمة، ولذا سيكون للانسحاب تداعيات وتطورات خلال الأيام المقبلة، وربما الأمر لا يتوقف فقط على هذه الخطوة".
ويستطرد أن "المحكمة الاتحادية، إذا أردنا لها أن تكون محكمة دستورية لابد من تأسيسها وفق المادة 92/ ثانيا من الدستور، فاقتصار واختزال أعضاء المحكمة الاتحادية على القضاة فقط، فيه قصور موضوعي، حيث أن أغلب الموضوعات المطروحة أمامها ذات طابع سياسي وإداري وبعضها متعلق بأحكام الشريعة الإسلامية".
وتعدّ المحكمة الاتحادية في العراق، أعلى سلطة قضائية في البلاد، وبحسب الدستور فإنها تتولّى الفصل في النزاعات في القضايا الاتحادية، وتسلّم الاعتراضات والطعون في القرارات الصادرة من الرئاسات الثلاث (رئاسات البرلمان والجمهورية والحكومة)، فضلا عن المصادقة على نتائج الانتخابات التشريعية.
يذكر أن المحكمة الاتحادية ومنذ انتخابات مطلع العام الماضي، برز دورها الكبير في الأزمة السياسية التي عصفت بالبلد بعد الانتخابات المبكرة، وقد أصدرت قرارات كثيرة حلت فيها النزاعات السياسية، فضلا عن حسمها لكثير من الدعاوى التي رفعت أمامها بشأن ملفات سياسية واقتصادية، وتحولت إلى المقصد الأول لكافة القوى السياسية المتخاصمة في البلد.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- هل ستفرض نتائج التعداد السكاني واقعا جديدا في "المحاصصة"؟
- هل تطيح "أزمة الدولار" بمحافظ البنك المركزي؟
- انتخاب المشهداني "أحرجه".. هل ينفذ السوداني التعديل الوزاري؟