عباس الصباغ
يمكن اختزال الطموح الجمعي للشعب العراقي في حياة لائقة وكريمة تليق به ، بضرورة التمتع بالحكم الرشيد الذي غاب عن العراق مصطلحا واجراءً وهو حلم ظل يدغدغ المخيلة الجمعية العراقية ولم يتحقق على ارض الواقع لحد الان ، ومنذ التأسيس الدولتي الاول للدولة العراقية الحديثة ومروره بعدة حقب ملكية وجمهورية لم تكن جميعها في مستوى ذلك الطموح الى ان أتى التغيير النيساني(2003) الذي كان من المفترض ان يضع العراق على عتبة البلدان التي تتمتع بالحكم الرشيد، ولكن نتيجة للأخطاء التأسيسية المؤسفة التي رافقت هذا التأسيس ، وماسبّبته السياسات الحكومية الخاطئة التي اعتمدت الديمقراطية التمثيلية في اسوأ صورها باعتماد المنهج التحاصصي / التشاركي /التوافقي منهجا في ادارة دولة مابعد ذلك التغيير ، وماسبّبه من فساد مالي واداري مع تدهور مريع في مناسيب البنى التحتية وملف الخدمات والبطالة المستشرية التي وضعت الكثير من العراقيين تحت هامش خط الفقر، بعد ان ساهم هذا المنهج الفاسد والخاطئ بتبديد معظم ثروات العراق وتبخرها في متاهات لايعلم بها سوى الله .
وبتعريف مبسّط للحكم الرشيد الذي هو الطريقة التي تباشر بها السلطة في إدارة موارد الدولة الاقتصادية والاجتماعية بهدف تحقيق التنمية لكل الاجيال ، وهذا المفهوم يتسع جميع السلطات الثلاث ، وبالإجمال : هو الحكم الذي يتّسم بالمشاركة والشفّافيّة والمساءلة، ويكون فعّالاً ومنصفاً ويعزّز سيادة القانون، ويكفل وضع الأسبقيّات السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة على أساس توافق آراء واسعة النطاق في المجتمع، تسمع فيه أصوات أكثر الفئات ضعفاً وفقراً في صنع القرارات المرتبطة بتوزيع موارد التنمية ويشمل هذا الامر جميع الاجيال الحالية واللاحقة، لهذا قد نجد ان الاجيال اللاحقة قد تكون اكثر خيبة من الجيل الحالي الذي يعيش في ظل خيبات امل كان مصدرها تأسيس دولتي وفاشل واداء حكومي خاطئ وفي ضوء المعطيات المقروءة والمعاشة على ارض الواقع ومن كافة النواحي السياسية والاقتصادية والتنموية وغيرها ، ندرك ان المستقبل قد لا يكون بأفضل حالا من الحاضر اذا ما استمرت الهوية السياسية والاقتصادية للعراق على وضعها الحالي وهي لم تزل هلامية وزئبقية غير واضحة المعالم وتشهد عدم استقرار مفاهيمي مع تشظي واضح لها في مناخ سياسي مضطرب ومأزوم وتشتت الرؤية السياسية في مصدر القرار السياسي مع وقوع العراق في دائرة الاستقطابات والتجاذبات الاقليمية والدولية المؤثرة على مركزية قراره السياسي ، والامر ذاته ينطبق على الواقع الاقتصادي الذي لم يشهد استقرارا يخدم التنمية المستدامة للبلد بسبب ريعية الاقتصاد العراقي الهش الذي ظل مرهونا بأسعار النفط.
ولو تمعنّا في مداليل الحكم الرشيد واركانه ومقوماته السياسية والاقتصادية والتنموية نجد حجم المحرومية التي عاشها ويعيشها الشعب العراقي اذا ما اعتبرنا الحكم الرشيد استحقاقا تاريخيا له فمن حق هذا الشعب ان يتمتع ولو بجزء بسيط من مقومات الحكم الرشيد السياسية والاقتصادية والتنموية لان الحكم الرشيد الذي لم يتحقق وجوده لحد اللحظة ومن اجل مصلحة العراق بأجياله هو نظام الحكم القائم على خدمة مصالح الامة، والذي يعد السلطة والقيادة وظيفة في الخدمة العامة، ويتخذ منها منصة لإثبات الكفاءة والقدرة على تحقيق متطلبات الشعوب وحاجاتها ، وسياستها بالعدل والمساواة، وان يتصف بالقدرة على دمج المجتمع المتعدد في السلطة والحكم والمشاركة ، وان يتمتع باستمرار بشرعية شعبية اساسها الانتخاب الشعبي النزيه والعام ، ومن اهم اسس الحكم الرشيد: المشاركة وسيادة القانون والشفافية والمساءلة، وترتبط جميعها بممارسة الشعوب للحريات العامة في مختلف نواحي الحياة، وثمة أهمية كبيرة لممارسات الحكم الرشيد و تحقيق دوره في تعزيز التنمية البشرية و قدرته على تدعيم الممارسات الديموقراطية و تحسين فعالية المؤسسات و تحقيق سيادة القانون و العدالة و يستهدف خدمة مصالح الامة العليا، وجميع مقاربات الحكم الرشيد آنفة الذكر لم تتحقق في العراق سوى الممارسة الديمقراطية المشوهة التي مورست في اسوأ اشكالها ، وعلى الطبقة السياسية المتصدرة للقرار السياسي / الاقتصادي / التنموي ان تفكّر في ان تضع العراق على "مشارف" الحكم الرشيد قبل فوات الاوان إن لم يكن قد فات فعلا .
أقرأ ايضاً
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- مقابلات المرجعية الدينية الشريفة...رسائل اجتماعية بالغة الحكمة
- المصادر الريعية لشرعية الإنجاز والحكم في العراق