- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
تشغيل الشباب .. تجسير الفجوة لعبور الأزمة
بقلم: عبدالزهرة محمد الهنداوي
قلق فقدان فرصة العمل لدى القطاع الخاص ، مازال يراود الكثير من العاملين في هذا القطاع ، نتيجة ضعف او غياب الضمانات والقوانين التي تحمي العاملين ، أسوة بنظرائهم من موظفي القطاع الحكومي ، وهذا ما اثبتته أزمة كورونا وما رافقها من تداعيات تسببت بفقدان الكثيرين لفرص العمل ، ما جعلهم تحت غائلة الحاجة .لم يعد مستغرباً عندما نجد البعض ممن يعملون في القطاع الخاص، على استعداد لدفع الرشى للظفر بوظيفة حكومية ، قد لا يتجاوز الراتب فيها نصف ما يحصلون عليه في عملهم ، والذي دفعهم إلى ذلك هو خوفهم من المجهول واحتمال الاستغناء عنهم .
والحال يتطلب من المعنيين البحث عن السبل الكفيلة وإيجاد الحلول الناجعة لمعالجة الظاهرة الخطيرة ، التي ضربت التنمية ، من جراء تضخم الجسد الحكومي بنحو غير مسبوق ، حتى بات هذا الجسد يستحوذ على اكثر من ثلثي الإيرادات النفطية ، يرافق ذلك قلق دائم ينتاب الجهات الحكومية ، خشية من عدم قدرتها على تأمين السيولة المالية لتغطية النفقات الباهظة ،لاسيما في عتم تكرار الأزمات المالية المرتبطة بتدني أسعار النفط بين الحين والآخر ، اذ لم نكد نخرج من أزمة 2014 ، وما تلاها من تداعيات في منتهى الخطورة، حتى دخلنا في عنق أزمة جديدة، هي الأخرى مزدوجة الرأس (صحية- اقتصادية)، متوقعين عودة سيناريو العام 2014 ، المتمثل بالتقشف الشديد ، وتوقف المشاريع وارتفاع معدلات الفقر والبطالة ، وتدني مستوى الخدمات وتراجع معدلات النمو الاقتصادي .. الخ ، لاسيما في ظل الانهيار غير المسبوق لاسعار النفط واحتمال استمرار هذا الانخفاض إلى فترات غير معلومة، ما قد يعرض اقتصادات الكثير من البلدان النفطية ، ومنها العراق ، إلى حالة الشلل المخيف ، خصوصاً ان موازنة 2020 " لم تقر بعد" التي اعتمدت سقفاً سعرياً مقداره 56 دولاراً للبرميل ، ومع هذا التخمين المتفائل للأسعار ، فان المعطيات تحدثت عن وجود عجز بالموازنة، قد يتجاوز الـ(30 %) ، فكيف سيكون مستوى هذا العجز ، إذا ما استمرت الأسعار بالهبوط، مع تواضع الإيرادات غير النفطية ؟
وفي خضم هذه التداعيات النفطية المثيرة للقلق ، ينبغي بل يتوجب ان يصار الى البحث عن آليات ومسارات من شأنها التخفيف من وطأة الأزمة ، وهي حتماً ليست غائبة عن اذهان المعنيين بالشأن الاقتصادي والتنموي ، الا ان الظروف الحاكمة ، دائماً هي التي تحول دون المضي في تنفيذ سياسات يمكنها ان تقلل الاعتماد على النفط مع رسم سياسة منطقية ، ننفذ من خلالها إلى تفعيل القطاع الخاص، لايجاد فرص العمل المناسبة للنشيطين اقتصادياً ، والشباب في مقدمة هؤلاء ، وهنا يأتي الحديث ، عن المشروع الوطني لتشغيل الشباب الذي أعلنت عنه وزارة التخطيط مؤخرا ، وقالت انه سيشمل جميع المحافظات ، وفي قراءة بسيطة للمشروع ، نجده مشروعاً مختلفاً عن غيره من المشاريع ، لأسباب عدة .. منها :
- انه يعتمد على مبدأ التشاركية بين الشباب الذين يقدمون مشروعهم، بصرف النظر عن اختصاصاتهم المهنية
والتعليمية .
- وجود مطّور ضامن للمشروع ، يتولى استكمال جميع الإجراءات المطلوبة من الألف إلى الياء ، وسيجد الشباب المتقدمون كل شيء جاهزاً .
