- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
المرجعية العليا: الخطباء يتحملون المسؤولية الكبرى
بقلم: نجاح بيعي
ركزت المرجعية الدينية العليا في توصياتها العامة للخطباء والمبلغين في شهر المحرم الحرام لعام 1438هـ ـ 2016م, على عدة أمور هامة لا يلتفت إليها إلا من سار على خط أئمة أهل البيت عليهم السلام, وخطى على درب القادة المصلحين من الأنبياء والأوصياء عليهم السلام, ومن تلك الأمور استذكار مبادئ (الحركة الحسينية) مع إطلالة شهر المحرم الحرام, باعتبارها أعظم حركة إصلاحية قام بها وقادها الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته وصحبه رضوان الله تعالى عليهم عبر تاريخ البشرية جمعاء, وكانت تهدف تلك الحركة الحسينية الإصلاحية (حسب ما جاء في التوصيات) الى:
ـ تطوير المجتمعات
ـ وبعث إرادة الأمم
ـ وإصلاح الأوضاع
أن بمجرد استشعار تلك المبادئ والقيم الحسينية التي اشتملت عليها ثورته عليه السلام في النفوس, أمام خضم تسافل المجتمعات وتداركها, وأمواج محق إرادة الأمم وضياعها, وتداعيات فساد وإفساد الأوضاع العامة, يضع المرء أمام مسؤولية أخلاقية وشرعية وتاريخية تجاه تلك الحركة المباركة, لذلك أناطت المرجعية الدينية العليا على عاتق جميع أتباع الإمام الحسين عليه السلام بلا استثناء, صغار وكبار, ورجال ونساء, وشيب وشباب, وفي كافة المجالات والمرافق الحياتية والمجتمعية, مسؤولية كبرى وهي: (مسؤولية الحفاظ على استمرار هذه الحركة, وترسيخ آثارها وأبعادها في النفوس والقلوب).
لذلك أكدت المرجعية العليا بأن: (لا يخلو إنسان حسيني من نوع من مسؤولية سواء كان عالماً دينياً أو مثقفاً أو متخصصاً في مجال من مجالات العلوم المادية والإنسانية المختلفة), وهذا يُثبت عِظم ثورة وحركة الإمام الحسين عليه السلام, وخطورة الدور الذي أنيط بأتباع أهل البيت عليه السلام والحسينيون منهم خصوصاً تجاه تلك الثورة والحركة.
أن مَن يُطالع توصيات المرجعية الدينية العليا تلك, والموجهة الى الخطباء والمبلغين في شهر المحرم الحرام لعام 1438هـ, والتي شكلت أساساً ومنطلقاً للتوصيات التي أعقبتها في (عام 1440هـ وفي عام 1441هـ), من يطالعها ويقرؤها بتأن وتمعن, يخلص الى أن تلك التوصيات قد عبّدت مساراً يوصل ويهدف الى خلق من كل فرد منا مصلحاً حسينياً مسؤولاً, وجندياً مدافعاً, وثائراً وداعياً ومبلغاً في حركته داخل نفسه أولاً وفي أهله ثانياً وفي أسرته ثالثاً وفي مجتمعه رابعاً, تحت مظلة الحركة الحسينية الإصلاحية. لهذا نرى المرجعية العليا وقد توجهت بالخطاب الى كل حسيني مباشرة بالقول:
(فكل منا يتحمل مسؤولية الحفاظ على هذه الثورة الحسينية المباركة من خلال إصلاح نفسه وأهله وأسرته, ومن خلال قيامه بتوعية المجتمع الذي حوله بأهمية هذه الحركة وعظمة هذا المشروع الحسيني العظيم.. ولكن..).
ـ(ولكن)...هذا الإستدراك الذي أوردته المرجعية العليا في توصيتها, إنما جاء بعد بيان مسؤولية دور كل فرد من أفراد أتباع الإمام الحسين عليه السلام تجاه الحركة الحسينية المباركة. وبها ميزت (الخطباء) وممن يعتلون صهوة المنبر الحسيني وحملتهم المسؤولية (الكبرى) دون بقية أتباع الإمام الحسين عليه السلام:
(ولكن الخطباء يتحملون المسؤولية الكبرى).
ـ أما لماذا يتحملون المسؤولية الكبرى؟. هذا لأن الخطباء ومن يعتلي المنبر الحسيني يجسدون: (الوجه الإعلامي لحركة عاشوراء, ولمشروع سيد الشهداء (عليه السلام). فدور خطباء المنبر الحسيني كبير ومسؤوليتهم أكبر وأعظم وأخطر. فعلى مَن يمثل الوجه الإعلامي لحركة عاشوراء ولمشروع الإمام الحسين عليه السلام, عليه أن يُدرك ذلك من نفسه أولاً, وأن يتقن مقدمات ذلك الوجه الإعلامي, والتي حصرتها المرجعية الدينية العليا في توصياتها (هذه) وما أعقبتها من توصيات الى الخطباء والمبلغين ثانياً.
