باتت مواقع التواصل الاجتماعي جزءا أساسيا من حياة الإنسان في السنوات الأخيرة، وأصبحت مصدرا مهما لدى الكثير من متابعيها، وتحولت إلى لاعب مؤثر في صناعة الرأي العام، سواء كان هذا التأثير سلبيا أم إيجابيا، إلا أن الخطورة في هذا الواقع الجديد تكمن بظهور قنوات وحسابات تقدم معلومات قانونية وطبية غير دقيقة وبعضها مغلوطة، ما يؤدي بالنتيجة إلى مخاطر صحية وتوقع البعض في مشاكل أمنية.
وتقول الصيدلانية نور علي، صاحبة صفحة على موقع إنستغرام تعرض فيها محتوى صحيا، إنه "منذ أشهر قليلة عملت حسابا في إنستغرام، أشجع من خلاله على اتباع نمط صحي في الأكل والحياة، والموازنة بين كميات الطعام في الوجبة الواحدة، وأيضا تقليل كمية الزيت المستخدم بالطبخ واعتماد البدائل الصحية مع قطع الخبز الأبيض".
وتضيف علي، "أتجنب نشر معلومات طبية، لأن الدخول بهذا المجال يحتاج الكثير من القراءة والبحث ومع الأسف لا يوجد عندي هذا الوقت، كما أنني أرى نفسي أصغر من أن أنشر معلومة طبية وأورط أحدا ما بها، أو بمعلومة أنقلها ممكن قد تكون خطأ".
وتستدرك "لكوني صيدلانية أتابع ما ينشر من معلومات خطأ بالتسويق لمنتجات العناية بالبشرة والصحة، والمصيبة الأكبر أن الذين يروجون لهذه المنتجات السيئة هم فئة مهمة ولديهم متابعين يقلدونهم تقليدا أعمى، لأنه باختصار لا يوجد أي عقاب أو قانون أو رقابة على هذه الأمور".
وتنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة قنوات وحسابات يدعي أصحابها أنهم من المختصين في المجال الصحي ويقدمون معلومات ونصائح طبية، أو يروجون لمنتجات طبية تعنى بالعناية بالبشرة والتنحيف غير خاضعة للرقابة الصحية، وهناك من يتابع هذه الحسابات ويأخذ بما تقدمه من نصائح.
ويعرض الكثير من الفنانين وصنّاع المحتوى على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، إعلانات لمنتجات تهتم بالرشاقة والتنحيف والتجميل، إلا أن أياً من هؤلاء لم يتأكد من مدى مطابقتها للشروط الصحية، وما يمكن أن تسببه مضاعفاتها.
بدورها، تؤكد أخصائية طب الأسرة، وصانعة محتوى طبي، صفا الشجيري، أن "كتابة محتوى لمعلومات طبية من أصعب الأشياء وفيها مسؤولية كبيرة، وعلى الطبيب تقديم المعلومة بطريقة صحيحة وبنفس الوقت تجذب المتابع".
وتشير إلى أن "المحتوى يحتاج من الوقت تقريبا ساعة بين تصوير وتعديل، لكن البحث عن موضوع يجذب المتابعين ومهم فهذا يأخذ وقتا أكثر ودراسة أعمق، وهذا ما يدفعني إلى متابعة آخر الأبحاث الطبية حتى تكون المعلومة صحيحة ودقيقة".
وتحذر الشجيري "من خلال متابعتي للمعلومات التي تنشرها بعض القنوات والتي تدعي أنها طبية، لكن في الحقيقة هم ينشرون معلومات مغلوطة وغير دقيقة فقط لمجرد زيادة عدد المتابعين وحتى القائمين عليها ليسوا من أصحاب الاختصاص، مثلا قبل مدة شاهدت خريجة إحدى الكليات غير الطبية تنصح بطريقة مغلوطة عن إعطاء العلاج ومتابعيها كثر وهذا الشيء يؤدي إلى نشر المعلومات الخاطئة، ونتمنى أن تكون هناك رقابة من جهات أعلى ومختصة".
يشار إلى أن وزارة الداخلية وبالتعاون مع مجلس القضاء الأعلى أعلنت مطلع العام 2023 إطلاق حملة مكافحة المحتوى الهابط، وتم إلقاء القبض على العديد من أصحاب القنوات والحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي وصدرت بحقهم أحكاما بالسجن، وما زالت الوزارة تعلن بين وقت وآخر عن اعتقال أشخاص ضمن هذا العنوان، إلا أن الحملة لم تشمل الحسابات التي تروج أو تقديم معلومات طبية وصحية مغلوطة.
وكان المركز العراقي لمحاربة الشائعات، أصدر بيانا العام الماضي، ودعا فيه وزارة الصحة ونقابة الفنانين العراقيين، إلى اتخاذ إجراءات صارمة بحق شركات بيع المنحفات والمستحضرات التجميلية التي تروج لمنتجات غير خاضعة للموافقات الصحية على مواقع التواصل الاجتماعي، وذكر في بيان صحفي أن بعض هذه الشركات تمارس عمليات تضليل للمواطنين بواسطة بيع منتجات منحفة دون عرض الموافقات الصحية ويتم الإعلان عنها بواسطة بعض الفنانين والمشاهير على أنها منتجات ناجحة ومجربة، وتعد هذه مخالفات قانونية وصحية يجب على الجهات المعنية اتخاذ اللازم بحقهم.
بدوره، يوضح الصحفي والصانع للمحتوى الثقافي والتاريخي حيدر البدري، أن "صانع المحتوى لا يقوم ببحث دقيق ومصادر موثوقة حين يقدم المحتوى الذي يريده، بل يستخدم أي محرك بحث على الإنترنت ويأخذ أي معلومة يراها أمامه من دون تدقيق".
ويتابع "المشكلة أن لدى هؤلاء متابعين كثر وبالتالي فهم مصدر لمعلومات غير دقيقة تنتشر على نطاق واسع ويجب الانتباه إلى خطورة هذا الأمر، لذلك أنا أنصح بأن لا يأخذ المتلقي أي معلومة من دون أن يسأل المختصين عنها أو على الأقل يبحث عن صحتها في المواقع المختصة والموثوقة على الإنترنت".
ويشدد البدري "عند صناعة المحتوى الخاص بي أحاول قدر المستطاع أن تكون معلومتي صحيحة من خلال البحث والسؤال ودقة المصادر، ورغم ذلك لا أدعي أنني وصلت إلى مرحلة المثالية فهناك أخطاء تصدر مني بعضها أعتذر عنها أو أحاول تصحيحها".
ويختم حديثه بـ"صناعة المحتوى عملية إعلامية صحفية لكنها لا تخضع إلى أي معايير معتمدة وهذه إحدى سلبيات الفضاء المفتوح وبالنهاية يترك أمر تدقيقها للجمهور لصعوبة خضوع الإنترنت للرقابة لأن هذا يدخل في موضوع حرية التعبير".
وإلى جانب قنوات الترويج الطبي، هناك أيضا أشخاص يقدمون أنفسهم كصحفيين وإعلاميين ويتعمدون نشر معلومات خاطئة ومثيرة لجذب الأنظار والحصول على أكبر عدد من المتابعين، ومن ثم يبدأون ببث اتهامات لهذا الطرف أو ذاك لغرض الابتزاز أو التسقيط أو الترويج بجهات دون غيرها.
وبهذا الصدد، يشير الخبير القانوني جميل الضامن، إلى أن "تقديم معلومات غير صحيحة وخاصة الطبية، فإن المشرع العراقي وضع شكلا من أشكال الحماية لسلامة المواطنين من ذلك، وفرض عقوبات على مروجي المعلومات الكاذبة أو المغلوطة".
ويبين أن "قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المادة 210 فيه نصت على الملاحقة والحبس والغرامة على كل من أذاع عمدا معلومات أو بث دعايات مثيرة أو ألحق الضرر بالمصلحة العامة أو نشر معلومات كاذبة منسوبة للغير، وهذا يسري على ما يتم تداوله في مواقع التواصل دون الاستناد إلى بحوث علمية رصينة".
يشار إلى أن بعض القنوات والحسابات التي لديها أعداد كبيرة من المتابعين يتم الاستعانة بهم من قبل بعض مراكز التجميل غير المرخصة قانونيا، وحصلت عدة حالات وفيات ومضاعفات صحية خطيرة في هذه المراكز، ما دفع وزارة الصحة إلى القيام بحملات تفتيش بين وقت وآخر ويجري الإعلان عن إغلاق عدد من هذه المراكز.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- هل ستفرض نتائج التعداد السكاني واقعا جديدا في "المحاصصة"؟
- هل تطيح "أزمة الدولار" بمحافظ البنك المركزي؟
- انتخاب المشهداني "أحرجه".. هل ينفذ السوداني التعديل الوزاري؟