- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
لو لم تكن الفتوى موجودة ماذا سيحصل؟ .. أسئلة السيد أحمد الصافي صفعات للنخب ولأهل القرار !
بقلم: نجاح بيعي
ما يربو على نيف وعشرين سؤالاً أثارها ممثل المرجعية الدينية العليا, والمتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدسة السيد (أحمد الصافي) خلال كلمته في حفل افتتاح (مؤتمر) فتوى الدفاع الكفائي المقدسة (الخامس) في 17 حزيران 2021م, وطرحها أمام جميع (العقلاء) و(المفكرين) و(أهل الرأي) و(القرار) ولم يستثني أحدا ً, فكانت بمثابة صفعة قوية تُضاف الى سابق مثيلاتها, وحري بهذه الأسئلة أن تكون مدعاة الى صحوة من قبل تلك النخب لتحمل المسؤولية (الوطنية) على أقل تقدير في هذا البلد. والخطاب يتعدى المؤتمرين في القاعة, الى حيث الآخرين من النخب الرتع في طول البلد وعرضها, ولاسيما أهل (القرار) منهم الذين يعلمون جيدا ً ما أصاب العراق وشعبه من مآسي وويلات ما بعد التغيير, وواكبوا طروحات ومطالب المرجعية الدينية العليا ووصاياها وإرشاداتها, في الأزمات الكبيرة والمنعطفات الخطيرة, فكان سماحة السيد (أحمد الصافي) لسان حال أغلب خطابات المرجعية العليا تلك, فالرجل يعي ما يقول ويعرف الى مَن يوجه كلامه, وقد عرفهم وخبرهم جيدا ً, كما هم قد عرفوه وخبروه جيداً.
فحينما بدء بطرح السؤال الأول (الأمّ): (لو لم تكن الفتوى حاضرة وموجودة ما الذي كان يُمكن أن يحصل؟!)(1), وبعدها راح يسترسل بسيل من الأسئلة (الصفعة تلو الصفعة) تباعا ً بطريقة (الإستدراج) حتى وضع الجميع وجها ً لوجه أمام الحقيقة المرة, التي غيبتها الأحداث المأساوية المتتالية و(المصطنعة), والشعارات الزائفة الرنانة, والزهو الفارغ, والتغافل والتكاسل الثقيل, والدعة والتهاون الذي أصاب الأغلبية, ألا وهي (الفساد) واستشرائه في جميع مفاصل الدولة!. ويعلم الجميع أن المرجعية العليا قد حذرت من تلك الآفة المدمرة, منذ أن تشكلت أول حكومة شرعية بانتخابات شعبية حرة بعد التغيير عام 2003م والى الآن: (وإذا ضرب الفساد كل مفاصل الدولة فستنهار) فبالنتيجة نبّه سماحته الى اشتراك مخرجات وأهداف الفساد مع مخرجات وأهداف العدو (داعش), بل كان داعش أحد أخطر مخرجات الفساد ذاته, كما أكدت المرجعية العليا ذلك في عام 2015م: (من المؤكد أنّه لولا استشراء الفساد في مختلف مؤسسات الدولة.. لما تمكن تنظيم داعش الإرهابي من السيطرة على قسم كبير من الأراضي العراقية..)(2).
ـ (لو لم تكن الفتوى موجودة ماذا سيحصل)؟. بتكرار سماحته لهذا السؤال, كان كمن يطرق بمطرقة من حديد, وشد الإنتباه لبيان خطر مؤدى عبارة (السؤال) وما يرمي إليه. فإذا كانت (الفتوى فعل عظيم وكبير) وهي كذلك, فلا بد من وجود بالمقابل ردة فعل (أو ردود فعل) موازية تتناسب وهذه (العظمة)!؟ وبهذا السؤال يضع الجميع ثانية وجها ً لوجه أمام قصورهم وتقصيرهم, ويكبلهم بتلك (المعادلة) التي لم تستوفي ردة فعل ما يوازيها للأسف. لذلك وعلى سبيل الدفع نحو (الإثارة) لتفهم الأمور, والدفع نحو كيفية (قراءة) التاريخ وتدوينه بواقعية، كان سماحته قد تطرق الى (3) نقاط مهمة منها:
ـ النقطة الأولى: (أن هذه الفتوى المباركة هي ظاهرة مهمة ولابُد أن تُدرس) في إشارة الى أن هذه (الفتوى) لم تُدرس بشكل وافي على نحو الإستحقاق للآن, ولم يتم استجلاء مضامينها القويمة والعظيمة للآن. وما الشروع في توثيق (كل) جزئية متعلقة بهذه الفتوى من قبل إدارة العتبة العباسية, ومنها بالخصوص توثيق (كل ما كان له دور في المعركة) ضد داعش, إلا دعوة لمشاركة الجميع (بالفعل) في تدوين التاريخ بلا زيف, وذلك وفاءا ً للفتوى المقدسة وللتضحيات العظيمة لهذا الشعب, ولمساعدة الجيل الناشئ والأجيال القادمة على فهم وتعقل ودراسة الفتوى المقدسة, ولكي يكتسب هذا الجيل والأجيال القادمة المناعة الناجعة ويكون بمنأى ومنجى عن الكثير من الشبهات والأكاذيب وتزييف الحقائق.