وربما الخطباء ومن يعتلي المنبر الحسيني هم الأقدر فضلاً عن باقي أتباع الإمام الحسين عليه السلام, الإجابة على السؤال الذي طرحته المرجعية العليا في توصيتها, حيث قالت:
(ولذلك نحتاج أن نتوقف قليلاً لنتساءل: هل أن المنبر الحسيني يقوم بتجسيد وتفعيل هذه المسؤولية بما ينسجم مع مقتضيات الزمان ومستجدات العصر بحيث يحقق الآثار الحسينية الشريفة في النفوس والقلوب؟).
وهو سؤال إستنكاري أوردته وقذفته المرجعية العليا في الوسط, حتى يستشعر جميع أتباع الإمام الحسين عليه السلام وخصوصاً الخطباء المسؤولية الحسينية الإصلاحية, وهو يشير بلا لبس الى أن المنبر الحسيني اليوم لا يقوم بتجسيد وتفعيل المسؤولية بما ينسجم مع مقتضيات الزمان ومستجدات العصر, وهو بالتالي لا يحقق الآثار الحسينية الشريفة في النفوس والقلوب؟.
ولذلك.. ولتدارك الموقف الخطير انطلقت المرجعية العليا من هذا النقطة بالذات وتوجهت بـ(بعض الإرشادات والنصائح لكل من يعلو منبر سيد الشهداء عليه السلام), نوردها بتصرف على نحو الإيجاز وهي:
1- أن يكون الخطيب متوفراً على مجموعة من الموضوعات والأطروحات المتنوعة في الحقول المتعددة, فان المجتمع يحتاج الى موضوعات روحية وتربوية وتاريخية.
2- أن يكون الخطيب مواكباً لثقافة زمانه، وهذا يتطلب منه استقراء الشبهات العقائدية المثارة بكل سنة بحسبها, واستقراء السلوكيات المتغيرة في كل مجتمع وفي كل فترة تمر على المؤمنين.
3- على الخطيب أن يتحرى الدقة في ذكر الآيات القرآنية أو نقل الروايات الشريفة من الكتب المعتبرة أو حكاية القصص التأريخية الثابتة.
4- أن يترفع مَن يعتلي المنبر الحسيني عن الإستعانة بالأحلام وبالقصص الخيالية التي تسيء الى سمعة المنبر الحسيني وتظهره بأنه وسيلة اعلامية هزيلة لا تنسجم ولا تتناسب مع المستوى الذهني والثقافي للمستمعين.
5- أن يعنى الخطيب عناية تامة بما يطرحه من موضوعات (جودة الإعداد) من حيث ترتيب الموضوع وتبويبه وعرضه ببيان سلس واضح, واختيار العبارات والأساليب الجذابة لنفوس المستمعين والمتابعين.
6- إن تراث أهل البيت (عليهم السلام) كله عظيم جميل, ولكن مهارة الخطيب وإبداعه يبرز باختيار النصوص والأحاديث التي تشكل جاذبية لجميع الشعوب على اختلاف أديانهم ومشاربهم الفكرية والإجتماعية, انتهاجاً لما ورد عنهم عليهم السلام: (إنّ الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا).
7- طرح المشاكل الاجتماعية الشائعة مشفوعة بالحلول الناجعة، فليس من المستحسن ان يقتصر الخطيب على عرض المشكلة كمشكلة التفكك الأسري, أو مشكلة الفجوة بين الجيل الشبابي والجيل الأكبر, أو مشكلة الطلاق أو غيرها، فان ذلك مما يثير الجدل دون مساهمة من المنبر في دور تغييري فاعل، لذلك من المأمول من رواد المنبر الحسيني استشارة ذوي الاختصاص من أهل الخبرة الإجتماعية وحملة الثقافة في علم النفس وعلم الاجتماع, في تحديد الحلول الناجعة للمشاكل الإجتماعية المختلفة, ليكون عرض المشكلة مشفوعة بالحل عرضا تغييرياً تطويرياً ينقل المنبر من حالة الجمود الى حالة التفاعل والريادة والقيادة في إصلاح المجتمعات وتهذيبها.
8 - أن يتسامى مَن يعتلي المنبر الحسيني عن الخوض في الخلافات الشيعية سواء في مجال الفكر أو مجال الشعائر, فان الخوض في هذه الخلافات يوجب انحياز المنبر لفئة دون أخرى أو إثارة فوضى اجتماعية أو تأجيج الإنقسام بين المؤمنين، بينما المنبر راية لوحدة الكلمة ورمز للنور الحسيني الذي يجمع قلوب محبي سيد الشهداء (عليه السلام) هي مسار واحد وتعاون فاعل.
9ـ على الخطباء الإهتمام بالمسائل الفقهية الإبتلائية في مجال العبادات والمعاملات, من خلال عرضها بإسلوب شيق واضح يشعر المستمع بمعايشة المنبر الحسيني لواقعه وقضاياه المختلفة.
10ـ على مَن يعتلي المنبر الحسيني التركيز على أهمية المرجعية, والحوزة العلمية, والقاعدة العلمائية, التي هي سر قوة المذهب الإمامي, ورمز عظمته وشموخ كيانه وبنيانه.
وما أدراكم ما أهمية وفاعلية النقطة (العاشرة) يا مَن تعتلون صهوة المنبر الحسيني اليوم!.
أقرأ ايضاً
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- المسؤولية المدنية المترتبة عن استخدام الذكاء الاصطناعي
- المرجعية وخط المواجهة مع المخدرات