الصفافير سوق يرجع تاريخة الى العصر العباسي اشتهر بمهنة يدوية توارثتها الاجيال تلو الاجيال، وكان مقصد كل السائحين العرب والاجانب في العراق، تشم فيه عبق التاريخ وانت تسير في زقاقه الضيق، وتشاهد بأم عينيك كل تراث وحضارة العراق منقوشة بحرفة ودقة على الاواني النحاسية، كان رمزا من رموز العاصمة بغداد واصبح مندثرا ويلفظ انفاسه بعدما زحفت عليه محال للبضائع الرخيصة فابتلعت فيه الاقمشة قطع النحاس واصبح مترنحا ويكاد يرفع راية الاستسلام ويتخلى عن التاريخ والتراث.
مهنة عراقية
ابو محمد الصفار الذي تخرج من كلية العلوم فرع علوم الفيزياء باختصاص الليزر وبلازما هو الحفيد الرابع الذي توارث المهنة عن اجداده في هذا السوق والذي اكد خلال حديثه لوكالة نون الخبرية، ان "معنى اسم السوق ارتبط بالعمل اليدوي الخالص لتطويع النحاس وصناعة الاواني المنزلية المختلفة التي كانت كل البيوت لا تستطيع الاستغناء عنها، مثل الاواني والمنقلة والمشربة والدلة والابريق والسلبجة والهاون، في العقود الغابرة ولنقل منذ بداية القرن العشرين الى وقت متأخر منه".
"منذ سبعون عاما واجدادي وآبائي يعملون صفارين في هذا السوق الذي كان معلما من معالم العاصمة بغداد"، هكذا يصف الصفار تاريخ عائلته المرتبطة بالسوق، ويضيف "كان هناك تقريبا اربعون محلا لصفارين يعدون من افضل اسطوات بغداد وهم ورثة مهنة عراقية سبقت الدولة العباسية، واستمر العمل بشكل جيد وحرفة محترمة وسلع مصنوعة يدويا يقصدها الكثير الى نهاية العقد التسعيني من القرن الماضي، لكن بعد العام 2003 بدأت تتغير معالم السوق وهويته وطغت الصبغة التجارية عليه ودخل المال والاستيراد العشوائي وبدأ يستحوذ على المحال الواحد تلو الآخر، بسبب رفع الدولة يدها عن الدعم المقدم لاصحاب المهن الاصليين".
الدعم الحكومي
ويبين نوع الدعم بالقول "كان مصنع الشهيد الحكومي يبيع كيلو النحاس بخمسة الآف دينار حتى لو كان تكلفته عشرة الاف دينار، ولا يعد المصنع خاسرا لان ديمومة العمل في السوق يستقطب السائحين الذين يشترون بكميات كبيرة من الاواني المنقوش عليها حضارة العراق فيتم عبر هذه الطريقة جذب العملة الصعبة للبلد، كما تمنع العملة الصعبة ان تخرج لان اجازات الاستيراد كانت محدودة جدا وعلى بضائع لا تصنعها الدولة حصرا"، لافتا الى ان "مبالغ ايجار المحال ارتفعت الى ضعفين او ثلاثة اضعاف، كما ان اصحاب الاملاك يعانون من فرض ضرائب عالية عليهم وبالنتيجة يرفعون الاسعار".
وطالب الصفار، من الحكومة ان تأخذ بنظر الاعتبار ان هذه مهنة تعد كمالية وليس فيها عمليات بيع كثيرة وقد قَلّة نسبة المبيعات الى مستويات متدنية، وهي مهنة تمثل تاريخ العراق وتراثه فيجب ان يراعى هذا الامر وتخفض الضرائب فيلزم المالك بعدم رفع الايجار، وتوفير الدعم عبر خفض اسعار النحاس، لان الاموال لعبت لعبتها في السوق فاصبح الصفار محاصر بنار العوز والايجار المرتفع الذي بات يتراوح بين 750 الف الى مليون دينار شهريا وقِلَّة الموارد، ووقف قباله من يعرض عليه شراء محله بسعر (60 ــ 70) الف دولار، وهكذا تحول السوق تدريجيا الى سوق اقمشة بل اكثر من ذلك ابتلعت المحال والمخازن لتتحول الى تجارة الاقمشة، ويكاد السوق الذي أنشئ في عصر الدولة العباسية ويمثل تاريخ بغداد يلفظ انفاسه ويصبح سوقا لاقمشة رخيصة".
