- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
رسائل بيان المرجعية العليا في 7 / 2
بقلم: نجاح بيعي
ربّ سائل يسأل عن ما هو الجديد في بيان جمعة 7/2/2020م.
والتساؤل طبيعي بحد ذاته ويطرأ بشكل عفوي في ذهن المتلقي والمراقب على حدّ سواء, خصوصا ًحينما يُطالع ذلك السرد المكرر لمواقف ومطالب سبق وأن أدلت بها المرجعية العليا حول أحداث مختلفة مرّت على كافة الأصعد في بيانات سابقة.
فالمرور على عبارات مثل: (إنه على الرغم من النداءات المتكررة التي أطلقتها المرجعية..) و(فإنها تؤكد على ما سبق أن أشارت إليه في مناسبة أخرى..) و(إنّ المرجعية الدينية قد حدّدت في خطبة سابقة رؤيتها لتجاوز الأزمة السياسية..) التي وردت في البيان ينتج: (لا جديد هناك) كجواب سريع ومتسرع ينثال من الذهن مرة واحدة حين القراءة.
مع أن الجديد دائما ً الذي يقابل ذلك التكرار هو امتناع أطراف من الأخذ بنصائح وإرشادات المرجعية العليا وعناد وتشنج أطراف أخرى باتخاذ مواقف تصعيدية منذرة بالخطر.
فـ(حكمة) التكرار كاشفة عن (إنذار) أخير لجميع الذين يُصرّون على عنادهم الغير مُبرر وعدم الأخد بالحلول الناجعة للأزمات المستعصية والقضايا العالقة, وكاشفة أيضا ً عن (إنذار) لجميع الذين يعملون بالضد منها و(يقومون) بأعمال تُهدد النظام العام وتمس بمصالح الموطنين جهارا ً نهارا ً, وتُهدد السلم (المجتمعي) ودفع البلد نحو حافة هاوية فوضى داخلية تُنذر بإقتتال داخلي ربما له أول ولكن ليس لها آخر.
فحينما يبتدأ البيان بعبارة (لا بد من الإشارة الى أمرين..) يعني ذلك أنه لا مُحالة من التلويح بـ(اليد) عاليا ً بهذين (الأمرين) لأهميتهما, كخارطة طريق للحل دون سواهما لما استجد من أحداث دموية في الأسبوع الذي سبق البيان.
بيان 7/2 يتضمن عدّة أنماط من رسائل تحوي مضامين عدة لأحداث وقضايا متعددة موجهة لأطراف عدّة. ولكننا وقبل استخلاص بعض تلك الرسائل ربما علينا فهم عدّة أمور (سبق وإن نوهنا إليها) منها:
1ـ أن مواقف المرجعية العليا في الأحداث الجارية في البلد ومنذ تغيير النظام عام 2003م هي مواقف (وحدة واحدة) لا تقبل (التجزئة) أو(الإنتقائية) أو(التأويل) أو(الفصل) إذا ما أردنا حل لقضية ما.
إلا في حالة المساس في المصلحة العليا للبلد فالأمر هنا مختلف تماما ً.
2ـ خطاب المرجعية العليا عبر وسائلها المختلفة وخصوصا ً(خطب الجمعة) عبر وسيلة (منبر) صلاة جمعة كربلاء تتصف بالتكامل (البنيوي ـ الحيوي) تجاه كل حدث وقضية, فكل (جزئية) منه, يُكمل جزئية في خطاب آخر حسب الظروف المستجدة إن لم يكن يُؤسس ويبني موقف جديد لقضية مستجدة وهكذا. لذلك بات (منبر) الجمعة يمثل (صوت ضمير المواطن العراقي) المطالب بحقوقه ووبوصلته في تحقيق (مصالح هذا البلد والشعب) العليا والمصيرية.
3ـ مواقف المرجعية العليا تنطلق وتتحرك ضمن الفضاء الوطني نتيجة رصيدها الجماهيري النابع من ثقة الشعب بها وإيمانه بحكمتها وسداد رأيها.
4ـ ليس للمرجعية العليا مواقف متعدد لـ(قضية) واحدة. وليس لها أيضا ًموقف مُعلن وآخر غير مُعلن (يتمّ الإيحاء به لبعض الناس) دون غيرهم. فموقفها (واحد واضح لا لَبْسَ فيه) تجاه جميع قضايا الأمة المصيرية.
5- أن عدم الأخذ بحلول ونصائح وإرشادات المرجعية العليا, توجب الخسران والندامة والتدارك وتوجب (العقاب) وفق القانون الطبيعي وقانون (العليّة) في حركة المجتمع في التاريخ ( آل الله إلا أن تجري الأمور بأسبابها) وهذا ما بينته الخطبة (الأولى) من جمعة ٧/ ٢ ذاتها حيث ورد: (نبيّنا(ص وآله) عندما يدعو (قومه) الى الهُدى وهم يصمّون أسماعهم ويُعرضون عنه، بل يستهزِئون به ..هؤلاء ..انساقوا مع رغباتهم الى أن حلّ بهم العذاب، ولذلك دعوةُ الأئمّة الأطهار(ع) والعلماء الأبرار دائماً تجدهم يتألّمون لعدم سماعها واتّباعها..). والسيد المرجع الأعلى من (العلماء الأبرار) وهو قطعا ً يتألم لعدم الأخذ بنصائحه.
