- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
مقابلات المرجعية الدينية الشريفة...رسائل اجتماعية بالغة الحكمة
بقلم:محمد عبد الرضا هادي الساعدي
في ذاكرتنا المقدسة، كان لقاء الرموز السماوية كالأنبياء أو خلفائهم، يعتبر منقبة وتزكية ووسام يخلعه الرمز على المتواصلين معه. ولعل الكثير منّا يخبر مكانة المصطلحات المشهورة ب ( الاوصياء، الحواريين، الصحابة، الأنصار، التلاميذ ) وجدانياً، ويقدّر من ارتبط أو اجتمع بهم - والحديث يخضع لشروط هذه المصطلحات الخاصة ونوعية اللقاء بطبيعة الحال- وقد سعى فريق من المسلمين في توسيع طابع هذه المنحة الرفيعة، وذلك من خلال إدخال مجموعة من أبناء الأمة في دائرة التفرد أو التميّز الرفيع في إطلاق مصطلح ( التابعين وتابعي التابعين ) للإشارة إلى خصوصية الذين تلوا الصحابة، وأهمية من التقى بهم وأخذ عنهم.... ثم ظهرت أهمية الفقهاء والعلماء الكبار في الحياة الإسلامية، وجرت مراسيم التشريف نفسها أو ما يقرب منها بالنسبة لمن كان يلتقيهم ويدرس عندهم، وهذه من الظواهر الصحية ومؤشر على حضور المعايير الإجتماعية الإيجابية وفاعليتها في التقييم والتصنيف وصيانة المصدر الذي يؤخد عنه ويتخذ مثالاً يحتذى به، فهي تساعد على توضيح مصاديق الوثاقة والثقل العلمي وتعميق العلاقة بالشخصيات القيادية على مستوى النقل والرأي والعمل ... مع التأكيد - مرة أخرى- على استيفاء الشروط المنظورة في هذا الجانب..... ولا شك أن المسرح الإنساني الاوسع يدلل على أن ما نحن بصدد مقاربته يشكل عنصراً متعدد الثقافات، وليس محدوداً في ثقافة معينة، ولهذا بالذات تحظى اللقاءات والحوارات الإعلامية لبعض الرموز والشخصيات الكبيرة بأهمية خاصة من قبل الجمهور، ويأتي بعدها في الأهمية كتابات السيّرة الذاتية للنخب المشار إليها.... لكن تبقى خصوصية الثقافة الإسلامية في تعاملها مع هذا الموضوع أو الظاهرة متفردة، وذات دلالات شديدة العلاقة بالدين والشخصية الملتزمة دينياً .....
انكمشت فاعلية هذه الظاهرة في حياة المسلمين منذ قرون بعد أن كانت ملهمة للملايين منهم، ولم تتواصل في دعم معطياتها لأسباب متعددة، افقدت بذلك شفافية مضموناتها وحساسية تأثيراتها، وربما يعتبر الاستغلال الذاتي من أكبر تلك الأسباب.
بيد أن ثمة صنفاً خاصاً من شخصيات المسلمين العلمية قد عمل على تخليص ونصاعة خصوصية مقابلاته، والتزم قواعد صارمة في الملتقين والمتواصلين معه على صعيد النخب الإجتماعية المميزة، ونقصد بهم قيادات المجتمع العلمية والميدانية خشية سوء استعمال هذه الفُرص النادرة، بل طورت هذه اللقاءات واعطتها وظيفة اجتماعية جديدة كما سوف نلمح إلى ذلك. وأما مقابلاتها لعامة الناس فهي مفتوحة ومستمرة لوضوح مقاصدها ولعدم إمكانية التلاعب والاستغلال ...
