بدت سارة محمد (33 عاماً) في حالة من الحيرة وهي تحاول أن تشتري وجبة غذائية لطفلتيها في المرحلة الابتدائية بعدما بدا كل شيء لا يسد رمق الطفل وأصبح حجمه أصغر، لاسيما أن مدخولها الشهري لا يسمح بزيادة مصروف الأطفال المدرسي.
الأشياء التي تفضلها ابنتا السيدة الثلاثينية واعتادت على شرائها هي قطعة من الكورواسون (معجنات ذات شكل هلالي ذات أصول أوربية) وعلبة حليب صغيرة وشيبس البطاطا لكل طفلة، بقيمة 1500 دينار، أي ما يعادل نحو دولار واحد.
لكن، وهي تتلمس غلاف "الكورواسون"، لاحظت أن "حجم القطعة صغير جدا ولا يستحق سعره، إضافة إلى أنه لا يسد رمق الطفل"، بحسب ما تقول محمد.
ثم رجّت غلاف الشيبس بخفة، فبدا فارغا إلا من رقائق قليلة، "كل شيء صار أخف وأصغر، على الرغم من تسوير الغلاف بعبارة: زيادة 25 بالمئة، ولكن الحقيقة هي نقصان 50 بالمئة مما كان في السابق"، هكذا تقول محمد وهي تغلق حقيبتها المحمولة بعدما فكرت بإعداد وجبات غذائية منزلية لطفلتيها.
ولجأت أغلب المعامل والمصانع مؤخرا إلى تقليص العبوات بمختلف المواد الغذائية والحلويات والمشروبات الغازية تزامنا مع أزمة ارتفاع أسعار صرف الدولار التي تضرب السوق المحلية.
وحاولنا إحصاء المواد التي طالها التقزيم والتقليل، لكن بدا الأمر صعبا، بعدما عرض سعد الشمري، وهو صاحب سوبر ماركت للمواد الغذائية والحلويات، على طاولته أكثر من سلعة تم التجاوز على حجمها.
ويتحدث الشمري، وهو يضع حاجيات على طاولته، أن "نوعا من البسكويت التركي أصبح ثلاث قطع بدلا من ستة، وعبوة للبيبسي الذي يصنع في العراق أصبح بسعة 700 ملليتر بدلا عن لتر، وكذلك الشيبس وأنواع عدة من الشوكولاته والمواد الغذائية الأخرى".
ويضيف الشمري، أن "المتضرر الوحيد من هذه العملية هو المواطن، لأن صاحب المعمل وتجار الجملة وبائعي المفرد يتحصلون على هامش الربح نفسه، ولكن صغر الكمية والحجم يقع تأثيرها على المواطن".
وبين مدة وأخرى، تشهد السوق العراقية أزمة تؤدي إلى ارتفاع الأسعار، بدأت بتغيير سعر صرف الدولار وثم الأزمة الروسية الأوكرانية، ومن ثم ارتفاع الدولار مرة أخرى خلال العام الحالي إلى مستويات قياسية.
وواصل سعر صرف الدولار قفزات "ناعمة" في السوق المحلية مؤخرا، مشكّلا فارقا عن سعره الرسمي بأكثر من 35 ألف دينار عراقي لكل 100 دولار، وتحدث خبراء اقتصاديون، عن أسباب تتعلق بـ"حالة جديدة" من المضاربات، فضلا عن ابتلاع الدولار من قبل تجار المخدرات.
وكان مجلس الوزراء، قد صادق في 7 شباط 2023، على قرار مجلس إدارة البنك المركزي بتعديل سعر صرف الدولار مقابل الدينار، ليكون السعر: 1300 دينار للدولار الواحد، لكن السوق المحلية لم تلتزم بالسعر الرسمي.
ويؤكد الباحث في الشأن الاقتصادي همام الشماع: "ليست هناك سيطرة على الأسعار في العراق، على عكس باقي الدول التي تنظم الأسعار وتوحدها لكل المواد الغذائية والحلويات، وتخضع الأسواق لمراقبة تامة، فبدل تقزيم الحاجيات وتقليل كمياتها، كان يفترض رفع أسعارها والمحافظة على حجومها الطبيعية، فهم غير مجبرين على هذه العملية طالما أن الأسعار غير موحدة ومحددة".
ويرجع الشماع، تقليل محتويات المواد الغذائية، إلى "أسباب نفسية تتعلق بردة فعل المواطن تجاه رفع الأسعار، فقد لجأت المصانع والتجار إلى تقليص العبوات، وهذا يأتي بسبب ارتفاع أسعار السلع المستوردة نتيجة انخفاض قيمة الدينار العراقي أمام الدولار".
يشار إلى أن دول جوار العراق، تشهد تحديد أسعار المواد الغذائية، سواء المستوردة أو المحلية، من قبل الدولة، فيما يخضع القطاع الخاص إلى عقوبات صارمة وغرامات كبيرة جدا في حال أقدمت أي سلسلة متاجر على رفع الأسعار، حيث تخضع جميعها لضوابط أجهزة رسمية متخصصة، ولا يمكن حدوث تلاعب بالأسعار، إلا في حالات الانهيار الاقتصادي أو حدوث اختلاف كبير بسعر صرف العملات مقابل الدولار.
من جانبه، يوضح التاجر حسن عباس، أن "عملية تقليل الكمية من العبوات هي فكرة ابتدعها التجار، لغرض بيع السلعة بالسعر نفسه في السوق المحلية".
ويضيف عباس، أن "التاجر هو من يفرض على أصحاب المعامل والمصانع حجم السلعة وشكلها ونوع الحشوة داخلها، لذلك حاولوا التقليل من أوزان السلع، لاسيما أن معظم تجارة الجملة تعتمد على الوزن لا على العدد"، مشيرا إلى أن "السلعة تصل الأسواق المحلية، بسعر قريب من سعرها قبل صعود الدولار، ولكن على حساب الكمية والجودة التي يتحملها المستهلك فقط".
وكان المجلس الوزاري للاقتصاد، قرر في آب الماضي، حذف العصائر والمرطبات والكيك بانواعه والمعجنات من قوائم الاستيراد، على أنَّ يتم مراجعة القرار خلال مدة سنة واحدة، من قبل دائرة التطوير والتنظيم الصناعي في وزارة الصناعة والمعادن، لتقييم مدى تأثر السوق المحليَّة بهذا الحذف سلباً أو إيجاباً.
من جهته، يشير الباحث والمختص في الشأن المالي والمصرفي مصطفى حنتوش، إلى أن "تصغير حجم العبوات يأتي بهدف عدم التلاعب بالتسعيرة المعروفة في الأسواق بسبب اختلال سعر صرف الدولار الذي جاء بسبب إجراءات الحكومة السابقة في 2020 وهذا أدى بالنتيجة إلى حدوث صدمات اقتصادية".
ويضيف أن "المواطن لا يريد شراء العبوة نفسها بسعر أعلى، لذا فإن التاجر والمستثمر والمصنع لجأوا إلى حيلة تجارية مسموح بها وهي تقليل حجم العبوة وتحمل جزء من الخسارة من الكمية على حساب المواطن وهذا يأتي على حساب الجودة مقابل أن تبقى التسعيرة نفسها، لأن السعر له أثر كبير في عملية التسويق وتقبل المواطن، وعندما تحصل اختلالات في سعر الصرف يكون المواطن غير مستعد لدفع سعر أعلى بسبب عدم وجود إيراد إضافي، ولا يوجد قانون يمنع تلك الحيلة".
وأعلنت وزارة الصناعة والمعادن، الأسبوع الماضي، تحقق الاكتفاء الذاتي بـ11 منتجاً، مؤكدة أن جميع شركاتها المنتجة تطبق معايير الجودة المطلوبة، فيما كشفت عن كيفية إجراء الفحوصات للمنتجات والمواد الأولية، مؤكدة أن المواد هي (السمنت، المشروبات الغازية، العصائر، شيبس الذرة، السكر، المياه المعدنية، الملح الصناعي، ملح الطعام، الآيس كريم، علب الألمنيوم لتعبئة المشروبات الغازية والعصائر، وبعض اللقاحات البيطرية".
ومن جانبه، يرى الخبير القانوني، علي التميمي، أن "هناك الكثير ممن يستغلون الأزمات لتحقيق أهداف خاصة ومؤقتة، ويحتكرون المواد لزيادة الأسعار".
ويضيف أن "قانون المنافسة ومنع الاحتكار 14 لسنة 2010 عاقب في المادة 13 منه بالحبس 3 سنوات والغرامة التي تصل إلى 3 ملايين دينار بالإضافة إلى العقوبات الواردة في قانون العقوبات بالمواد 240 و466 منه، عاقب محتكري المواد ومن يرفعون الأسعار"، موصيا بـ"التعاون مع الأجهزة الأمنية والإبلاغ عن أي متهم يتلاعب بالأسعار".
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- اسكنوا اعداد اضافية وقدموا خدمات :اصحاب فناق سوريون يثمنون مبادرات العتبة الحسينية ويتعاونون معها
- الفساد يقضي على هور الصليبيات جنوبي العراق
- جمع خدام من محافظات مختلفة ..موكب "شباب القاسم" قدم الشهداء والجرحى وافضل الخدمات للزائرين