- تمويل مالي لا بأس به يمكن ان يغطي مساحة جيدة من المشاريع ، فهناك ترليون دينار عراقي وضعها البنك المركزي رهن هذا المشروع ، اذ سيبلغ مقدار القرض ٣٥ مليون دينار للفرد الواحد ، ليكون مجموع القرض في حده الأدنى لعشرة مقترضين ٣٥٠ مليون دينار ، وهو مبلغ جيد يمكن ان ينتج مشروعاً من الحجم المتوسط يخدم التنمية ويسهم في بناء المدن الصناعية والزراعية في عموم المحافظات.
- القروض الممنوحة ستكون قروضاً ميسرة بفوائد بسيطة وبمدة استرداد جيدة مع وجود فترة سماح مناسبة ، لتمكين المشروع من المضي والنجاح .
- فكرة تنفيذ هذه المشاريع تقوم على 3 مراحل أساسية ، تبدأ بالتدريب ثم التوظيف في المشروع ، ثم التمليك للشباب اصحاب المشروع ، وفي المرحلتين الاولى والثانية سيتقاضى الشباب راتباً مناسباً ، قبل ان يتحولوا إلى مالكين للمشروع (الشركة) ، فضلاً عن تمتعهم بالضمانات الكاملة أسوة بنظرائهم في القطاع العام .
- إقامة المشاريع وتنفيذها سيكونان من قبل القطاع الخاص، ويبقى دور الحكومة ، مقتصراً على الإشراف والمتابعة ورسم السياسة العامة وتوفير الظروف المناسبة ، لاسيما توفير الأراضي لإقامة المدن الصناعية والزراعية ، وتوفير الحماية الكاملة للمنتج ، وستشارك في توفير التمويل لهذه المشاريع مصارف القطاع الخاص ، وهذا الإجراء بحد ذاته سيساعد هذه المصارف على الدخول بقوة في المشهد التنموي العام للبلد ولعلها المرة الاولى التي تتاح فيها مثل هذه الفرصة للمصارف الخاصة .
- وجود تفاعل عالي المستوى من قبل الكثير من المطورين الضامنين الذين لديهم الإمكانية والرغبة في تبني مشاريع الشباب ، وقد قدم العديد منهم دراسات ممتازة في هذا المجال ، والبداية كانت من محافطة ذي قار التي شهدت تخصيص نحو (15) الف دونم لإنشاء المدينة التنموية الزراعية و(100) دونم اخرى لإنشاء المدينة التنموية الصناعية في المحافظة، ومن المتوقع ان تسهم المشاريع ضمن هاتين المنطقتين بتوفير ما لايقل عن 2000 فرصة عمل مباشره وربما اكثر منها غير مباشرة ، في ما يهدف المشروع برمته إلى خلق 100 الف فرصة عمل في عموم المحافظات خلال العام الحالي 2020.
- وجود دعم برلماني وحكومي واسع، فضلاً عن استعداد الكثير من المنظمات الدولية لدعم المشروع .
ولذلك يمكن القول هنا ، ان المشروع الوطني لتشغيل الشباب إذا ما كُتب له النجاح وفق ما تم التخطيط له ، ووجود كل هذا الاهتمام ، سواء من قبل الجهات الحكومية المختصة او من قبل القطاع الخاص ، فاننا بحاجة الى توعية واسعة لتعريف الشباب بأهمية هذا المشروع ، وتشجيعهم وتطمينهم ومساعدتهم في التعاطي الإيجابي مع هذا الواقع المختلف، لكونه يمثل صيغة جديدة وطريقة مختلفة في تنفيذ وإدارة المشاريع ، لان الجميع يدرك في نهاية المطاف ، ان إعطاء الأولوية للتنمية ودعم تنفيذ المشاريع الشبابية سيمثل بوابة واسعة نحو تخفيف نسب البطالة في البلد التي بدأت مناسيبها ترتفع لتناهز الـ(14 %) ، وبالنتيجة نتوقع ، ان يؤدي المشروع بنحو عام إلى تنشيط القطاع الزراعي الذي شهد تراجعا في مستوى مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي إلى نسب متدنية ، وهكذا الحال بالنسبة للقطاع الصناعي ، وما سيؤديه من تشجيع للمنتج المحلي بنحو ملحوظ ، وهنا ستتراجع معدلات الاستيراد من الخارج ، للكثير من المنتجات والمحاصيل التي تستنزف أموالًا طائلة ، يمكن استثمارها لتحقيق التنمية في البلد لعبور الأزمات بوضع مستريح.
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً