- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
هل حقا ً طالبت المرجعية العليا برئيس حكومة غير جدلي ؟
بقلم: نجاح بيعي
بالأمس كثُر الحديث عند (ذاك) الطرف السياسي بأن الشخص (زيد) المُكلف من قبل رئيس الجمهورية, بتشكيل حكومة انتقالية مرفوض لأنه يُخالف أحد الشروط الموضوعية التي وضعتها المرجعية الدينية العليا في شخص المُكلف ألا وهي صفة (الجدلية). واليوم عاد مضمون الحديث ذاته عند (هذا) الطرف السياسي, وزاد (اللغط) مع الشخص (عمرو) الذي تم تكليفه هو أيضا ً بتشكيل حكومة انتقالية, واحتجّوا بذات الصفة ـ الجدلية ـ التي تكتنف شخصه, وبهذا يكون قد خالف هو أيضا ً أحد الشروط الموضوعية التي وضعتها المرجعية الدينية العليا في شخص المُكلف ذاته.
ـ وهنا يُطرح السؤال: هل طالبت حقا ً المرجعية العليا برئيس حكومة غير جدلي؟ حتى يضعه السياسيون معيارا ً هو بالحقيقة (حجر عثرة) لشخص المُكلف حتى يسقطوه أرضا ً, أو شرطا ً هو بالحقيقة (قيدا ً) يضعونه على رقبة المُكلف حتى يذعن أو يتدارك نحو الأسفل, أو سيفا ً يُشهر بوجهه ليقتص منه ويتم (إعدامه) سياسيا ً والى الأبد.
بالرجوع الى بيان المرجعية العليا رقم (11) في20/12/2019م, ذلك البيان الذي وثق أصعب وأخطر مرحلة مر بها العراق وشعبه.
حيث شكت المرجعية العليا أوضاعا ً صعبة وصفتها بـ(المُقلقة), كانت قد تفاقمت بشكل مطرد خصوصاً بعد انطلاق التظاهرات المطالبة بالإصلاح في 1/10/2019م منها:(الإغتيال والخطف والتهديد) الذي يتعرض له (الفاعلون) من المتظاهرين والمعتصمين السلميّين, وإجبار (العديدُ من الدوائر الحكوميّة والمؤسّسات التعليميّة على غلق أبوابها من دون ضرورة), وتعرّض (ممتلكاتُ بعض المواطنين للحرق والتخريب), وشكوى (الكثيرون من ضعف هيبة الدولة), وتمرّد البعض على (القوانين والضوابط المنظّمة للحياة العامّة في البلد بلا رادعٍ أو مانع).
حتى استشعرت المرجعية العليا الخطر المُحدق بالعراق وشعبه ببصيرتها النافذة, وحذرت من المُضيّ قُدما ً الى (المجهول) أو (الفوضى) أو (الإقتتال الداخلي) وتقدمت حينها بأنجع وأصوب حل هو (أقرب الطرق وأسلمها للخروج من الأزمة) وذلك بـ(الرجوع الى الشعب) كونه مصدر السلطات ومصدر شرعيتها كما نص عليه الدستور وذلك :
بـ(إجراء انتخاباتٍ مبكّرة بعد تشريع قانونٍ مُنصِفٍ لها). و(تشكيل مفوّضيةٍ مستقلّةٍ لإجرائها). و(ضع آليّة مراقبةٍ فاعلةٍ على جميع مراحل عملها تسمح باستعادة الثقة بالعمليّة الإنتخابيّة).
وفي ختام البيان أمّلت المرجعية العليا بجميع (القوى السياسية) المُمسكة بالسلطة أن لا (يتأخّر طويلاً تشكيلُ الحكومة الجديدة) أولا ً, وثانيا ً طالبت بأن لا (تكون حكومةً غير جدليّة)(1), حتى تتمكن من (استعادة هيبة الدولة وتهدئة الأوضاع) و(إجراء الإنتخابات القادمة في أجواء مطمئنة، بعيدة عن التأثيرات الجانبيّة للمال أو السلاح غير القانونيّ وعن التدخّلات الخارجيّة).
ـ إذن:
المرجعية العليا طالبت بـ(حكومة غير جدلية) وليس شخص غير (جدلي) يتم تكليفه بتشكيل حكومة جديدة. لعلمها المسبق بأن (الجدلية) كداء معرقل لأي حكومة منتخبة, إنما تحتضنه ذات (القوى السياسية) التي تنبثق منها الحكومة ويقصد على وجه التحديد (مجلس النواب), وليس شخص رئيس مجلس الوزراء.
