- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
تظاهراتنا مستمرة .. إرادة الشعب ومنهجية المرجعية الدينية
بقلم: عادل الموسوي
إنتهت ليلتنا الطويلة.. وعقمت الأفكار وتوقفت عند الزوال من جمعتنا خواطر الظنون.
أسرع أيها الخاطب في الناس وأوجز فنحن بإنتظار خطبتك الثانية.
القلب يخفق فرقاً خشية إن لا تتضمنها عبارتك العزيزة: "أيها الإخوة والأخوات، نقرأ عليكم نص ما ورد من مكتب سماحة السيد -دام ظله- في النجف الأشرف".
إربط على "فؤاد أم موسى" بمستهل بيانك الرائع: "أن المرجعية الدينية العليا.. ".
بعد إحياء ليلة من توارد التوقعات وقضاء يوم من تواتر التحليلات.. وبعد أن هدأت عاصفة النشر ومتابعة التداعيات والأبعاد، تبدأ عمليات الغوص في ما ورائيات النصوص والبحث ما بين السطور، تستظهر منها مواقف إختلفت الألباب في درجات إدراكها لعلو المضامين.
نصوص محكمة ومتشابهة توسعةً لمساحة بسط البيان، وإرخاء لقبضة الإحكام، وحفظاً لمحور الإيمان وحوزة المؤمنين ممن يبتغون الفتنة والتأويل.
وفي ما ورد في بيان الجمعة ظاهر وباطن، ملاحظات عامة وإشارات ودلالات إستنضبتها التحليلات في مختبرات البحث والدراسة.
ولا يجعل ذلك بئساً في الإشارة الى ما قد يتكرر ليكون تذكرة وفيما لم يرد منها إتماماً للفائدة.
الملاحظات العامة:
1- خلاصة الخلاف في دلالة: (وعلى مجلس النواب الذي إنبثقت منه الحكومة أن يعيد النظر بإختياراته..) على سحب الثقة عن الحكومة أم لا، أوجزها رئيس مجلس الوزراء ببيان السمع والطاعة.
2- هل في دلالة: إن مجلس النواب (مدعوّ الى الإسراع في إقرار حزمة التشريعات الإنتخابية بما يكون مرضياً للشعب تمهيداً لإجراء إنتخابات حرة ونزيهة..) إشارة الى الدعوة الى انتخابات مبكرة؟!
الجواب: الظاهر نعم.
3- إشارة الى ضرورة العمل على تمييز الصفوف وإن (على المتظاهرين السلميين أن يميّزوا صفوفهم عن غير السلميين ويتعاونوا في طرد المخربين ـ أياً كانوا..) وتحذير من إن المخربين وناشري الفوضى والأقتتال هم أدوات للمخططين من أعداء البلد والدين الذين يريدون إرجاع البلد الى (عصر الدكتاتورية المقيتة).
4- (أن الشعب هو المصدر الأعلى للسلطة وهو من يختار بلا وصاية لأحد عليه).
وهو محور ما أردت أدراجه من إشارات.
منهجية المرجعية الدينية العليا في إحترام إرادة الشعب العراقي:
لا يمكن أن ندعي الإحاطة بمنهجية المرجعية الدينية من نص بشأن معين قد يكون الموقف فيه قد أتخذ لمقتض معين.
لكن إن رجعنا الى ما إعتبرناه محوراً وهو: (إن المرجعية الدينية ستبقى سنداً للشعب العراقي الكريم، وليس لها إلا النصح والإرشاد الى ما ترى إنه في مصلحة الشعب، ويبقى للشعب أن يختار ما يرتئي أنه الأصلح لحاضره ومستقبله بلا وصاية لأحد عليه)، مع ما سيأتي من "تأملات" في بعض من مواقف المرجعية الدينية -هل نخلص الى أن النصح والإرشاد هو المنهج العام للمرجعية الدينية العليا وإن إحترامها لإرادة الشعب العراقي لا يلزمه بشيء، فيبقى له القرار ليعبر عن إرادته ولا يفرض رأيه عليهم احد، ولا وصاية عليه من احد؟
وهل نتجرأ بالقول إنه يشمل المرجعية الدينية نفسها؟!
وما ضابط ذلك وما حده؟
وماذا لو أراد الشعب وقرر ما ليس فيه المصلحة والخير والسداد؟
وهل مثله كمثل بني إسرائيل؟
(.. قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ۚ..)
