بقلم الكاتبة: عبير المنظور
أكدّتْ جميع الأديان السماوية والقوانين الوضعية على مسألة بناء الانسان لأنه جوهر هذه الحياة، وبوعيه ونجاحه تتقدم المجتمعات وبخلافه تتقهقر وتتضعضع أركانها، كما وسَعَتْ ضمن تشريعاتها الى حفظ كرامة الانسان وإنتشاله من مستنقع الفقر والعوز وتضمن له حقوقه في العيش الكريم خاصة إذا كان هذا الانسان (طفل يتيم).
وفي شريعتنا الاسلامية مساحة كبيرة في القران الكريم والسنة النبوية للاهتمام بهذه الشريحة الكبيرة من المجتمع من خلال كفالة اليتيم، خاصة اذا كان هذا المجتمع –كالعراق مثلا- قد عانى ما عانى من آفة الحروب التي إلتهمت الرجال بنيرانها مخلّفة وراءها حرقة قلوب الأرامل التي لم تطفأها دموع اليتامى لا بل زادتْ من أوارها في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تواجه الارامل والايتام بعد فقد المعيل، فمع ما لكفالة اليتيم من عظيم الأجر الاخروي الا انها قد تسهم بشكل او بآخر في حل مشاكل كثيرة بسبب التقصير الحكومي لتحفظ كرامة اليتيم وتسد احتياجاته وتمنعه من ذل الفقر والاستعطاء، وإن كانت كفالة اليتيم المعنوية لا تقل اهمية عن الكفالة المادية خاصة اذا كان اليتيم يعاني من التهميش الحكومي وسلب الحقوق، فيعمل الجانبان المادي والمعنوي على إعطاء التوازن النفسي المطلوب للطفل اليتيم ليكون فرداً صالحاً في المجتمع.
ومن هذا المبدأ إنطلقت مبرّة الاخاء الخيرية لرعاية الايتام والمستضعفين لتحقيق هذا الهدف النبيل بعد تأسيسها عام 1980 خارج العراق بجهود فردية لبعض الشخصيات الخيّرة والمتمكّنة مادياً, وفي عام 2003 بعد سقوط النظام البائد عاد المؤسسون الى العراق وافتتحوا مؤسسة الاخاء الخيرية في كربلاء المقدسة كمؤسسة مستقلة لا تتبع اي جهة دينية او سياسية, وهي من ضمن منظمات المجتمع المدني في العراق التي أُجيز عملها من قبل مجلس الوزراء لرعاية الايتام والفقراء، وما لبث أن إمتد نشاطها الانساني الى المحافظات الاخرى عبر فروعها المتعددة في الانبار وصلاح الدين وفرع خارج العراق في اليمن، من خلال توزيع رواتب شهرية ثابتة لأكثر من 2600 طفل يتيم واكثر من 500 عائلة متعففة من خارج المؤسسة.
كما تتنوع المساعدات التي تقدمها المؤسسة من مبالغ نقدية واجهزة كهربائية وتجهيزات غذائية ومواد منزلية اخرى وتجهيز عرسان هذه العوائل بالاضافة الى التسهيلات المالية لطلاب الدراسات العليا اضافة الى افتتاح دار ايتام في سامراء وإيواء النازحين من المحافظات المنكوبة حتى عودتهم إلى محافظاتهم.
وفي خطوة فريدة من نوعها في عمل المؤسسات الخيرية في العراق انشأت المؤسسة بتبرع أحد المحسنين بقطعة ارض زراعية مساحتها 5000 متر مربع وبمساعدة متبرعين من داخل وخارج العراق في بناء محمع سكني للايتام على هذه الارض لإيواء الايتام وخاصة أيتام شهداء الحشد الشعبي, يحتوي المجمع على 50 شقة سكنية مؤثثة عشرة منها قيد الإنشاء.
كما يحتوي مجمع الاخاء السكني على العديد من المرافق المهمة للعوائل كسوبر ماركت، لوندري، مطبخ عام كبير اضاف الى المطابخ في الشقق، قاعة ألعاب لترفيه الايتام, مكتبة للقراءة, جامع للرجال وآخر للنساء، بالإضافة الى وحدة صحية ومختبرات تؤمن العلاج واحياناً العمليات مجاناً لعوائل المجمع بالتعاون مع بعض الأطباء والصيادلة الخيّرين عند تحويل الحالات المرضية اليهم.