النقطة الثانية: الفتوى الجريئة (منعت وصول هذا الفكر الداعشيّ المنحرف إلى العراق) فكانت سدّا ً منيعا ً أكسبت العراق وشعبه (مناعة) دائمة ضد كل فكر ظلاميّ وإرهاب دموي تحت أي مُسمّى كان. بل منعت أيضا ً (التأثير على مساحات كثيرة ودول أُخَر) رغم كل الإدعاءات الفارغة, ومحاولات التقزيم والتشويه والمناورة في ذلك. وفي هذه المحطة من كلمته دعا سماحته الجمع المتمثل بـ(العقلاء والمفكرين وأهل الرأي والقرار) ليسألوا أنفسهم الأسئلة التالية تباعاً: كيف حدث هذا؟ ومَنْ كان وراءه؟ وماذا كان يُراد له؟! حتى (جاءت هذه الفتوى وغيّرت الموازين وقلبت المعادلة)!. لينسف سماحته بذلك هياكل القيم الخاطئة التي أراساها المدّعين الكاذبين, ويدك إهرامات المبادئ المنحرفة الهشة التي أشاعها المغرضون, ويضعهم أمام قيم ومبادئ ومضامين الفتوى المقدسة لسيد النجف, التي لم يُسبر غورها ولم يُعرف كُنهها للآن.
النقطة الثالثة: لماذا وقع العراق في الفخ؟ سؤال مباشر ابتدره سماحته مستهلا ً به النقطة الثالثة, فكان وقعه على الجميع أقوى من غيره, فجاء مدويا ً كصفعة قوية. سؤال مصيري ينبغي أن يكون جوابه مصيري أيضا ً. وحري بهذا السؤال أن ينعش الذاكرة عند البعض, ممن يتمتعون بذاكرة مثقوبة ضحلة وكأنها برك مياه آسنة. سؤال اعترض ويعترض كثيرا ً من المشاريع والأجندات محلية وإقليمية ودولية, شكلت حاجزا ً يمنع التفكير ولو ببعض من هذا السؤال! سؤال مهم وخطير أراد سائله أن ينتشل به (العقل) والعقل (الجمعي) قبل أن يُمحق ويتردى بظلمة حالكة هالكة, وينقذ به (الفكر) قبل أن يُشوّه ويغرق بالضبابية والسوداوية, ويسدد به (الرأي) قبل أن يفلت من عقاله ويغرق بالسفاهة والتفاهة والشناعة, سؤال هو دعوة لـ(أهل القرار) ومَن يُمسك بالسلطة والنفوذ ويتحكم بهذا البلد, لأن يعوا ويرعويّ كل واحد منهم ويسأل نفسه بـ(مِن أين كانت المشكلة)؟ حتى تمكّن هؤلاء الشرذمة من الإرهابيين الدواعش, أن يحتلّوا مدينةً كبيرة كمدينة (الموصل) ومعها مدن أخرى, وحاولوا احتلال مدن أُخُر؟. وأن يسأل نفسه صادقا ً ويجيب بذات درجة الصدق عنده إن كان صادقا ً حقا ً: (وما هي الضمانة على أنها لا تتكرّر)؟.
ـ مع أن (هذا السؤال يحتاج إلى مزيد من الجرأة في الجواب ومزيد من الواقعيّة)! قالها سماحته مردفا ً. لماذا؟ (لأن المشكلة التي حدثت كبيرة جداً، والفتوى كانت في حالة أعظم من المشكلة الفعلية)! ولأن الفتوى المقدسة كانت في حالة أعظم من مشكلة (داعش) وإرهابها, فدحضتها وانتصر الشعب بـ(الفتوى) على داعش وإرهابه.. فكان ما كان, وحصل الإنحراف عن خط الفتوى!؟ وكان سماحته قد عبّر عن قضية الإنحراف عن خط الفتوى بغاية من الدبلوماسية والشفافية بـ(سؤال) مصيريّ آخر, توجه به لأهل القرار خاصة وهو: (لماذا حدثت هذه الأمور التي هي خارجة عن الفتوى)؟.
