ـ بقلم: نجاح بيعي.
للذين يَشكلون على المرجعية الدينية العليا من خلال توجيه الطعن لخطيب وخطبة جمعة كربلاء المُقدسة كما فعل الشاذ (سليم الحسني) ونال من الجميع بقوله: (سمعنا الخطبة، كانت بائسة مثل كل مرة ـ باستثناء بعضها النادر ـ كانت بعيدة عن الحدث الساخن الذي يشغل المنطقة، وفي هذا البعد إشارة لأميركا لتفعل ما تريد بالعراق. هكذا هي الإشارات في العالم) نقول:
ـ إن كان يهمكم (الحدث الساخن الذي يشغل المنطقة) والمتمثل بالتهديد الأميركي لإيران, والذي أعرض خطيب منبر جمعة كربلاء عن التنويه إليه في 10/5/2019م, واتهمتم بلا ورع أو حياء أو خجل (المرجعية الدينية العليا) بإرسال إشارة لأميركا (عبر المنبر) لـ(تفعل ماتريد بالعراق) نقول أن كنتم تفهمون الإشارات و(هكذا هي الإشارات في العالم):
1ـ خسأ كل من يتهم المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف بالتواطئ أو بإرسال أدنى إشارة لفرعون العصر (أميركا) لأن تفعل بالعراق ما تريد. ولا يوجد مثل هذا النمط من التفكير إلا في العقول المريضة التي لا تستقر على حال مذ ان تبلسها الشيطان وبدأ ينفث سمومه بها.
2ـ المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف المتمثلة بالسيد "السيستاني" أحرص من غيرها ومن جميع مَن في الأرض على (الأمة) وعلى العراق وعلى شعب العراق بجميع مكوناته, وعلى مقدسات العراق بجميع مشاربها.
3ـ المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف ومنذ أن امتنعت عن تناول الشأن السياسي في 5 شباط 2016م لم تنفك تتابع أحداث الساحة المحلية والإقليمية والدولية بدقة متناهية, ولم تنفك أيضا ً تُعطي رأيها بالشأن السياسي (العراقي) وبجميع الأحداث سواء من على منبر الجمعة بالإشارة (إن كنتم تفهمون الإشارة)أو بنص مكتوب من سماحته, كما جاء في جمعة 4/5/2018م حيث تلا خطيب المنبرالشيخ (عبد المهدي الكربلائي) موقف سماحة المرجع الأعلى من الإنتخابات البرلمانيّة العراقيّة, وكان بيانا ً مكتوبا ً وقرء نصا ً. أو في خطبة النصر في 15/12/2017م وغيرها. أوبطرق أخرى كالبيانات الصادرة من مكتبه, أو أجوبة الإستفتاءات أواللقاءات المتنوعة أثناء زيارة مختلف المسؤولين في العالم لمكتبه في النجف.
4ـ لذا فإن (ما ينسب إلى المرجعية و يقرأ على الناس ـ من على منبر جمعة كربلاء ـ بورقة صادرة من مكتب المرجعية لخطيب الجمعة فهو من المرجعية لفظا ومعنى. وأما غير ذلك فإن المرجعية قد اطلعت عليه إجمالا ً وتركت البيان والتعبير اللفظي لخطيب الجمعة) كما أوضحه في حديث له السيد (محمد حسين العميدي) مسؤول معتمدي المرجع الديني الأعلى الإمام "علي الحسيني السيستاني" دام ظله. والمحصلة أن كل ما يقرأه ويلفظه خطيب جمعة كربلاء هو منسوب الى المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف.
5ـ منذ انطلاق صلاة جمعة كربلاء كانت خطبها وخصوصا ً الثانية السياسية بـ(الإضافة الى طرحها للمواضيع الجديدة) فهي إمّا أن تكون مكملة أوشارحة لما قبلها, أو مُمهدة ومُؤسسة لما بعدها من مواضيع شتى تهم (الأمّة) والبلد ومصلحتهما العليا. لذا فلا سبيل الى الفصل بين بعضها البعض أحياناً , لوجود الطابع التكاملي الذي تتمتع بها أغلب خطب جمعة كربلاء.
6ـ للمرجعية العليا في النجف الأشرف أدوار مشرفة تصبّ في نصرة الشعوب المقهورة ولها مواقف قل نظيرها تجاه أحداث مفصلية ومصيرية مرّت بها الأمة, كدورها في وقف حرب تموز عام 2006م التي شنتها إسرائيل على لبنان, حيث قالت ببيان لها: (إنّ العالم مدعوّ للتحرّك بغية المنع من إستمرار هذا العدوان السافر، كما أن الأمّة مدعوّة للوقوف إلى جانب الشعب اللبناني المظلوم والتضامن معه، والسعي في تأمين الحاجات الإنسانية للمنكوبين من الجرحى والمشرّدين وغيرهم، وعلى وكلاء المرجعية الدينية في لبنان والمؤمنين عامة القيام بذلك بكل ما أوتوا من إمكانات).