ـ لماذا يتقوّل البعض على المرجعية العليا؟. لماذا يكذب؟. لماذا يُحرّف الكلم عن مواضعه ؟
قبل أن نلمح الى بعض الأسباب التي تدفع القوى السياسية الى ذلك, فلنتعرف على معنى (الجدلية) التي عنتها المرجعية العليا: الجدلية من (الجَدْل) وجِدال بمعنى (شِدَّة الخُصُومة)(2).
وهو (المُفاوَضَةُ على سَبيلِ المُنازَعة والمُغالَبة)(3). و(مَوْضوع جَدَليّ: مَوْضِع نقاش وخلاف. وجِدال: شدّة الخصومة بالباطل)(4).
ـ في النتيجة أن الخصومة وشدّتها, والمفاوضات والحوارات على سبيل المُنازعة والمُغالبة, ومواضيع النقاش السفسطائي والخلاف العقيم, والخصومة بالباطل, لم نعرفها ولم نلمسها ولم نمسكها إلا عند الحكومات المُتعاقبة على مدى (17) سبعة عشر سنة التي مضت, والمنبثقة من الطبقة السياسية المتصدية للشأن السياسي (البرلمان), والمتوزعة بشكل (جدلي) بجميع مؤسسات (السلطات الثلاث) للدولة العراقية.
ـ أما التقوّل والكذب على المرجعية العليا وتحريف كلامها فهو راجع الى أسباب منها :
1ـ تغطية لفشلهم الذريع في إدارة شؤون الدولة في كافة الأصعد السياسية والأمنية والإدارية.
2ـ إعتمادهم التسويف والمماطلة في كل شيء بدافع الحفاظ على المكتسبات السياسية والإمتيازات الحزبية والمناصب الحكومية.
3ـ عدم قدرتهم على الخروج من ربقة قيود الإملاءات الخارجية وتدخل الدول الخارجية وأجنداتها, وهذا يُفسر عدم قدرتهم على إثبات ولائهم الوطني للعراق ولو لمرة واحدة.
4ـ عدم قدرتهم على تجاوز الآليات البالية والمتحجرة, التي تتحكم تلك بالنظم الداخلية للأحزاب, والتي تعتمد على أساليب غير ديمقراطية في اتخاذ القرارات, وهي تعكس الوجه الآخر لـ(الكارزما) القائد أوالزعيم داخل كل حزب.
وهذا يُفسر التقاطعات الحادة بعضهم مع البعض الآخر من مختلف المكونات كشركاء داخل العملية السياسية التي يُفترض أنهم أحدى أهم ركائزها (الديمقراطية).
5ـ عدم استطاعتهم الإيمان أو الإذعان بأن النظام السياسي القائم, هو نظام ديمقراطي تعددي تحكمه آلية الإحتكام الى صندوق الإنتخابات في التداول السلمي للسلطة.
6ـ إعتماد مبدأ التوافق في اتخاذ القرارات المصيرية للبلد, وانتهاج مبدأ المحاصصة في إدارة مؤسسات الدولة, فكانت النتيجة هي تفاقم الأزمات واستفحالها بشتى الميادين. فصارت الدولة تُدار من خلف مكاتب الاحزاب السياسية وليس الوزارات, وحلت الكوادر الحزبية محل المواطنة, كما حلت الأحزاب والكتل السياسية محل المكونات المجتمعية للشعب العراقي.
7ـ الشعور بالنقص فالتقوّل والكذب وتحريف الكلام يُعطي انطباعا ً زائفا ً لـ(المغرر) بأنهم لا زالوا يتبعون المرجعية العليا ووصاياها وإرشاداتها, أنهم جدليون حقا ً وبالجدل سقطوا.
ــــــــــــــــــ
ـ(1) بيان المرجعية العليا رقم (11) في20/12/2019م:
https://www.sistani.org/arabic/archive/26370/
ـ(2) مختار الصحاح ج1 ص47
ـ(3) تاج العروس ج1 ص 6927
ـ(4) معجم المعاني الجامع
أقرأ ايضاً
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- ما دلالات الضربة الإسرائيلية لإيران؟