وللطفولة حصة ايضا في هذا المجمع متمثّلة في روضة براعم الاخاء النموذجية والعمل فيها على تنمية مواهبهم من خلال فعاليات العروض المسرحية التي تقام داخل المجمع تخليداً لذكرى الحشد الشعبي خاصة وان اغلب هؤلاء الاطفال هم من عوائل شهداء الحشد المقدس.
وفي هذا المجمع ايضا مشغل لتعليم الخياطة ومشاغل اخرى للمنتجات الغذائية والصناعات الفولكلورية وعرضها في اسواق خيرية يعود ريعها لعوائل الايتام والمتعففين، اضافة الى اقامة ورشات تدريبية ودورات قرانية واحتفالات بالمناسبات الدينية داخل المجمع.
وتتنوع نشاطات المؤسسة وخدماتها لعوائل الايتام من تكريم نقدي للايتام الاوائل اضافة الى برامج الرحلات الترفيهية في العطل وزيارات المراقد المقدسة، وزيارة دار ايتام سامراء لتعارف ايتام كربلاء مع ايتام سامراء في مبادرة انسانية رائعة.
ولم يقتصر النشاط الانساني للمؤسسة في داخل منظومتها بل سَعَتْ الى مبادرات عديدة كان اهمها الدعم اللوجستي لفصائل الحشد الشعبي، وارسال المياه الى البصرة إبّان أزمة المياه فيها، وكذلك توزيع كسوة شتائية ومدفأة كهربائية لدار العجزة في كربلاء، وايصال المساعدات المالية والغذائية لضحايا الحرب في اليمن.
وفي ظل التقاعس الحكومي برزت خدمات مؤسسات المجتمع المدني والمبرات الخيرية ومنها مؤسسة الاخاء ودورها الفاعل في رعاية الايتام والمتعففين بتوفير فرص العمل للعوائل في مشغل الخياطة والاعمال اليدوية والمنتجات الغذائية من خلال الاسواق الخيرية لإعدادهم إعداداً ايجابياً تنموياً من خلال الاعتماد على النفس وتعميق الشعور بالمسؤولية وتعزيز قيمة العمل والانتاج واهميته لهم كافراد وكمجتمع فهم جزء لا يتجزء من هذا المجتمع, وهذا بحد ذاته جزئية مهمة جداً في بناء إنسان متوازن نفسياً في المجتمع يعي ويقدّر ماله من حقوق وما عليه من واجبات، كما ان تطوير مهارات العوائل بجميع فئاتهم العمرية من خلال الورشات التنموية والتعليمية والمهنية للكبار، وللاطفال ايضاً من خلال تطوير قدراتهم وهواياتهم ومكافأة تفوقهم الدراسي ومشاركتهم الاحتفالات والمناسبات الدينية ورحلات زيارة المراقد المقدسة مهمة جداً لتعميق الارتباط الديني وربط أواصر العائلات في المجمع مع بعضها, الى جانب الرحلات الترفيهية الاخرى الى ايتام المحافظات الاخرى لنبذ التخندق الطائفي المقيت، كل ذلك إيماناً من المتطوعين لهذا العمل الانساني الذي يقوم على رعاية الايتام والمعوزين بهدف صناعة الانسان بما هو انسان، فكانت هذه المؤسسة ومثيلاتها هي اليد الرحيمة التي انتشلتهم من واقعهم المزري وزرعتْ لهم املاً جديداً بحياة جديدة وطبيعية أسوة ببقية أفراد المجتمع من خلال مشاركة آلامهم وآمالهم وتحقيق طموحاتهم واحتوائهم بكل محبة ابوية ودفعهم بايجابية نحو مجتمع متماسك يقوم على اساس التراحم والتعاون.
أقرأ ايضاً
- كربلاء دولة الإنسانية والحسين عاصمتها
- قوانين أبى الإنسان حملها فحملتها الرفوف
- "السوشل ميديا" وصناعة التفاهة