وهل سيجيبهم الى ماذهبوا إليه وإن لم يكن فيه صلاحهم؟
(اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ ۗ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ)
وهل مثله كمثل أصحاب التحكيم في صفين؟
هل هو نوع من تربية عالية للمجتمع؟ بأن يوضع له الأساس من بناء الدولة،
ثم يفوض له القرار في إختيار ممثليه، ويترك -مع النصح والإرشاد- ليخوض تجربة يميز فيها الخبيث من الطيب فتنكشف له أقنعة الزيف من جهة، وتصقل المعادن الأصيلة والأحجار الكريمة من جهة أخرى، لتتصدى أصوت العقل ونفوس أبية أنفت أن تزاحم المتكالبين على مغانم السلطة.
وهل هي عقوبة قاسية لحمله على الشعور بالمسؤلية والمبالاة بالقضايا المهمة؟
ليترك أسئلة الأمية السياسية: هل نتخب؟ من ننتخب؟ سأنتخب مضطراً أفضل السيئين.
ترك ليكتشف أن لديه: القدرات والكفاءات والإرادة الصلبة والشجاعة والغيرة والنخوة والوطنية والرأي الحصيف، وأنه لوحده يخوض معركته المصيرية في الإصلاح والقيادة بعد التغيير المنشود.
قد يتجلى ويعضد ما ذهبنا اليه من أن منهجية المرجعية الدينية في إستناد مواقفها في التعامل مع الظروف العامة والواقع الذي يشهده البلد الى إحترام إرادة الشعب العراقي وجعلها المصدر الأعلى للسلطات في البلد من بعض المواقف العامة الآتية:
الموقف من نظام الحكم:
(لقد سعت المرجعية الدينية منذ سقوط النظام الإستبدادي السابق في أن يحلّ مكانه نظامٌ يعتمد التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة عبر الرجوع الى صناديق الإقتراع، في إنتخابات دورية حرّة ونزيهة..).
وحذرت من (أن التخلي عن الحق الإنتخابي يمنح فرصة إضافية للآخرين في فوز منتخبيهم في المقاعد البرلمانية وقد يكونون بعيدين عن تطلعاته لأهله ووطنه).
وكان إصرار المرجعية على المشاركة في الإنتخابات (إيماناً منها بأنه لا بديل عن سلوك هذا المسار في حكم البلد إن أريد له مستقبل ينعم فيه الشعب بالحرية والكرامة ويحظى بالتقدم والازدهار، ويحافظ فيه على قيمه الأصيلة ومصالحه العليا)
اذن كيف نوفق بين ضرورة الإنتخاب وحسن الإختيار وندرة الإنطباق للمواصفات والرخصة في عدم المشاركة وضرورة تفادي العواقب الوخيمة الناتجة عنها ؟
الجواب: بتصور الفارق بين قيام الثورة على الفساد وتصحيح مسار الحكم في ظل التجربة الديمقراطية وبين قيامها تحت ظل الحكم الفردي والنظام الإستبدادي، وإن المرجعية الدينية لم تكن لتدع الشعب في حيرة الضلالة، بل كانت تريد منه عبور المرحلة والحفاظ على مكتسبات التجربة الديمقراطية بأقل الخسائر مع جميع السلبيات تمهيداً للمرحلة التالية بقيام الثورة على الفاسدين وتصحيح مسار الحكم، ذلك لتفادي الوقوع في مهالك الحكم الفردي والنظام الإستبدادي تحت اي ذريعة او عنوان.
وتؤكد اليوم أن خطر الرجوع والوقوع في مهالك الحكم الفردي والنظام "الدكتاتوري" لا زال قائما.
فـ(إن الأعداء وأدواتهم يخططون لتحقيق أهدافهم الخبيثة من نشر الفوضى والخراب والإنجرار الى الإقتتال الداخلي ومن ثَمّ إعادة البلد الى عصر الدكتاتورية المقيتة، فلا بد من أن يتعاون الجميع لتفويت الفرصة عليهم في ذلك)
لذلك لابد من الإلتزام بما رأته المرجعية الدينية من أن لابديل عن صناديق الإقتراع مساراً لنظام الحكم في البلد ولهذا (الغرض طالبت المرجعية الدينية بأن يكون القانون الإنتخابي عادلاً يرعى حرمة أصوات الناخبين ولا يسمح بالإلتفاف عليها وأن تكون المفوضية العليا للإنتخابات مستقلة كما قرره الدستور ولاتخضع للمحاصصة الحزبية، وحذرت من أن عدم توفير هذين الشرطين سيؤدي الى يأس معظم المواطنين من العملية الإنتخابية وعزوفهم عن المشاركة فيها) وهو مطلوب من يريدون العودة بالبلد الى عصر "الدكتاتورية" المقيتة.
