- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الابتكار الإجتماعي.. نحو تغيير إيجابي في المجتمع
بقلم: مسلم غالب
هل ممكن الجمع بين المصالح المادية و الخير العام؟ وهل ممكن أن يكون النشاط الإقتصادي في خدمة الأهداف الإجتماعية السامية؟ كيف يمكن إنشاء شركات ربحية لا تركز على الربح المادي المحض، وتهدف إلى إحداث تغيير مجتمعي إيجابي أيضاً؟
وهل توجد حلقة وصل بين النشاط النفعي، والعمل الخيري التطوعي في المجتمع؟ هذه أسئلة أدّت إلى تشكيل مفهوم حديث على مستوى العمل الإجتماعي، يدعى الإبتكار الإجتماعي.
يشير مصطلح الابتكار الاجتماعي إلى استخدام الأفكار الجديدة والحلول الإبداعية لمعالجة التحديات الاجتماعية وتحقيق التغيير الإيجابي في المجتمع. إنه يتعامل مع القضايا الاجتماعية المستعصية مثل الفقر، والتعليم، والصحة، والبيئة، والتمكين الاقتصادي، والعدالة الاجتماعية..الخ. لم تعد المعضلات و المشاكل الإجتماعية في عصر الحديث كما كانت عليه في السابق. إنها تطورت كلما ازدادت سرعة الحياة و باتت أكثر خطورة و تعقيداً. لايمكن حل المسائل الإجتماعية المعقدة بطرق تقليدية، و لابد من حلول مبتكرة، تجمع بين إمكانيات الدولة و قابليات المجتمع المدني. يعتبر الابتكار الاجتماعي مفهومًا هامًا في عصرنا الحالي، حيث يسعى الكثير من الأفراد والمنظمات إلى إيجاد حلول مبتكرة لمشاكل المجتمع وتحسين جودة الحياة للجميع. يهدف الابتكار الاجتماعي إلى الحد من الفقر والتفاوت الاجتماعي وتعزيز التنمية المستدامة.
ثمة العديد من الأمثلة الملهمة للابتكار الاجتماعي في جميع أنحاء العالم. من أهمها ما قام به البروفيسور محمد يونس، أستاذ الإقتصاد السابق في إحدى الجامعات الكبرى في بنغلاديش. حاول هذا الأستاذ الجامعي إقناع البنوك بوضع نظام لإقراض الفقراء بدون ضمانات، لكن رُفضت أفكاره فقرر إنشاء بنك جرامين في عام 1979 في بنغلاديش. تقوم فكرة البنك على نظام القروض متناهية الصغر، والتي تساعد الشرائح الفقيرة على القيام بأعمال بسيطة تدر عليهم دخلاً معقولاً. حصل محمد يونس على جائزة نوبل للسلام عام 2006 لما بذله من جهود في مجال التنمية الإقتصادية و الإجتماعية المستدامة، وتعد تجربته مثالاً بارزاً في مجال الإبتكار الإجتماعي.
يعد بنك الوقت، مثالاً آخراً للمبادرات المجتمعية في مجال الإبتكار الإجتماعي. تقوم فكرة بنك الوقت على أساس التكافل الإجتماعي.
طور هذا الإبتكار الأجتماعي أستاذ القانون الأمريكي المبدع إدغار كاهن. وضع كاهن خمس قيم أساسية لبنك الوقت: إعادة تعريف العمل، مساهمة المواهب و المهارات، مبدأ التبادل، بناء الشبكات الإجتماعية، والإحترام.
يرى كاهن أننا بحاجة إلى بعضنا، ونحن بحاجة إلى أن نستبدل المنافسة بالتعاون، ونعمل على خلق الثقة بين الناس. تنتشر بنوك الوقت في كثير من دول العالم و تكون الوحدات الزمنية فيها بمنزلة النقود. إذا أنفق شخص ساعة في خدمة كبار السن أو تعليم اللغة إلى الأجانب على سبيل المثال، يكون قد أكتسب وحدة زمنية تودع في حسابه من قبل البنك و يستطيع استخدامها في شراء خدمة أخرى في أي وقت.
نتج عن هذا المفهوم الحديث، مصطلح رواد الأعمال الإجتماعيين، وهم فئة خاصة من رواد الأعمال يجمعون بين جني الأرباح الفردية و الأرباح الإجتماعية. تعمل الشركات الإجتماعية في شتى المجالات: البيئة، والمرأة، والتكنولوجيا، والطاقة..الخ.
يحاول الرواد الإجتماعيون إبتكار طرق لحل المعضلات المجتمعية تختلف عن الطرق التقليدية و تقوم على تحفيز المشاركة العامة. يحمل الابتكار الاجتماعي العديد من الفوائد الجمة. فهو يعزز المشاركة والتعاون المجتمعي ويمكّن الأفراد من المساهمة في تحسين واقعهم الاجتماعي. وبالنسبة للمنظمات والمؤسسات، يمكنه أن يؤدي إلى تحسين الكفاءة والاستدامة والتأثير الاجتماعي الإيجابي. لكن تحقيق الابتكار الاجتماعي ليس بالأمر السهل. فهو يتطلب الإبداع والشجاعة والتفاني والتعاون بين العديد من الشركاء والأطراف المعنية. يحتاج المبتكرون الاجتماعيون إلى القدرة على التحليل العميق للمشاكل الاجتماعية وتصميم الحلول الفاعلة وقياس تأثيرها.
باختصار، الابتكار الاجتماعي أداة فعالة لخلق مستقبل أفضل. إنه يساهم في تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز المساواة والعدالة الاجتماعية. ويعكس إرادة الإنسان في التغيير والسعي نحو مجتمع أكثر ترابطاً وسعادة.
أقرأ ايضاً
- التعويض عن التوقيف.. خطوة نحو تطور التشريع الإجرائي
- الموظف بين تغيير أوقات الدوام واستيراد ٢١٢٢ تاهو
- تأثير مشاهير المحتوى السلبي في مواقع التواصل الاجتماعي على المجتمع