بعد نحو عام على زواجها، كانت غادة قصي (27 عاما) تغمرها السعادة بعد حملها بطفلها الأول، لكنها لم تكن على دراية بأنها ستواجه مصاعب عدة مع المولود الجديد، نتيجة زواجها من ابن عمها.
ولدت غادة طفلها، لكن كف يده كان يحوي ستة أصابع، وحسب التشخيص الطبي فإنه مصاب بمتلازمة BBS أو "باردت- بيدل"، التي تؤدي لتغير الجينات بسبب استمرار زواج الأقارب لأكثر من جيل.
وتقول قصي، إن "فحوصات كثيرة أجريتها أنا وزوجي قبل عقد القران، ولم تظهر النتائج أي خطر يهدد الأبناء، لكن الأطباء في الخارج أخبرونا بأن الفحوصات التي أجريت في العراق غير كافية".
وتبين "كان يجب أن نخضع لتحاليل سلامة الكروسومات في الدم"، مبينة أن "المتلازمة التي أصيب بها الطفل لا يمكن علاجها، كما أنها تنطوي على آثار أخرى مثل ضعف البصر والسمنة وقصور الغدد التناسلية وتشوهات كلوية وصعوبات التعلم".
ويعد العراق من الدول ذات النسب المرتفعة بزواج الأقارب، بسبب التقاليد والأعراف السائدة فيه، والتي تشمل الحضر والريف على حد سواء، ورغم تزايد حالات الولادات المشوهة والإعاقة، والتحذيرات التي تطلق من المتخصصين، إلا أن هذا الزواج لم يتوقف.
يذكر أن العراق، فرض قضية إجراء تحاليل مختبرية قبل الزواج منذ أكثر من عقد، لكن هذا ما يطلب عند عقد القران الرسمي، أي في المحاكم، إلا أن ظاهرة انتشار الزواج خارج المحكمة في تزايد، وخاصة خلال السنوات الماضية، ويكون تصديق الزواج بعد أشهر من الزواج الفعلي.
ولعل ما عانته غادة، يعد بسيطا أمام ما تعرض له صبيح محمد (34 عاما) الذي تزوج فتاة من أقاربه وأنجبت له فتاة وصبيا.
أطفال محمد، كانوا أشبه بالنكبة له، إذ ولدوا معاقين، فقد توفيت الفتاة سريعا، وبقي شقيقها على قيد الحياة، لكن دون حركة.
ويؤكد محمد "أصبت باكتئاب حاد وعزلة، وقد أخبرني الأطباء بأن الطفل لن يتمكن من الحركة مطلقا مهما يبلغ من العمر"، مستطردا "لم نتوقف، بل حاولنا الإنجاب مرة أخرى، وقد ولدت طفلة وكانت سليمة، لله الحمد، وهو ما أبدل حزننا ببهجة".
يشار إلى أن العراق يفتقر حتى حاليا، لأي حراك حكومي من قبيل الندوات بشأن تقليل زواج الأقارب، سواء عبر توجيهات رسمية أو تطوير الفحوصات الخاصة به.
يذكر أن مجلس القضاء الأعلى، وبحسب بيان العام الماضي، أكد على أن الحد من انتشار ظاهرة الطلاق يحتاج إلى جهد كبير وتعاون من جميع الجهات المسؤولة إلى جانب دور التشريعات، ولاسيما أن القانون العراقي لا يجرم الطلاق خارج المحكمة، لكن تجريمه خارج المحكمة هو أحد الحلول المساهمة في الحد أو إغلاق عدد كبير من حالات الطلاق، بالإضافة إلى تشريع قانون يمنع زواج القاصرين خارج المحكمة وتغريم من يقوم بهذا الفعل ومعاقبته.
إلى ذلك، تبين الطبيبة المختصة بالأمراض النسائية والعقم رسل محمد العزاوي، أن "زواج الأقارب ينتج الكثير من الأمراض، حيث يكون الضرر الأكبر للجينات، بالتالي تنتقل للأطفال، ومن أبرز الأمراض هي الثلاسيميا والسكري وتشوهات القلب والفقرات والأعصاب وضمور الدماغ والسرطان، وغالبا ما يتوفى الطفل المصاب بأحد هذه الأمراض بعد ولادته".
وتتابع أن "الفحوصات البروتوكولية التي تجرى عادة للرجل والمرأة قبل الزواج كتحديد زمر الدم، لا تكفي للتأكد من سلامة الجينات، فهذه الفحوصات لا تقدم صورة دقيقة عن مدى تطابق الأنسجة بين الجنسين، لذلك فمن الأفضل عمل فحوصات تبين نسبة توافق الكروسومات لإظهار الجينات والأمراض المتوطنة فيها، ومن ضمنها الأمراض الوراثية".
وتلفت إلى أنه "يجب إجراء دراسة شاملة للأمراض الوراثية في كل جين، وهو ما يتطلب جهداً ووقتاً فضلاً عن كون هكذا فحوصات مكلفة ماديا".
وكانت دراسة نشرتها مجلة التلوث البيئي والسُمّي في العام 2012 أشارت إلى أن نسبة التشهوات الخَلقية في العراق ازدادت من 23 حالة من كل 1000 ولادة حية عام 2003 إلى 48 حالة عام 2009، وهي آخر إحصائية بهذا الشأن صدرت لغاية الآن.
وبالتوجه لوزارة الصحة، فقد اكتفت عضو الفريق الإعلامي في الوزارة ربى فلاح، بتصريح مقتضب، أكدت "هناك حملات توعية مستمرة لعلاج هذه المسألة، وتوجد فحوصات مختبرية يجريها المقبلين على الزواج".
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- الفساد يقضي على هور الصليبيات جنوبي العراق
- آلاف الشركات الوهمية بالعراق مسجلة بأسماء "مغفلين" تهرباً من الضريبة
- في مناطق زراعية ونائية اقصى جنوب العراق: موكب حسيني يؤوي ويطعم "مشاية" عراقيين وعرب واجانب(مصور)