الصنف المتحدث عنه تمثل في شخصية المرجعية الدينية الشريفة عند أتباع أهل البيت -ع- بخاصة وبفقهاء هذه المدرسة بعامة، حيث انتهجت المرجعية الدينية - بعد أن تحملت مسؤولية النيابة العامة عن الأئمة المعصومين حسب عقيدة أتباع أهل البيت في الإمامة والقيادة الشرعية - نهجاً شديد التحرز فيما يخص المقابلات وانتخاب الشخصيات في تكريمها باللقاء والتواصل حتى في حالات الظروف غير الطبيعية المحفوفة بالمخاطر الأمنية وما ترتب عليها من نتائج عدوانية مؤذية بسبب الممانعة من مقابلة غير الاسوياء سياسياً واجتماعياً ... وعند هذا المنحى الحساس يمكن تفسير تنافس الناس على الالتقاء بها سواء من المحسوبين على المنتمين إليها أو غير المنتمين، ذلك لأن الجميع يدرك نفاسة درجة هذه الفرصة الممنوحة من قبل مقام المرجعية الدينية الشريفة، واقترانها بتقدير الملايين من الناس لها. وقد لاحظنا في العقود الأخيرة حرص ممثلين المنظمات والهيئات الدولية وقادة المجتمعات والشخصيات العلمية على نيل شرف اللقاء بالمرجعية الدينية. بيد أن ما يهمنا هو تعاملها مع المنتمين إليها أو بسقف أوسع المتصدين للشأن العام في البلد الذي تتخذ منه مقراً لقيادتها الشرعية والارشادية والروحية، فقد اكسبت هذه اللقاءات وظيفة اجتماعية - كما سلفت الإشارة - تلخصت في مخاطبة المجتمع وتوجيه الرسائل إليه بنحو مباشر وغير مباشر، عبر ذات اللقاءات، فيمن يسمح لهم باللقاء، ومن لايسمح لهم بذلك، حيث يتم اختيار الشخصيات بعناية فائقة وتراعى المسائل ذات المستوى العالي من الأهمية النوعية للمجتمع، وقد فهم أتباع أهل البيت بل عامة المسلمين، وأكثر من ذلك المجتمع الدولي المراقب لحركة المرجعية خطورة هذه اللقاءات وقراءة موضوعاتها بدقة متناهية، واحس بأسباب منع المحرومين من هذا الشرف، ومن المفروغ منه استيعاب نشر مكتب المرجعية الدينية خبر لقاء سماحة المرجع - بالرغم من ازدحام برنامجه اليومي بالأعمال - بنفسه مجموعة من المعاقين العسكريين أثر الدفاع المقدس عن البلد، فهو يبعث رسالة صريحة توصي برعاية هذه الشريحة المضحية من قبل الدولة والمجتمع، وأهمية استذكار دورها الجهادي، وحينما يلتقي ببعض شخصيات الدين المسيحي، فهو يؤكد على ضرورة التعايش السلمي داخل الأسرة الإنسانية، واحترامه للآخر، وعندما يلتقي بشخص يستغيت من اعتداء بعض المسؤولين والمتنفذين على املاكه وتهديدهم لحياته، فهو يوجه رسالة صارخة للحاكم تفرض عليه ان يستمع لظلامات شعبه، وأن يولي هذه القضايا الوقت والجهد المناسبين، واما عن لقائه بأبٍ وأم - مع صغارهم - قد فقدا ابنة لهم جراء الاجرام الإسرائيلي المتواصل على المواطنين اللبنانيين، فهو يحث العالم على الرحمة الإنسانية بضحايا الإرهاب الإسرائيلي المدعوم بقوة من قبل دول متعددة..... واخيراً حينما يقابل واحداً من شخصيات العمل الاجتماعي ومن المحسوبين على فريق عمله، وينشر مكتبه الخاص خبر هذا اللقاء المسجل بالفيديو، وهذا ما لم يحدث في مسار عمل مرجعية السيد السيستاني في النجف الأشرف إلا مع مواقف تأريخية وشخصيات استثنائية... فلا شك أن لهذا اللقاء ولأسلوب نشره رسائل، وليس رسالة، استهدف السيد المرجع الكبير ايصالها لنا جميعاً .... ينبغي أن تقرأ هذه المقابلة قراءة ترتفع واهميتها، من قبل الخبراء والنابهين، وأن يعمل على استنطاقها واعمام مفاداتها، وما تتضمنه من ايحاءات، ومن غير الإنصاف أن تصنّف على كونها زيارة تكريم فحسب، مع ادراكنا