تاريخ منقوش
اما ماجد الحاج صادق الصفار الذي اكد لوكالة نون الخبرية، ان "عدد المحال كان في سبعينيات القرن الماضي (130) محلا باسطواتها وعمالها بقي منها تقريبا 15 محلا فيها ثلاث اسطوات فقط"، مبينا ان "كل تاريخ العراق السومري والبابلي والاكدي والاسلامي والعثماني والملكي والجمهوري ينقش على النحاس يدويا وهو من الاسواق العريقة في العراق والوطن العربي، وكان مختص بالاواني المنزلية وكان مقسم على شكل (خانات) لخزن المواد ويعد منطقة تبادل تجاري بين الشرق والخليج العربي، وهو يعتمد على الحرفة اليدوية وبطريقة الخط الانتاجي حيث يتعاقب اكثر من عامل على انجاز العمل يدويا بالتوالي، ومثلا صناعة الدلة يتحمل كل عامل جزء خاص له مثل الغطاء والمقبض والخشم والبدنه والتتبيض وترسل الى دول الخليج العربي، والى الان ترسل اليهم لانهم يريدون الدلة القديمة لعشقهم للحرفة العراقية، على عكس الدلة المستوردة التي تصنع بطريقة اللحيم وتعد شكلا دون متانة".
السائحين والصفافير
يتحسر الصفار وهو تذكر قدوم السائحين الاجانب والعرب بكثرة بل يشدد، ان "اول مكان يزوره السائح في سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي هو سوق الصفافير ليشتري المنتوجات الفلكلورية، مثل الابريق والسلبجة المكونة من الابريق واللكن والصواني المنقوش عليها الاثار العراقية على غرار اسد بابل والقيثارة السومرية والثور المجنح والنخلة العراقية والمراقد المقدسة والدلال والمشربة، اما المعاناة الان فتتمثل بقلة البيع وعدم وجود سياحة حقيقية وتوقف الدعم الحكومي ولا يوجد اي اهتمام بهذه المهنة التاريخية وهذا السوق الذي يعتبر من شواخص تاريخ بغداد والعراق، وكذلك تخلي الجهات الحكومية عن شراء الهدايا التي كانت تقدم للوفود في المهرجانات والمؤتمرات، وقد التقى بنا قبل سنوات الامين العام لمجلس الوزراء وعرضنا عليه معاناتنا وطلبنا منه ان نكون جزء من مهرجانات العراق ونعرض منتجاتنا للوفود ونشرح طريقة صنعها والاثار التي تنقش عليها ونمثل العراق خير تمثيل ونحقق هامش ربح يسد جزءا من تكاليف المهنة، وطالبنا بارجاع الدعم للصفارين الذي يعملون يدويا حصرا ومنع استيراد المنتجات الممثالة التي اغرقت السوق واخرجت العملة الصعبة".
الحلول والادامة
يعطي ماجد الصفار حلا للحفاظ على السوق بقوله "يمكن للدولة ان تحدد 20 محلا على سبيل المثال وتشتريها وتتملكها هي وتحدد عملها للصفارين اليدويين فقط، وتؤجرها بمبالغ مناسبة وتجهز الصفارين بالنحاس المدعوم، وهم بدورهم يعملون على تدريب مجموعة من الشباب كما كنا سابقا نذهب الى ورش تدريب الحرفيين في بغداد والزمنا بتدريب الحرفيين وبالفعل تخرج عدد منهم صفارين، وكذلك تمنع الدولة بصرامة استيراد المقتنيات النحاسية التي تصنع بايدي الاسطوات والحرفيين العراقيين لحصرها والمحافظة على سوق تاريخي واثري ومهنة انطلقلت من العراق".
قاسم الحلفي ــ بغداد
أقرأ ايضاً
- 400 مليون دولار خسائر الثروة السمكية في العراق
- هل ستفرض نتائج التعداد السكاني واقعا جديدا في "المحاصصة"؟
- "بحر النجف" يحتضر.. قلة الأمطار وغياب الآبار التدفقية يحاصرانه (صور)