ـ واستفهم سماحته كما يستفهم كل مواطن شريف ـ غيور على وطنه سائلا ً: فهل المشكلة في النظام السياسي؟. أم المشكلة في الجيش؟. أم في الفساد المستشري في البلاد؟. أم المشكلة في تسنّم أشخاصٍ غير كفوئين ومهنيّين لمقدّرات البلد؟.
ـ أين المشكلة؟! فهل من مُجيب؟. لا مُجيب!
ـ (ما حدث أمر خطير لم يحدث في بلدان العالم)! هل تدركون ذلك؟ أو تعلمون؟
ـ(التفتوا لما أقول..) قالها بمرارة. وراح يقرأ المشهد على الجميع, ويُدلي بأسئلته الإستنكارية على مسامع أهل القرار ومَن يُمسك بالسلطة:
(الإستجابة للفتوى حدثت من جماهير الناس ـ من الشعب.. الجماهير هي التي ساعدت واستجابت وسارعت، بمجرّد أن صدرت الفتوى الجماهير زحفت إلى مواقع التهيئة للقتال: مَنْ هؤلاء الذين قاتلوا)؟ مَن المتكفّلُ باستحقاقاتهم؟!. نعم.. مَن لبّى أعمارهم متباينة ومتفاوتة وهم عشقوا البلد ونزفت دماؤهم على أرضه، ولم يفرّقوا بين مدينتهم ومدينةٍ أخرى، فالعراق كلّه بلدهم ونزفت دماؤهم هناك: (كيف نتعامل مع هؤلاء)؟!. كشهداء؟ كجرحى أحياء؟ كطليعة مؤمنةٍ من أبناء البلد ما زالت تحمل البندقيّة على كتفها؟
ويكرر سماحته السؤال: (كيف نتعامل مع هؤلاء)؟! (الشهداء كيف نجزيهم بما قالوا وفعلوا)؟!.
ففي النتيجة.. هناك دولة ومؤسسات, وحكومة ووزارات, ودوائر وجهات رسمية عليها أن تلتفت لهذا الأمر الجلل, والداخل في صلب مهامها وصلاحياتها وخططها وسياساتها, وعليها ان لا تكتفي بالآية الشريفة (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا...) التي أدرجتها المرجعية العليا في إحدى خطب الجمعة. وأن تتعامل مع (هؤلاء) كما يليق بهم، لأنهم (صنعوا تاريخاً بدمائهم) وهم (مفخرة) و(هؤلاء أوقفوا هذا الزحف الداعشيّ): فـ(الجهات الرسميّة ماذا تفعل لهم)؟. (ماذا تفعل لهؤلاء)؟. وبعيدا ً عن طرح الشعارات, وكون الشعار لا يغني البتة , طرح سماحته سؤالا ًعلى طريقة (إياك أعني واسمعي ياجارة) وقال: (لكن عمليّاً ماذا فعلنا)؟! (ما هو المفروض أن يُهيّأ لهم)؟. (ما هي الخطوات العملية للوقوف على أسباب المشكلة التي حدثت)؟. (كيف عالجنا المشكلة في وقتها حتّى لا يتكرّر المشهد أو بعضه)؟. (الآن على المسؤولين أن يستفيدوا كثيراً من التجربة التي حصلت)! وأكرّر سؤالي الأوّل والكلام لسماحته:
(لولا الفتوى ما كان سيحدث)؟.
أكيد سيحدث ما لم يكن بالحسبان, سيسقط العراق كدولة بين براثن الإرهاب الدموي ولا تقوم له قائمة, وسيستباح عرضه وتُدنس مُقدساته بالكامل, ولكن سماحته وبعد أن نوّه الى قضية غاية في الدقة والحساسية هي: أن تهيئة الأرضية مع توفير أدوات الإنتصار, وعدم السماح بتكرار المشهد المأساوي, ليست من مسؤولية الشعب أو الناس!, وإنما من مسؤولية الجهات الرسيمة, والخطاب هنا موجه للطبقة السياسية المُمسكة بالسلطة تحديدا ً, وعليهم أن يدركوا جيدا ً بأن عليهم إستحقاق أن يحفظوا البلاد وأن يُحافظوا عليها, ولأنهم يجلسون في أعلى قمة هرم السلطة والنفوذ, ومن موقعهم هذا,عليهم أن يباشروا ويقرؤا (المشكلة) ويسألوا أنفسهم بـ(كيف حدثت؟) ثم تبدأ المعالجات الحقيقية والجادة في ذلك.