بالتضمين التكريمي لها دون أدنى تردد ... أن أول ما يلفت التركيز في خصوصية هذا اللقاء هو الشخص الحائز على شرف اللقاء المستهدف نشره، الشيخ عبد المهدي الكربلائي أحد أبطال العمل الاجتماعي، وليس قادة العمل الاجتماعي، فالقادة كثيرون من حولنا لكن أبطال هذا العمل قليلون والشيخ الكربلائي واحد من ألمع أبطال هذا العمل بكفاءة واستحقاق وتأريخ مكلل بالنجاح .... شخصية عكفت على العمل بعيداً عن صخب الظهور والاضواء الذاتية، شخصية واصلت الليل بالنهار في العمل الدؤوب على الإضافة والتنمية وتحري شروط الجودة فيما ينجز في مراحل زمنية غارقة في العراقيل المخطط لها والاحباط والمخاطر الأمنية بغية تأخير نهوض البلد وافشال التأكيد على قدرات أبنائه في إدارة أنفسهم ومؤسساتهم، لكن جميع ذلك وجميع التفاصيل التي رافقت دخول الشيخ الكربلائي ميدان العمل الاجتماعي لم تصده ولم توهن من عزيمته مع ما ألمّ به من اعتلال صحته، وتعرضه إلى أكثر من إصابة واعتداء طاله واضر بقواه الجسدية، مضافاً إلى الاعتداءات المعنوية المضللة في خلق الافتراءات والاكاذيب حسداً وخبثاً من قبل جهات لم يسعدها ما تقوم به العمامة من فتوحات ...
أن ما نتوخى التأكيد عليه عبر هذا المقال المتواضع هي رسائل لقاءات المرجعية الدينية المباركة وفهم مراميها وليس الحديث عن سيرة هذا العالم العامل وصاحب الرؤى الرائعة بهذه المساحة الصغيرة، لكن السياق يملي علينا القول بأن هذه الشخصيه النبيلة قد أقرت بجدارة منجزاتها وشجاعة قراراتها البطولية ومواكبة مشاريعها ... شرائح كبيرة من أبناء المجتمع العراقي بخاصة، والمراقبين من دول متعددة للأعمال المنتجة تحت قيادة هذا الشيخ فيما يخص مرافق العتبة الحسينية المقدسة أو ما يخص المشاريع والخدمات ذات المنافع الاجتماعية خارج إطار أعمال العتبة المقدسة من قبيل بناء المستشفيات والمستوصفات والمراكز الصحية، والإسكان، والتربية، والثقافة، والصناعة، والنقل، والإعلام، والأمن والدفاع عن كربلاء وسائر مدن العراق وغير هذه الأمور مما نعرفها ونجهلها...
لجميع ما تقدم، أن من ضمن تعدد رسائل هذا اللقاء ما يمكن وصفه بتطلع المرجعية المباركة للاستماع إلى ما تصبو إليه من خدمات اجتماعية منجزة تصب في صالح الفئات المحتاجة من قبل المتصدين، ... تريد أن تقابل المتشرفين بتقديم المنجز الحقيقي، وهي بالوقت نفسه تؤكد على أن إمكانية الإنجاز متاحة فيما لو توفرت الإرادة الصادقة والنوايا المخلصة عند المسؤولين والمتصدين لقيادة مؤسسات البلد، وبالرغم من القدرات المادية المحدودة عند الشيخ الكربلائي في العتبة الحسينية المقدسة، فقد لمسنا وفرة المعطيات والمكاسب، والسؤال : كيف لو توفرت إمكانية دولة ذات موارد وإمكانيات كبيرة كالعراق؟!
إن لقاء المرجعية المباركة بالشيخ الكربلائي والثناء عليه من قبل المرجع نفسه وتصوير ذلك اللقاء ونشره على صفحة حساب المرجعية الإلكترونية: رسالة تشجع العاملين المنتجين المخلصين وتؤكد تأييدها واسنادها لهم، وتشير فيما تشير إلى مراقبتها الشخصية لهذه النخبة الموفقة.
اكتفي بهذا القدر من الكشف والتحليل لهذا اللقاء الاستثنائي مفسحاً للقارئ الكريم استخلاصه بنفسه لرسائل ومضمونات أخرى ...
أقرأ ايضاً
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- المرجعية وخط المواجهة مع المخدرات
- ثورة الحسين (ع) في كربلاء.. ابعادها الدينية والسياسية والانسانية والاعلامية والقيادة والتضحية والفداء والخلود