ـ الرسالة الأولى: ما وقع في ساحات التظاهر بمحافظة النجف الأشرف وباقي المحافظات هو إعتداء وتجاوز (سفكت فيها دماء غالية بغير وجه حق).
والمرجعية العليا تُدين تلك التصرفات (المؤسفة والمؤلمة) من (أي جهة كانت).
وهذه رسالة لمن أنكر الوقائع وأنكر سفك الدماء.
ـ الرسالة الثانية: ليس لأي جهة أو عنوان أو طرف (سياسي أو اجتماعي أو عشائري أوحزبي أوغيره) أن تتقمص دور القوات الأمنية وتصادر مسؤوليتها في حفظ الأمن العام في البلد إذ (لا غنى عن القوى الأمنية الرسمية في تفادي الوقوع في مهاوي الفوضى والإخلال بالنظام العام).
وهي وحدها التي (تتحمل مسؤولية حفظ الأمن والإستقرار وحماية ساحات الإحتجاج والمتظاهرين السلميين، وكشف المعتدين والمندسين، والمحافظة على مصالح المواطنين من إعتداءات المخربين ).
وهي رسالة لجهات وعناوين وأطراف (داخلية) سياسية حاولت أن تكون البديل عن القوات الأمنية في ذلك.
ورسالة أيضا ً لأطراف داخلية وخارجية راهنت على إنهاء التظاهرات وفض الإعتصامات بالقوة واتهام المتظاهرين بالعمالة للخارج.
ورسالة بأن التظاهرات باقية كونها وجه الحراك الجماهيري المطالب بالإصلاح.
ـ الرسالة الثالثة: عدم قيام القوات الأمنية بواجباتها في حفظ النظام العام هو (تنصل) غير مُبرر ويعاقب عليه القانون (ولا مبرر لتنصلها عن القيام بواجباتها في هذا الإطار).
لذا عليها أن (تتصرف بمهنية تامة وتبتعد عن استخدام العنف في التعامل مع الإحتجاجات السلمية وتمنع التجاوز على المشاركين فيها.. و تمنع الإضرار بالممتلكات العامة او الخاصة بأي ذريعة او عنوان).
وهي رسالة للجهات الأمنية وبالخصوص القادة الأمنيين بالذات بأن يعوا حجم المسؤولية القانونية والوطنية والتاريخية والأخلاقية الملقاة على عاتقهم .
ـ الرسالة الرابعة: منع القوات الأمنية من أداء واجباتها في حفظ النظام العام من قبل الجهات الحكومية الرسمية هو أمر لا مسوغ له قانوني ولا دستوري ولا اخلاقي (كما لا مسوغ لمنعها من ذلك أو التصدي لما هو من صميم مهامها).
وهي رسالة تحذير للحكومة ومما يجعلها في قفص الإتهام كونها تصبح شريك في إحداث الفوضى والتحريض على (فلتان) الأمن والتعدي على الممتلكات العامة والخاصة والإخلال بالنظام العام.
ـ الرسالة الخامسة: الحكومة الجديدة المزمع تشكيلها (لتجاوز الأزمة السياسية الراهنة) يجب عليها القيام بالمهام التالية:
(1ـ أن تكون جديرة بثقة الشعب
2ـ وقادرة على تهدئة الأوضاع
3ـ واستعادة هيبة الدولة
4ـ والقيام بالخطوات الضرورية لإجراء انتخابات مبكرة في أجواء مطمئنة بعيدة عن التأثيرات الجانبية للمال أو السلاح غير القانوني او للتدخلات الخارجية).
وهذه رسالة لجميع القوى السياسية المُمسكة بالسلطة بأن تعي حجم المشكلة أولا ً, وأن تدرك بأن لا بديل عن سلوك تلك الخطوات في سبيل حل الأزمة الراهنة ثانيا ً.
ورسالة أيضا ً لمن شكك في إجراء الإنتخابات المُبكرة وجعلها مستحيلة وأبدى مخاوفه من أنها ستدخل البلاد في فراغ تام.
ـ الرسالة السادسة: أن المرجعية العليا (وللمرة الألف) تؤكد بأنها (غير معنية بالتدخل أو إبداء الرأي في أي من تفاصيل الخطوات التي تتخذ في هذا المسار) في تشكيل الحكومة, أو إختيار مجلس رئيس وزراء جديد كون الأمر من صلاحيات السلطة التشريعية.
وهي ورسالة لكل من يُريد استحداث منافذ أخرى في اختيار شخص رئيس مجلس الوزراء مثل منفذ ساحات الإعتصام والتظاهر.
ورسالة لمن برّر اختيار رئيس مجلس الوزراء ( غير جدلي) من إحدى ساحات الإعتصام والتظاهر مُدعيا ً أنه مطلب المرجعية العليا, كون المرجعية العليا لم تطالب بذلك بل طالبت تشكيل حكومة (غير جدلية) كما ورد في بيان رقم (11) في20/12/2019م (لا بُدّ من أن تكون حكومةً غير جدليّة تستجيب لاستحقاقات المرحلة الراهنة) ولا علاقة لها بإسم أو عنوان أو صفة شخص رئيس مجلس الوزراء القادم كما تقدم.
أقرأ ايضاً
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- ماذا بعد لبنان / 2