- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الصافي للتيجاني: سبيلنا الى النجاة التمسك بالعترة والاعتصام بالوحدة
حجم النص
بقلم:حسن الهاشمي
التمسك بالعترة هو عينه الاعتصام بالوحدة، والاعتصام بالوحدة هو عينه التمسك بالعترة، هما صنوان لا يختلفان ولا يفترقان، وهما معا سبيلنا الى النجاة، ولا يمكن العمل بما جاء في القرآن الحكيم وبالأخص الاعتصام بالوحدة والتآلف والتآخي الا بانتهاج نهج النبي وأهل بيته عليهم السلام.
قال تعالى بشأن التمسك بالعترة: (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) الشورى: 23.
وقال تعالى بشأن الاعتصام بالوحدة: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ آل عمران: 103.
وقال الرسول الأكرم بضرورة انتهاج الكتاب والعترة معا: (أيها الناس إني قد تركت فيكم حبلين إن أخذتم بهما لن تضلوا بعدي، أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) الطبرسي، مجمع البیان، ج 2، ص 805.
من هذا المنطلق أكّد ممثل المرجعية الدينية العليا المتولّي الشرعيّ للعتبة العباسية المقدسة السيد أحمد الصافي، على التمسّك بنهج النبيّ والعترة الطاهرة (صلوات الله عليهم أجمعين)، والحفاظ على وحدة المسلمين، جاء ذلك خلال لقائه رجل الدين التونسي السيد محمد التيجاني، يوم الأحد، 10 ديسمبر 2023م واستماعه إلى حديثٍ حول أوضاع أتباع أهل البيت (عليهم السلام) في تونس وأنشطتهم وفعّالياتهم.
في آية الاعتصام يأمر الله تعالى فيها المسلمين أن يتسمكوا بالحبل الإلهي، ويتذكروا عندما كانوا أعداء لبعضهم البعض، وكيف أوجد الله تعالى الرحمة في قلوبهم بالإسلام، وجعلهم إخوة متحابين، وفي شأن نزول هذه الآية يرى العديد من المفسرين الشيعة والسنة أنَّها نزلت في قبيلة الأوس والخزرج، حيث افتخر رجلان من الأوس والخزرج ببعض أفراد قبيلتهما المعروفين، فأدى هذا التفاخر إلى نشوب نزاع بينهما، فطلب كل واحد منهما المساعدة من قبيلته، فتحول الجدال بين رجلين إلى جدال بين قبيلتين، فأحضرت كلتا القبيلتين السلاح من أجل الاقتتال، فلما وصل الخبر إلى رسول الله (ص) ذهب إلى ذلك المكان فأنزل الله تعالى هذه الآية فقرأها عليهم. الطبرسي، مجمع البيان، ج 2، ص 804.
ذكر الكثير من المفسرين أنَّ المحتوى الرئيسي لآية الاعتصام هو الدعوة إلى الاتحاد ومحاربة أي نوع من أنواع التفرقة بين المسلمين، حيث وصف الله تعالى في هذه الآية الأخوة والمحبة بأنها هي السبيل لخلاص المسلمين، الذين كانوا على حافة هاوية النار، والنار في هذه الآية ليس نار جهنم، بل هي كناية عن نيران الحروب والنزاعات الطويلة التي كانت تقع بين العرب في زمن الجاهيلة كالتي وقعت بين قبيلة الأوس والخزرج قبل الإسلام، والتي اطفئها الله تعالى بالإسلام عن طريق توطيد المحبة والأخوة فيما بين المجتمع الواحد. مكارم الشيرازي، الأمثل، ج 3، ص 32.
يرى العلامة الطباطبائي في قوله تعالى: (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ۗ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) آل عمران:101. إن الآية تتعرض لحكم الأفراد، وتأمرهم بشكل شخصي التسمك بالكتاب والسنة، وآية الاعتصام تتعرض لحكم الجماعة المجتمعة والدليل عليه قوله:(جميعاً) وقوله: (ولا تفرقوا) فالآيات تأمر المجتمع الاسلامي بالاعتصام بالكتاب والسنة كما تأمر الفرد بذلك. الطباطبائي، الميزان، ج 3، ص 369. والسنة أعم من سنة النبي وسنة العترة الطاهرة من أئمة أهل البيت الإثني عشر كما عرّفهم الرسول الأعظم في حديث الثقلين وغيره من الأحاديث الكثيرة في هذا المجال.
