من ركائز شارع الرشيد ببغداد يبرز "عكد الجام" الذي كانت تتراصف فيه المحال المخصصة لبيع الزجاج والمرايا، وكان يحتضن مجموعة من المعامل الاهلية التي تحول الزجاج الى مرايا بايدي عراقية خالصة، وهو مركز التسوق المركزي في العراق لتلك السلعتين، اللتين يجد فيها الزبون واصحاب محال المفرد كل الجودة والنقاوة والمكونات المستوردة من ارقى المناشيء العالمية، تعرض هذا العكد الى هزة قوية في تسعينيات القرن الماضي عندما غزا الطاغية المقبور دولة الكويت فعرض العراق الى عقوبات اقتصادية اثرت كثيرا على الصناعة والاسواق ولكن العكد وقف على رجليه مرة اخرى، لكن ما جرى من انفلات اقتصادي بعد سقوط النظام المباد تسبب بفقدان هذا العكد لهويته حتى تحطمت المرايا وتهشم الزجاج واصبحت البضاعة الرديئة هي العنوان.
مركز تجهيز العراق
غازي رحيم (ابو اكرم) عمل في عكد الجام قبل اربعين عاما صانعا عند اخوته اسطوات الجام، يقول في حديث لوكالة نون الخبرية، ان "العكد كان فيه بحدود خمسون محلا تجاريا مختصا ببيع الزجاج والمرايا، وكان سوق الجملة الرئيس في العراق واليه يأتي كل اصحاب محال الجام في المحافظات للتزود بما يحتاجونه من جام او مرايا وكذلك الاطارات الخشبية التي ادخلها المصريون الى العراق عندما جاؤوا للعمل في اعوام الثمانينات"، مبينا ان "المحال كان عدد من اصحابها لديهم اجازات استيراد ومن مناشئء عالمية مثل ابو حيدر وسيد حازم وابو مصطفى وعادل وابرز الزجاج المستورد الزجاج البلجيكي"، فضلا عن "معمل الرمادي الذي ينتج الزجاج في العراق ويجهز المحال، اما الان فاصبحت السلع المستوردة الرديئة الصينية والايرانية والتركية سيدة الموقف".
وبين انه "بعد العام 2003 اصبحت المنافسة غير شريفة بين التجار لان دخلاء على المهنة لديهم اموال اصبحوا يستوردون الزجاج الردئ ويسوقونه الى المحافظات فصارت العشوائية هي الرائجة، وانتهت تماما الرقابة على الاستيراد ما اثر بشكل كبير على العكد"، فضلا عن "استعمال الزجاج المسمى (الفلات) الذي ينصب الان كابواب في مداخل المحال والفنادق والمؤسسات الحكومية بواسطة البراغي والفريمات ونقله اسطوات عراقيين عملوا في سوريا والاردن وجاؤوا به الى العراق"، بينما كان "سابقا يستعمل الجام العراقي المثبت بالمعجون، ولم يتبقى من محال الجام الا ثماني محال فقط، وتحول البعض الى بيع المرايا الجاهزة والزجاج الجاهز لديمومة الرزق لان العمل شبه متوقف، بينما كنا نستعمل المرايا بإطار من الخشب بقياسات مختلفة".
المعوقات والحلول
ومن اكبر المعوقات التي تواجه اسطوات الزجاج والمرايا في العكد اشار ابو اكرم الى "ارتفاع الايجارات بشكل جنوني وقلة الدعم الحكومي وغزو المستورد الردئ والضرائب العالية"، متوقفا عند الحلول بقوله " على الحكومة اعادة الاسطوات القدماء الموجودين الى الان والتدخل بقوة لابعاد من غير مهنة السوق وتعويضه بالمال واعادة الملكية او الاتفاق من المالكين الاهليين على تقليل الايجارات وان تكون عشرون او ثلاثون محلا لاسطوات الزجاج والمرايا، ومنع استراد انواع من الزجاج وحصرها بمحالهم، واعادة تشغيل معمل زجاج الرمادي الذي كان المجهز الرئيس للسوق وبانواع عالية الجودة واسعار ثابتة ليس كما يحصل الان ان وصل الفوت الى 1250 دينار علما ان المتر يتكون من 11 فوت ويعتبر سعره غالي جدا".
معامل اهلية اغلقت
من الامور التي كانت تعتبر المعين الداعم لعكد الجام هو وجود عدد من المعامل التي تصنع الجام والمرايا لكنها اصبحت خاوية، ويقول صاحب معمل المرايا العراقية كاظم نعمة، في حديث لوكالة نون الخبرية، ان "معملي يتكون من مجموعة مكائن حرفية تحول الزجاج العادي الى مرآة بعد اضافة المواد الاولية الداخلة مثل الكوبر والزرقاء ونترات الفضة والامونيا وغبار الزنك، وكنا نجهز بمواد مستوردة اصلية من مناشيء عالمية حيث نشتري الكيلوغرام من نترات الفضة بعشرون دينارا وكانت تساوي بحدود 65 دولارا اما الان فسعر الكيلوغرام الواحد مليون دينار، وكان سعر الطن من الزرقاء وسعر الكولكوز برخص التراب، لذلك بقيت المرايا محافظة على اسعارها ومنتج عالي الجودة، وكنا نصنع الطلبية على الطبقة التي تبلغ مساحتها 120 سنتمتر طولا و180 سنتمتر عرضا وسعرها كان عشرة الاف دينار في التسعينات، ونصب منها يوميا 50 طبقة، ونبرمج طلبات المحافظات والتجهيز يتم بمواعيد دقيقة جدا".
المخرج من الازمة
وقفت الصناعة كليا بعد العام 2003 هكذا يصف نعمة الحال ويكمل بالقول "ذهبنا نحن اصحاب المعامل الى اتحاد الصناعات الكهربائية وعرضوا علينا تزويدنا بمولدة كهربائية وهي لا تسد 10 بالمئة من متطلبات عودة القطاع الخاص، حيث كانت نترات الفضة على درجة عالية من النقاوة من النوع الالماني وسعرها 30 الف دينار، والان ما موجود مواد كلها شوائب تضر بصحة العاملين وسعرها عالي يصل الى مليون دينار ومن النوع الرديء، واذا ارادة الدولة اعادة الصناعة في القطاع الخاص والمحافظة على تراث بغداد وعكد الجام الذي يعد من المناطق التراثية فعليها ان توفر المواد الاولية باسعار مدعومة وتوفر المولدات والوقود المدعوم وتوقف الضرائب العالية التي ما زالت تستوفى منا رغم علم لجان الضريبة ان معاملنا متوقفة منذ العام 2003فكيف تفرض ضرائب على معامل خاوية".
قاسم الحلفي - بغداد
أقرأ ايضاً
- بركات الامام الحسين وصلت الى غزة ولبنان :العتبة الحسينية مثلت العراق انسانيا(تقرير مصور)
- عمرها يتجاوز (500) عام :مهنة "رواف الملابس" اندثر سوقها في بغداد وتسير نحو الانقراض (مصور)
- بدأ براية ورجُلين :موكب رايات البصرة الحسيني يسير (22) يوما رافعا (30) راية (مصور)