طبيبان من العاصمة بغداد، اغلقا عياديتهما وتركا رزقهما وعائلتيهما ليشاركا في كل "معارك التحرير" ولمدة اربع سنوات من عصابات "داعش" الارهابية، وكانا على بعد عشرات الامتار من خطوط العدو وانقذا ارواح الاف الجرحى من مختلف صنوف القطعات الامنية، ومنذ سنوات طويلة التحقا بطواقم الفرق الطبية في وزارة الصحة المشاركة في الزيارات المليونية ليقدموا عصارة خبراتهم التراكمية الى الزوار المرضى في مدن النجف الاشرف والكاظمية وسامراء وكربلاء المقدسة ويعالجا عشرات الالاف لكن اكثر ما ذابوا فيه هي الزيارة الاربعينية.
وقت مفتوح
علاء الصالح طبيب اختصاص في طب الطوارئ يعمل في دائرة قسم الاسعاف الفوري بوزارة الصحة تخرج في العام 2007 من كلية الطب وباشر بالعمل في قسم الطوارى منذ تخرجه الى الآن تدرج في عمله حتى وصل الى مرحلة التخصص، راوده حلم تقديم الخدمة الطبية لزوار الاربعينية منذ تسعينيات القرن الماضي، وفي شبابه كان مواضبا على الزيارة ويلتقي بعدد محدود من اصدقائه ليتداولا المعلومات عن القضية الحسينية وبحذر من عيون السلطة الغاشمة، ويقول الصالح، في حديث لوكالة نون الخبرية، انه "زاد عشقي للحسين (ع) وانا طالب في الكلية وجاءت الفرصة لاتحلق بركب الطواقم الطبية التي ترسلها وزارة الصحة لتنفيذ الخطط الصحية في الزيارات المليونية في زمن الطاغية المقبور، فشاركت في كل تلك الفعاليات وساهمت بمعالجة الاف الزائرين في الزيارات المليونية مثل زيارة وفاة الامام علي (عليه السلام) في النجف الاشرف ووفاة ائمة سامراء العسكريين والامامين الكاظمين في بغداد وزيارة عاشوراء والشعبانية والاربعينية في كربلاء المقدسة، ولم اترك اي مناسبة منذ خمسة عشر عاما الا والتحقت بها وقدمت خدماتي وابقى في كل زيارة لمدة عشرة ايام بلياليها لاعالج المصابين، بساعات عمل مفتوحة دون تحديد لوقت العمل"، وهنا يقول ان "العمل في الزيارات له اجواء وبركات تعطينا المدد والطاقة المستدامة دون كلل او ملل على عكس ايام عملنا في حياتنا اليومية التي لا نستطيع الاستمرار بالعمل لمثل تلك الساعات وفي هذه الزيارة عالجت بحدود (1800) زائر يوميا تقريبا الى الآن".
انقاذ الزوار الجرحى
ويتابع الصالح كلامه بالقول، انه "بمجرد رؤيتنا لقدوم الزائر علينا للعلاج يشعرنا بالفخر ان نكون خدام له وخاصة ان كان الزائر عربياً او اجنبياً، فيمتزج شعور الخدمة والضيافة في شعور واحد، ومنها سينقل صورة جميلة عن العراق واهله ومواكبه ومضائفه واطبائه وكل خدامه، وفي ايام الالتحاق بالخدمة الطبية الحسينية اترك اهلي وعائلتي واهجر عيادتي ورزقي ومرضاي لعشرة ايام او اسبوع وبحدود (60 ـ 75) يوما خلال العام الواحد، واقدم خدماتي لزوار الحسين (عليه السلام) وباشرت بتقديم الخدمة الطبية لاول مرة في كربلاء بزيارة الاربعينية في العام (2007) ومنها شعرت الفرق الشاسع بين معالجة الناس في حياتي اليومية ومعالجتهم في الزيارة الاربعينية والاجواء الروحانية والشعور بالانتماء لمدرسة ابي عبد الله (عليه السلام) حيث التضحية والبذل والايثار ولا تشعر بالتعب او العناء والنفس مرتاحة ومطمئنة تعطي الحافز للعطاء، وفي الزيارات العامة لم تحصل حالات خطرة الا مرة واحدة خلال التفجيرات التي حصلت في مدينة كربلاء المقدسة وانقذت حياة (12) زائر من الموت في التفجيرالارهابي الذي حصل قرب مرقد ابي الفضل العباس (عليه السلام) وعالجت العشرات ممن اصاباتهم لم تكن مميته وانا بطبيعتي لا ابكي الا لامر جلل، ولكني في تلك الساعات كنت انقذ المرضى وابكي عليهم".
