بقلم: عبد المنعم الأعسم
ليس اكتشافا جديدا، ولا ينطوي على براءة اختراع القول بان أزمة الحكم في العراق التي ابتدأت في ثمانينيات القرن الماضي (الحروب والاستبداد) وتفاقمت في العقدين الاخيرين الى مديات خطيرة خلقت بيئة اجتماعية مأزومة، بما يعني انتشار اعراض مرضية في مفاصل كثيرة من السلوك العام، فيما يجري الحديث في اروقة محدودة عن ضرورة استخدام علم النفس المعاصر في معالجة بعض آثار هذه الازمة، وذلك بعدما اخفقت علوم الاقتصاد التقليدية في كبح اندفاع عناصر الازمة (بعد سقوط النظام) الى تدمير نفسها وزج المشهد الى سلسلة من الدوامات والاستعصاءات انتهت الى ما يطلق عليه (الآن) بالانسداد، وهو الاسم المستعار لمفترق الطرق العاصف.
موجبات العلاج النفسي للازمة تنطلق من حقيقة انها انتقلت، في طورها الاخير، من خلافات في وجهات النظر حيال السلطة والمستقبل والمصالح الى حالة سلوكية انفعالية، وانشقاقية مجتمعية شاملة، تبدأ من عالم الطفولة في البلاد إذ يظهر العنف والتخلف والتشوّه السلوكي في بصمات ومعطيات لا تخطئها العين ولا تعبرها البصيرة التحليلية، والاخطر، انها قد تتحول الى مشكلة سلالية في المستقبل.
ان الاستهتار السياسي والانانية المنفلتة في صفوف الفئة المتنفذة، أدى وسيؤدي الى ان يفقد المجتمع بعض سماته الابداعية التي كسبها عبر التاريخ، حاله حال النزيل في السجن الانفرادي لمدة طويلة، كما في قصة تشارلز ديكنز (بين مدينتين) إذ فقد الدكتور «مانيت» مهنة الطب بعد سنوات من مكوثه في سجن الباستيل.
نظريات علم النفس المعاصرة، كما يُعتقد يمكن ان تستوعب هذه الاعراض المرضية وتستطيع تفكيكها، فان النظرية السلوكية للعالم جون برودوس واتسون تنحى الى التقليل من شأن البواطن والتُقيات وردود الافعال، أما النظرية التركيبية لكارل غوستاف يونغ الذي طور استنتاجات دارون حول اللاشعور فانها توصلت الى بعض الاستنتاجات السليمة في حالات مجتمعية منتقاة، فيما نظرية بافلوف الترابطية وزميله ثورندايك عن الانعكاسات الشرطية للسلوك لا تزال تحقق نتائج في بعض التحولات المجتمعية، لكن، احسب (شخصيا) ان الاعراض الاجتماعية للازمة السياسية التي تضرب سلوك المجتمع العراقي وتهدد بتدمير لوازمه الابداعية والاخلاقية، يلزمها علم خاص بها، او ربما حزمة من العلوم.
قال لي صديق اخصائي في علم نفس المجتمع، عندما كنت ابوح له بملاحظاتي هذه: نعم، هناك حاجة لامعان النظر في السلوك المضطرب للجمهور الناتج عن الازمات السياسية.. لكن ينبغي البدء باحالة ابطال الازمة أنفسهم من السياسيين والوكلاء والدعاة والمهرجين الى الكشف في مستشفيات التأهيل النفسي.
وهكذا دخلنا حقل الألغام.
استدراك:
«الوقت المناسب لإصلاح السقف هو وقت سطوع الشمس».
جون كنيدي
أقرأ ايضاً
- الصيد الجائر للأسماك
- ضمانات عقد بيع المباني قيد الإنشاء
- إدمان المخدرات من أسباب التفريق القضائي للضرر