ونذكّر أصحاب الذاكرة المثقوبة (دائما ً) بأن المرجعية العليا في النجف الأشرف قد سبقت الجميع في تضامنها مع الشعب الإيراني (وغيره من الشعوب) ضد التهديدات الأميركية ـ الصهيونية وكان ذلك خلال استقبال سماحته للممثلة الخاصة للأمين العام للأمم السيدة (جينين هينيس بلاسخارت) 5/2/2019م حيث أعرب عن رفضه لأن يكون العراق (محطة لتوجيه الأذى لأي بلد آخر).
7ـ فمن هذا المنطلق يجب علينا أن نفهم لماذا المرجعية الدينية العليا لم تتناول (الحدث الساخن) المتمثل بالتهديد الإميركي لإيران وتداعياته على المنطقة والعراق, وهو أمر لا يخرج من عدّة اعتبارات منها:
(أ)ـ كأن يكون (الحدث الساخن) أصلا ً لا يشكل أدنى خطورة ممكنة أن تلحق بالأمّة أدنى ضرر, وأن الأمر برمته لا يعدو أن يكون تقاطع مصالح سياسية وأمنية وإقتصادية بين الدول, ونشوب نزاعات بينها على السلطة والنفوذ في المنطقة لا غير. وبالتالي فلا يحتاج الأمر الى موقف أو تنويه أو حتى إشارة من المرجعية العليا. وبالأحرى أن قادة الدولة المتناحرة أعرف بمصير بلدانها ومصلحة شعوبها. وقد أشارت المرجعية العليا عام 2007م الى أحد أسباب الصراع الدولي ببيان لها كان حول الوحدة الإسلامية ونبذ الطائفية حيق قالت: (تمرّ الأمة الاسلامية بظروف عصيبة وتواجه أزمات كبرى وتحدّيات هائلة تمسّ حاضرها وتهدّد مستقبلها، ويدرك الجميع مدى الحاجة الى رصّ الصفوف و نبذ الفرقة.. ولكن الملاحظ ـ وللأسف ـ أن بعض الاشخاص و الجهات يعملون على العكس من ذلك تماماً.. وقد زادوا من جهودهم في الآونة الأخيرة بعد تصاعد الصراعات السياسية في المنطقة واشتداد النزاع على السلطة و النفوذ فيها..) فالبحث عن السلطة والنفوذ هو الطابع الغالب على العلاقت الدولية للأسف.
(ب)ـ أو أن المرجعية العليا قد سبقت الجميع وحذرت أطرافها من تداعيات تلك الأزمة (التي سميتموها الحدث الساخن) والمتمثل بالتهديد الأخير من قبل الولايات المتحدة لإيران. والحال هذه فما يكون للكرة إلا أن تصبح في ملعب مَن لم يأخذ بنصيحة المرجع الأعلى في النجف الأشرف من قبل جميع الأطراف. وهذا ما نلمسه من كلام المرجع الأعلى السيد "السيستاني" الموجه الى رئيس جمهورية إيران الشيخ "روحاني" خلال زيارته الأخيرة له في 13/3/2019م وقال له مُشددا ً على: (ضرورة أن تتسم السياسات الإقليمية والدولية في هذه المنطقة الحساسة ـ بالتوازن والإعتدال ـ لتجنب شعوبها مزيداً من المآسي والأضرار).
(ج)ـ أو أن الأمر خطير حقا ً ويحتاج فعلا ً الى موقف حازم مُحدد من المرجعية العليا, لخطورته وتداعياته على (الأمة) والمنطقة عموما ً وعلى العراق خصوصا ً, ولكن (وهنا بيت القصيد) تقدير إعلان هذا الموقف من قبل المرجعية العليا في النجف الأشرف راجع لها (حصرا ً وحكرا ً) دون غيرها لسبب بسيط هو لإدراكها للمصلحة العليا لـ(لأمة) جمعاء ولا يدركها غيرها.
وبعد هذا الطرح لا يكون البؤس إلا على من لا يفهم ذلك أو على الذي يفهم ذلك جيدا ً ولكنه يريدها على غير وجه حق ولا يقبلها إلا مَن في قلبه مرض.
أقرأ ايضاً
- انخفاض اسعار النفط وهدهد سليمان القادم من الصين
- لماذا أدعو إلى إصلاح التعليم العالي؟ ..اصلاح التعليم العالي الطريق السليم لاصلاح الدولة
- كيف يجب ان يتحدث المواطن مع المسؤول السياسي؟