في معارك التحرير
الصالح ومجموعة من زملائه من جنود الجيش الابيض شاركوا في معارك التحرير ضد عصابات "داعش" الارهابية ويشرح هذا الامر بقوله، "شاركنا في المعارك جميعها ولمدة اربع سنوات ابتداء من معركة تحرير جرف النصر ولغاية تحرير مدينة الموصل بالكامل وشاركت مع قطعات الجيش العراقي والشرطة الاتحادية وجهاز مكافحة الارهاب والحشد الشعبي وكنت ابقى لمدة خمسون يوما في الميدان وامنح اجازة لمدة اسبوع واحد ثم التحق مرة اخرى، وعالجت الاف الاصابات السهلة والمتوسطة والصعبة وبالغة الصعوبة مثل الاصابات في الصدر او الرأس او القدم والكسور وفي معركة الموصل تعرضنا الى قصف باسلحة كيماوية محرمة دوليا وعالجت الكثير من المقاتلين منها، وكنا نعمل في خطوط الصد الاولى مع القطعات التي تبعد عن العدو مسافة ثلاثين مترا، وكنت ارى بعيني كيف يقاتل الابطال واعالج المصاب وارسله الى الاسعافات في الخطوط الخلفية وانتهى عملنا بتحقيق النصر النهائي على تلك العصابات بتحرير الموصل عام (2018)".
اذوب في الخدمة
الطبيب قاسم جمعة جبارة الطائي، الذي تخرج من كلية الطب في العام (1988) باختصاص الطب العام والتحق بالخدمة العسكرية في لواء المغاوير الثاني بمحافظة ديالى واستمر لثلاث سنوات وكان في مستشفى الرشيد العسكري في غزو الكويت عام (1991) وعالج مئات الحالات من الاصابات نتيجة القصف الجوي على القطعات العسكرية واصبحت لديه خدمة تراكمية كبيرة، ثم سرح من الجيش ليلتحق بالعمل في وزارة الصحة وعمل في مستشفيات الكندي ومدينة الطب والكرامة والشيخ زايد وتدرج بعمله حتى اصبح مدير الاسعاف الفوري في الجامعة المستنصرية وعالج الاف المصابين في التفجيرات الارهابية والاحداث الطائفية والتظاهرات الجماهيرية وكان دائما في قلب الحدث، وكان التحاقه بالطواقم الطبية بخدمة الزائرين في العام (2015) وكانت اول مرة يباشر بها في محافظة بابل بمفارز طبية لمدة سنتين، ثم جاء لمحافظة كربلاء قرب مرقد ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) وهنا تخنقه العبرة ويقول ، ما اعظمه من شعور غريب لا استطيع وصفه فعند الحسين تختلف كل الامور، فالنفس مطمئنة والروح هائمة بمعشوقها والجسد يصبح غير الجسد حيث لا تشعر بتعب او ملل او يضيق صدرك وتشعر ان كل زائر مريض هو من ذويك واهلك، وذهبت كثيرا الى زيارة الامام الرضا والسيدة زينت في ايران وسوريا وكنت بعد ايام قلائل احن الى العودة لاهلي وعائلتي ونحب وبكى وهو يقول وهنا عند الحسين تذوب نفسي وانسى كل شيء الا خدمة الزائرين".
زائر حسيني
في كل ليلة جمعة انا ازور الحسين (عليه السلام) وفتحنا اعيننا على مجالس الحسين النسائية وكنت احتفظ بكاسيتات خطباء المنبر والرواديد ونطبخ الطعام ونوزع سرا وكنا نسكن في منطقة بغداد الجديدة وكان الاغلبية الساكنة من المسيحيين ولهم مواقف كثيرة مع الحسين (عليه السلام) وكنت شاهدا على كرامات حصلت معهم وقاموا هم انفسهم باعداد الطعام وتوزيعه ثوابا في الاربعينية او المحرم هكذا يصف الطبيب الطائي علاقته بمعشوقه ويضيف ان" حضوري في الطواقم الطبية لخدمة الزئرين في كل الزيارات المليونينة وفي مدن النجف الاشرف وسامراء وبغداد وكربلاء المقدسة واستمر حسب ايام الزيارة من اسبوع الى اسبوعين هو شرف لي وفي كربلاء اتمنى ان تطول ايام الزيارة واغلق ابواب رزقي وعيادتي الخاصة لعشرة ايام او اسبوعين واترك عائلتي واهلي واصدقائي واتفرغ للخدمة الطبية وصرت انتظر ايام الاربعينية واتمنى ان يكون كل يوم هو الاربعينية، لاني صرت اشعر اني مكلف من الحسين (عليه السلام) بمعالجة الزائرين واعمل لساعات قد تصل الى عشرين ساعة يوميا في الزيارة الاربعينية، ويوميا اساهم بمعالجة الاف الزوار دون تعب او ضجر، لاني منذ طفولتي عشقت حب الحسين بسبب تربيتي وعائلتي الحسينية، وازدات عشقي عندما كان اخي محروم من الذرية لمدة ثماني سنوات وجاء سيرا على الاقدام في العام (2007) ودعا الله بشفاعة ابي عبد الله ان يرزقه بطفل فرزقه الله بنفس العام بطفل جميل المنظر اسماه (الحسين) وبقي هو الطفل الوحيد له الى الآن وصار حافزا لي لتقديم المزيد من العطاء لخدمة الزوار".
قاسم الحلفي ــ كربلاء المقدسة
تصوير ــ عمار الخالدي
أقرأ ايضاً
- فرع كربلاء لتوزيع المنتجات النفطية: الخزين متوفر والمولدات الاهلية تتسلم كامل حصصها من الكاز هذا الشهر
- تحول إلى محال تجارية.. حمّام اليهودي في كربلاء (فيديو)
- مكونة من ستين منسفا وصينية.. سفرة طعام طويلة على طريق الزائرين في كربلاء المقدسة (صور)