مضى عليه اكثر من قرن وكان العمود الفقري لبناء الدور ومآذن وابواب المساجد والاضرحة والابراج، تدرج من الكورة والبرجيم الى الولدن والسي ان سي، ورغم غزو المستورد لاسواقه الا ان اسماء اسطواته وخبراتهم ومنجزاتهم تقف شاهدة على ابداع العراقيين في تطويع الحديد وصناعة كل ما تحتاجه عمليات البناء.
خبرة سبع عقود
الحاج عبد الرزاق الحداد الذي يبلغ من العمر 80 عاما وتعذر عليه الحديث لمرضه يعد اقدم اسطة من الحدادين حيث دخل المنهة وعمره ثماني سنوات اي قبل 72 عاما، ويقول ولده علاء في حديث لوكالة نون الخبرية، ان "هذا السوق بالرغم من انه يمتاز بعمل الحدادين الا ان اسمه سوق النجارين، لان مكان عمل النجارين فيه سبق الحدادين الذين كانوا يعملون في الحي الصناعي قرب كراج البارودي واخرين في باب الخان ، وكذلك يوجد خان ومستأجره جابر حداد، ويجتمع فيه عدد من ابرز حدادي كربلاء ولم يكن الكثير يمتلك الجرأة على الخوض في ان يصبح حدادا لانها مهنة متعبة جدا".
من الكورة الى الولدن
ويسرد اسماء ابرز اسطوات الدرجة الاولى الذي يبلغ عددهم بحدود عشرون حدادا بقوله انهم "والدي الذي كان يصمم وينفذ ويستشاروه في كثير من المشكلات التي تعترضهم في البناء والمرحومين جواد علي الشمر وشقيقيه صادق وعلي وحجي جواد عبود وجابر حداد وحجي اموري والاخوة كاظم وكريم وفاضل النيار، ومن تحت ايديهم تخرج العشرات من الحدادين، حيث كانوا يصنعون ابراج الحديد ومنارات المساجد وابواب الحسينيات وحديد الاضرحة المقدسة، وقبله عملوا هياكل الشيلمان التي تعتمد في بناء الدور على شكل قواطع تشمل الجدران والسقوف التي تنصب قبل البناء ثم تغلف بالطابوق، وكذلك الابواب والشبابيك، ما يعني ان بناء البيوت كان يعتمد على عمل الحداد بشكل كامل، ثم انتقلوا الى العمل بشيش التسليح بعد ان تحولوا بخبراتهم الفطرية التي تثير الدهشة والاعجاب حيث اغلبهم اميون لا يقرأون ولا يكتبون الا انهم يمتلكون خبرات تصل الى خبرات المهندسين من اصحاب الشهادات الاكاديمية من ابواب وشبابيك الخشب الى الحديد، حيث كانوا يعتمدون في عملهم البدائي على (البرجيم) وهو ما يشبه الربط ب(التونك) وبعدها الاعتماد على كورة النارة لتصنيع المعدات الزراعية مثل المنجل والمسمار العصفوري لتثبيت الانابيب وجلاب المروحة بواسطة القوالب، وكذلك الحداد يستخدم كورة النار لتطويع الحديد لصناعة النقشات، ثم دخلت مكائن لحيم الولدن ومن تحت ايديهم انتشر العشرات او المئات من اسطوات الحدادة في كربلاء".
تصدير الى الخليج
من ابرز الامور التي ذكرها علاء الحداد ان "اعوام الستينات والسبعينات كانت تشهد تصدير كميات كبيرة من الابواب والشبابيك ومحجرات السلالم والنقشات من كربلاء الى عدد من دول الخليج العربي، حيث كانت تمتاز بجودة عالية جدا ولا تتوفر في تلك الدول"، فضلا عن "المحافظات الوسطى والجنوبية التي لغاية ثمانينيات القرن الماضي كانت تشتري تلك المنتجات من كربلاء المقدسة وبغداد، وبالذات النقوش على المحجرات والابواب حيث اشتهر بها حجي جواد الشمر الذي كانت يعتمد على رسم خطاطي الكاشي الكربلائي وينفذها على الحديد بشكل هندسي مميز، بواسطة النار او نقش اليد وكذلك الرسم الاسلامي، وما يميز اسطوات العقود الماضية هو التخصص بنوعية واحدة من الحديد، اما اسطوات الدرجة الاولى فكانوا يصنعون اي نموذج من المنتجات بخبرات كبيرة".
ستون عاما في العمل
علي شريف شنان الذي يعتبر من اقدم حدادي السوق الان يؤكد لوكالة نون الخبرية، ان "هذا السوق كان بستان في السابق ويمتد عمره الى اكثر من قرن من الزمان، فمنذ كان عمري 12 سنة دخلته صانعا في احدى الورش الفنية، وقبل هذا العمر بكثير موجود هذا السوق واصبح عمري الان سبعون عاما وما زلت اشتغل فيه وكان ابرز الحدادين هو الحداد الايراني خدادات وقد ابعده النظام المباد خلال حملته على حملة الجنسية الايرانية".
ويكمل بالقول "كانت في هذا المكان ثمانية محال وورش للحدادة ، وفيها تقريبا اربع مكائن تورنة تصنع قطع غيار لمكائن الجص ومعدات اخرى، وورش حدادة تصنع الابواب والشبابيك وباقي الاشياء التي تدخل الحدادة فيها كعامل رئيسي، مستذكرا بداية عمله في السوق بتكليفه بقص الحديد باستخدام فضلات الحديد الزائدة من العمل والتعرف على انواع الحديد ومن ثم الدخول الى العمل، وكانت اسعار الحديد والعمل بالدينار العراقي الذي كانت قيمته عالية جدا والاجور تعد جيدة واسعار المنتجات مناسبة جدا"، لافتا الى ان "الحديد المستعمل كان يستورد عبر وكلاء مختصين مجازين من قبل وزارة التجارة ويخضع الحديد المستورد الى فحص جهاز التقييس والسيطرة النوعية، وسعر طن الحديد 50 دينار فقط".
وعن الخدمات التي قدمتها ورش الحدادين لاهالي كربلاء وباقي المستفيدين يقول شنان انهم "كانوا يصنعون الابواب والشبابيك وتجهيز كل احتياجات مؤسسات الدولة التي تنشئ مباني في المحافظة، وكذلك تجهيز المحافظات الوسطى والجنوبية عدا محافظتي النجف الاشرف وبغداد اللتين كانتا تمتلكان مصانع وورش ذات خبرات كبيرة"، مشيرا الى ان "ابرز الاسطوات في السوق كانوا خدادات الايراني وعباس الكردي وسيد محمد وانا حيث اصبحت اسطة في سبعينيات القرن الماضي وكانت اجرتي اليومية خمسة دنانير وهي اجرة تعد عالية جدا".
قاسم الحلفي ــ كربلاء المقدسة
تصوير ــ عمار الخالدي
أقرأ ايضاً
- العتبة الحسينية اقامت له مجلس عزاء :ام لبنانية تلقت نبأ استشهاد ولدها بعد وصولها الى كربلاء المقدسة
- رئاسة المشهداني.. هل تمهد لعودة الزعامات الكلاسيكية؟
- بركات الامام الحسين وصلت الى غزة ولبنان :العتبة الحسينية مثلت العراق انسانيا(تقرير مصور)