ولذلك أيضاً لابد من إستمرار الإحتجاجات والتأكيد على سلميتها و(على المتظاهرين السلميين أن يميّزوا صفوفهم عن غير السلميين ويتعاونوا في طرد المخربين ـ أياً كانوا ـ ولا يسمحوا لهم بإستغلال التظاهرات السلمية).
ولابد كذلك من رفع المطالب المحددة بهذا الشأن ومن أهمها المطالبة بـ(إقرار قانون منصف للإنتخابات يعيد ثقة المواطنين بالعملية الإنتخابية ولا يتحيز للأحزاب والتيارات السياسية، ويمنح فرصة حقيقية لتغيير القوى التي حكمت البلد خلال السنوات الماضية، إذا أراد الشعب تغييرها وإستبدالها بوجوه جديدة).
وتأمل ثانية: (اذا أراد الشعب تغييرها وإستبدالها بوجوه جديدة).
تجد: إن إحترام إرادة الشعب بإختيار ممثليه او رفضهم محفوظة رغم قساوة التجربة.
الموقف من القوى السياسية:
لا دلالة أقوى من إستمرار النصح للقوى السياسية وتكراره بضرورة الإصلاح، مع تجاهل وتحايل تلك القوى -من تعبير المرجعية الدينية: (لقد بحت أصواتنا) و (لم نجد آذانا صاغية) والتحذير بقولها: (وعندئذ سيكون للمشهد وجه آخر..) و (ولات حين مندم) و (إن الإصلاح ضرورة حتمية) و (لابد من سلوك طريق آخر) و (ولن تكون الحال كما كانت عليه قبل الإحتجاجات) وغيرها مما ورد في مطاوي بياناتها المستمرة.
لذا كان لابد وبعد كل تلك النصائح والإرشادات من إنذار ب(أن أمام القوى السياسية الممسكة بزمام السلطة فرصة فريدة...)، ولما زهد من "حليت الدنيا بأعينهم" تلك الفرصة، وظنوا ما وهموا وعجزوا عن إتخاذ مايلزم و(بالنظر الى الظروف العصيبة التي يمر بها البلد، وما بدا من عجز واضح في تعامل الجهات المعنية مع مستجدات الشهرين الأخيرين بما يحفظ الحقوق ويحقن الدماء فإن مجلس النواب الذي إنبثقت منه الحكومة الراهنة مدعوّ الى أن يعيد النظر في خياراته بهذا الشأن ويتصرف بما تمليه مصلحة العراق والمحافظة على دماء أبنائه، وتفادي إنزلاقه الى دوامة العنف والفوضى والخراب..)
دعوة حكيمة بعبارة رصينة تتجاوز بإجمالها إرجاف المرجفين وتنبؤات "المنجمين".
ومثلها في ذلك: أن مجلس النواب (مدعوّ الى الإسراع في إقرار حزمة التشريعات الإنتخابية) مطلقاً ؟!
كلا، بل (بما يكون مرضياً للشعب) لأن القانون الذي لا يمنح فرصة حقيقية لتغيير القوى التي حكمت البلد..)، (لن يكون مقبولاً، ولا جدوى منه) كل ذلك (تمهيداً لإجراء إنتخابات حرة ونزيهة تعبر نتائجها بصدق عن إرادة الشعب العراقي..) وهذا المسار (هو المدخل المناسب لتجاوز الأزمة الراهنة بطريقة سلمية وحضارية تحت سقف الدستور)، و(إن التسويف والمماطلة في سلوك هذا المسار.. سيكلف البلاد ثمناً باهضاً وسيندم عليه الجميع)
فإذا تأملت: (لإجراء إنتخابات حرة ونزيهة تعبر نتائجها بصدق عن إرادة الشعب العراقي..).