وقد وردت آراء مختلفة حول المقصود من عبارة «حبل الله» في هذه الآية، وقد ذكر مجموعة من المفسرين الشيعة والسنة أنَّها القرآن أو الإسلام، وذكر بعض المفسرين من أهل السنة إنَّها تعني الجماعة، وذهب مفسري الشيعة إن عبارة «حبل الله» يٌقصد بها عترة النبي (ص)، وقال البعض أنها العهد بين الإنسان والله تعالى، ويرى الطبرسي في مجمع البيان إنَّ أفضل معاني عبارة (حبل الله) هو القرآن وعترة النبي (ص)، وأن التمسك بالقرآن وحده لا يوصلنا الى التكليف الشرعي، فقد أمر الرسول صراحة بإتباع القرآن مع أهل بيته معاً.
يرى البعض إنَّه لا يوجد اختلاف وتضارب بين تلك الأقوال في عبارة (حبل الله)؛ لأن المراد من الحبل الإلهي هو كل وسيلة تؤدي إلى الارتباط بالله تعالى، سواء كانت هذه الوسيلة هي الإسلام، أم القرآن الكريم، أم النبي وأهل بيته الطاهرين، ويرى الشيخ مكارم الشيرازي إنَّ الاهتمام في هذه الآية بحبل الله، فهو إشارة إلى حقيقة، وهي أن الإنسان سيبقى في حضيض الجهل والغفلة، ومن أجل الارتفاع من هذا الحضيض لابد من حبل متين يتمسك به ليخرجه من بئر المادية والجهل والغفلة، وهذا الحبل ليس إلاَّ الارتباط بالله عن طريق الأخذ بتعاليم القرآن الكريم وأهل البيت. مكارم الشيرازي، الأمثل، ج 3، ص 32.
يرى العلامة الطباطبائي إنَّ الله تعالى ذكر في هذه الآية دليلين على ضرورة الاتحاد وعدم التفرق:
الدليل الأول يستند على التجربة والسابقة التاريخية والإشارة إلى ما حدث بين قبيلة الأوس والخزرج (إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء).
الدليل الثاني عقلي أيضاً (كُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ) وهذا يعني إنَّ الخلافات تؤدي إلى التنازع والقتال، وفي النهاية نسقط في نار الجهل.
وقد ذكر إنَّ إثبات الأقوال والتعاليم الإلهية لا يحتاج إلى دليل، ولكن هذه هي طريقة الله تعالى في توضيح أسباب هدايته، وبالإضافة إلى ذلك، يريد الله من عباده ألا يقبلوا الكلمات على نحو أعمى، وأن يعرفوا أنَّ الحقائق الإلهية مرتبطة ببعضها البعض. الطباطبائي، الميزان، ج 3، ص 370.
ما نراه من مهاترات وخلافات بين الأمة الاسلامية في الوقت الحاضر سببه الابتعاد عن نهج الكتاب والعترة وما فيهما من الفة ومحبة في اطار أخذ معالم الدين الاسلامي الحنيف ممن خوطب به وهو الرسول والعترة الطاهرة، فالعترة هي المبينة للأحكام والأحكام هي المثبتة للعترة في ازدهار الأمة وفك الاختناقات التي قد تعتورها في مسيرتها الرائدة، فالكتاب والعترة لن يفترقا حتى يوم القيامة وهما السبيل الى النجاة في الدنيا والآخرة، السيد الصافي لم يدع بضرورة التمسّك بنهج الإسلام والنبيّ محمد وآله الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين) فحسب، بل يدعو الى السير على نهجهم القويم، وبهذا يمكن المحافظة على وحدة المسلمين.
أقرأ ايضاً
- العراق على مفترق طرق بعد موقف سماحة السيد مقتدى الصدر الأخير؛ اما النجاة او نهاية دولة اسمها العراق
- لو لم تكن الفتوى موجودة ماذا سيحصل؟ .. أسئلة السيد أحمد الصافي صفعات للنخب ولأهل القرار !
- من اعطى مسؤولية المتوليين الشرعيين للشيخ الكربلائي والسيد الصافي في ادارة العتبتين بكربلاء ؟