ـ(الفساد أمرٌ خطير)!
وضع سماحته الجميع بعد ذلك الإسترسال, أمام الخطر الحقيقي الذي يفوق (داعش) عدوانا ً ودمارا ً بمراتب عدّة كما أوضحت ذلك المرجعية الدينية العليا, إلا وهو (الفساد) وقال: (أنّنا سنبدأ معركةً جديدة، وهذه المعركة قد تكون أخطر من المعركة السابقة، التي كانت تحتاج إلى قوة وتحتاج إلى همة رجال، والعدوّ مشخّص والحمد لله). في إشارة واضحة الى أن المرجعية العليا في النجف الأشرف, هي مَن شخّصت العدو (داعش) بعد أن التبس الأمر عند الكثيرين, وفقأت المرجعية العليا عين الفتنة دون غيرها بإصدارها الفتوى المقدسة بقتاله حتى النصر. ولكن الأمر مختلف مع قضية الفساد والفاسدين, ولأن الفساد (مشخص) والفاسد (معروف) وواضح عند الكثيرين من الشعب العراقي, فضلا ً عن الجهات الرسمية ومؤسسات الدولة, لذا لا يمكن توقع صدور (فتوى) لمكافحة الفساد وقتال الفاسدين, كالذي حصل مع داعش. لذلك نرى المرجعية العليا ومنذ انطلاق العلمية السياسية, تحث الجميع وتوصيهم بانتهاج أساليب لمكافحة الفساد والفاسدين, منها أن يقوم مجلس النواب بتشريع قوانين تحد من ظاهرة الفساد, ومنها أن يقوم القضاء بمهامه في إنزال القصاص العادل بالفاسدين وممن نهبوا المال العام وغيرهم, ومنها أن تقوم الحكومة بتفعيل القانون وفرض هيبة الدولة والحد من انتشار الفساد والفاسدين في عموم مفاصل الدولة, ومنها استبدال الوجوه التي تتصدر المشهد السياسي ـ والحكومي والتي لم تجلب الخير أبدا ً لهذا البلد وشعبه, بآخرين عن طريق انتخاب الكفوء والنزية وممن يتحلى بالشعور الوطني وتفانيه بحب العراق. وليس غريبا ً أن نرى بين الفينة والفينة, ونسمع دعوات تطالب المرجعية العليا لأن تصدر (فتوى) بحق الفاسدين, لا لشيء سوى النيل من مقامها الديني السامي أولا ً, ولذر الرماد بالعيون ولخلط الأوراق ثانيا ً, ولحماية الفاسدين أنفسهم ثالثا ً.
فإذا كانت (الجماهير) التي استجابت للنداء المقدس ولبت الفتوى المقدسة, وخاضت قتالا ً ضاريا ً لأكثر من (3) سنوات واستطاع العراقيون الشرفاء (أن يعيدوا خارطة العراق إلى ما كانت عليه، والعلم العراقي بقي ناصعاً ولم يلوثه ملوث) فعلى أهل القرار أن يدركوا بأن هناك ما هو أخطر وأشد وأقسى وأمرّ من العدو داعش إلا وهو الفساد: (المعركة الأخطر هي معركة الفساد الذي هو كحشرة الإرضة عندما يأتي على بنيانٍ سرعان ما يهدّه). وختم سماحته كلمته بتحذير قوي حسبي به أن يكون (الإنذار الأخير) بعد مناشدته الجميع بما في ذلك أهل القرار, بأن يتخذوا (إجراءات حقيقية وواقعية) لمنع ذلك وقال: (وإذا ضرب الفسادُ كلّ مفاصل الدولة فستنهار).
ـ ولات حين مندم.
ـــــــــــــــــ
ـ(1) نص كلمة سماحة المتولّي الشرعيّ للعتبة العبّاسية المقدّسة السيد (أحمد الصافي) خلال حفل افتتاح فعّالياتِ النسخة الخامسة من مؤتمر فتوى الدّفاع الكفائيّ المقدّسة، الذي عُقِد يوم الخميس السادس من ذي القعدة (1442هـ) الموافق لـ(17 حزيران 2021م) تحت شعار: (التوثيقُ الإعلاميّ.. الشاهدُ الحيّ): اضغط هنا
ـ(2) أسئلة وكالة الصحافة الفرنسية وأجوبة مكتب سماحة السيد السيستاني ( دام ظلّه ) عليها: اضغط هنا