تجد: أن التجربة السابقة لم تعبر بصدق عن إرادة الشعب بإختيار ممثليه لعدم عدالة القانون الإنتخابي وعدم نزاهة المفوضية وإسقلالها، ولابد من تصحيح المسار بالمطالبة بما يضمن ما يحقق إرادة الشعب ولازمه إحترام تلك الإرادة ولازمه أيضاً أنها المصدر الأعلى للسلطات في البلد.
الموقف من الإحتجاجات:
أكدت المرجعية الدينية العليا وفي جميع بياناتها المبلغة بخطب الجمعة والمستمرة منذ الإحتجاجات الأخيرة بل وغيرها من الخطب التي تعرضت للموقف من الإحتجاجات في السنوات الماضية أنها تؤيد وتدعم وتساند الإحتجاجات السلمية، وكررت تأكيدها اليوم (على حرمة الإعتداء على المتظاهرين السلميين ومنعهم من ممارسة حقهم في المطالبة بالإصلاح..)
وتدين جميع أعمال العنف والإعتداء وتؤكد (على رعاية حرمة الأموال العامة والخاصة، وضرورة أن لا تترك عرضة لإعتداءات المندسين وأضرابهم..)
ودعت الى إتخاذ إجراءات عملية تجاه ما يقومون به من تخريب فأشارت الى إن (على المتظاهرين السلميين أن يميّزوا صفوفهم عن غير السلميين ويتعاونوا في طرد المخربين ـ أياً كانوا ـ ولا يسمحوا لهم بإستغلال التظاهرات السلمية للإضرار بممتلكات المواطنين والإعتداء على أصحابها)، ذلك تأكيدا على ضرورة سلمية الإحتجاجات وضمانها لتحقيق المطالب المشروعة ومن أهمها ما يتعلق بالمصالح العليا للبلد والذي يقررها الشعب و(أن ما يلزم من الإصلاح ويتعين إجراؤه بهذا الصدد موكول أيضاً الى إختيار الشعب العراقي بكل أطيافه وألوانه من أقصى البلد الى أقصاه، وليس لأي شخص أو مجموعة أو جهة بتوجه معين أو أي طرف إقليمي أو دولي أن يصادر إرادة العراقيين في ذلك ويفرض رأيه عليهم)، كما (إن معركة الإصلاح التي يخوضها الشعب العراقي الكريم إنما هي معركة وطنية تخصه وحده، والعراقيون هم من يتحملون أعباءها الثقيلة، ولا يجوز السماح بأن يتدخل فيها أي طرف خارجي بأي إتجاه..)
تأمل: (..ليس لأي شخص... أن يصادر إرادة العراقيين في ذلك ويفرض رأيه عليهم)
وتأمل أيضاً: (إن معركة الإصلاح التي يخوضها الشعب العراقي الكريم إنما هي معركة وطنية تخصه وحده، والعراقيون هم من يتحملون أعباءها الثقيلة).
فإذا تأملت بعين الإنصاف هذه العبارات الرائعة الراقية، في إحترام إرادة الشعب وجعلها مصدراً للسلطات من أعلى سلطة ومرتبة دينية حاضرة -فهل تجد مماثلاً لهذا الإحترام لإراد الشعب العراقي في منهجية القوى الدولية والإقليمية والقوى السياسية الممسكة بزمام السلطة؟!
هل يقدر العراقيون جميعاً هذا الإحترام؟
هل يعملون بمقتضى النصح والإرشاد ويثقون بالدعم والإسناد؟
وإذا تأملت ثانية بما لابد من الإشارة اليه من أن شرعية تلك السلطة مشروطة بإختيارات الشعب العراقي بمجموعه (.. بكل أطيافه وألوانه من أقصى البلد الى أقصاه..)
تجد:
منهجية فريدة من سلطة دينية ومرجعية عليا تفوض الشعب الإختيار، ولا تدخر وسعاً في النصح والإرشاد والدعم والأسناد، وترسم ملامح دولة ديمقراطية موحدة ذات "مستقبل ينعم فيه الشعب بالحرية والكرامة ويحظى بالتقدم والازدهار، ويحافظ فيه على قيمه الأصيلة ومصالحه العليا"، إيماناً من المرجعية الدينية بأنه لا بديل عن سلوك هذا المسار بإحترام إرادة الشعب في حكم البلد.
وهو المنطلق في إستمرار تظاهراتنا لتحقيق المطالب المشروعة لتصحيح مسار الحكم.
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً