- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
مفردة العشق تقتحم قدسية الأدب الحسيني الجزء الثاني
حسن كاظم الفتال
العشق في آراء بعض العلماء
قال الميرزا حسين النوري صاحب كتاب مستدرك وسائل الشيعة:
العشق: هو الافراط في الحب، وهو من الأمراض المعروفة من أنواع الماليخوليا الذي هو تشويش الظنون والفكر إلى الفساد والخوف، وعرفه الأطباء بأنه مرض وسواسي يجلبه الإنسان إلى نفسه بتسليط فكرته على استحسان بعض الصور والشمائل التي تكون له، ويعتري للعزاب والبطالين والرعاع، ويزيد بالنظر والسماع، وينقص بالسفر والجماع.
وقال: هذا طريق كلما ازداد صاحبه سيراً، زاد بعداً عن ساحة معرفة الحق، التي هي غاية سير السالكين، فإنَّ خلُوَ القلب عن حبه تعالى هو السبب الأعظم في استحسان الصور، فكيف يصير طريقاً له؟ ()
قال المجلسي في بحار الأنوار: العشق هو الإفراط في المحبة، وربما يتوهم أنه مخصوص بمحبة الأمور الباطلة، فلا يستعمل في حبه سبحانه وما يتعلق به، وإن كان الأحوط عدم إطلاق الأسماء المشتقة منه على الله تعالى بل الفعل المشتق منه
رأي الشيخ الأصفهاني في العشق:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقول الشيخ الأصفهاني إنه لما كانت أسماؤه وصفاته تعالى توقيفية ينتظر إطلاق أولي الأمر من الأسماء والصفات بما يليق بجنابه عز وجل ولا يجوز إطلاق اسم أو صفة مما لا يليق بشأنه سبحانه، فمثل الأسماء الحسنى في دعاء الجوشن الكبير وغيره يطلق عليه ويستعان بكل واحد منها ويستجار بها، أما مثل (العاشق) و (المعشوق) مما لم نجده في الآثار فلا يجوز إطلاقه عليه تبارك وتعالى، ولا يجوز التجاوز عن الأسماء الإلهية وحدود الأحكام المبينة. أيضا بناء على التوقيف.
الصوفية هم أول من روّج للعشق:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويبدو أن من استخدم وروج لاستخدام هذه المفرد ولأسباب وأغراض متعددة هم الصوفية ولا سبيل لذكرها الآن
إذن هي هذه عبارة صوفيّة يتعالى قُدْسُ الله سبحانه عن إطلاقها له ويكرم مقام محمد وأهل بيته صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين عن إستعمالها لهم أو منهم.
والصّوفية هم الذين قال فيهم الأئمة صلوات الله عليهم بأنهم أعداؤهم، كما رواه الملا الأردبيلي في حديقة الشيعة بسنده عن الرضا صلوات الله عليه قال: ((مَنْ ذُكِرَ عِنْدَهُ الصُوفِيّةُ وَلمَ ْيُنْكِرْهُمْ بِلِسانِهِ وَبِقَلْبِهِ فَلَيْسَ مِنّا، وَمَنْ أَنْكَرَهُمْ فَكَأنمَّا جاهَدَ بين يَديّ رَسَولَ اللّهِ صلى الله عليه وآله)).
و فيه بسنده قال: قال رجل للصادق صلوات الله عليه ((قد خرج في هذا الزمان قوم يقال لهم الصوفيّة، فما تقول فيهم ؟)) فقال صلوات الله عليه: ((إنَّهُمْ أَعْداؤُنا فَمَنْ مالَ إليْهِمْ فَهُوَ مِنْهُمْ وَيحُشَرُ مَعَهُمْ وَسَيكونُ أَقوامٌ يَدَّعونَ حُبّنا وَيميلونَ إليْهِم وَ يَتَشَبَّهونَ بِهِم وَيُلَقِّبونَ أنْفُسَهُمْ بِلَقَبِهمْ ويأوِّلُون أَقْوالهَمْ أَلا فَمَنْ مالَ إليْهِمْ فَلَيسَ مِنّا وإنّا مِنْهُ بُرَاءُ، وَمَنْ أَنْكَرَهُمْ وَرَدَّ عَلَيْهِمْ، كانَ كَمَنْ جاهَدِ الكُفّارَ مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه وآله)).
استفتاء وإفتاء
ـــــــــــــــــــــــــ
لقد استفتيت في استخدام مثل هذه المفرد في الشعر فأوصى العالم الذي استفتيته بعدم استخدامها. وهذا نص الإستفتاء:
استفتاء
السلام عليكم
إن كلمة عشق لها معانٍ ومدلولات كثيرة، ولكن ما أن يتلفظها المرء حتى يتبادر إلى ذهن السامع إنها خلاصة لفيض غريزة في الإنسان ولقد استخدمها أهل النزوات ومن أراد إما أن يمرر مآربه ويجعلها جسرا للعبور عليه بغية الوصول إلى أهدافه أو المراد منها خلق المفاهيم وشيوع ما هو خاطئ، وللفلاسفة والصوفيين أصحاب المفاهيم الخاطئة وأصحاب الآراء المنحرفة نصيب في الرواج لها.
ويعبر البعض وربما بسذاجة عن مفهوم الحب المجرد من النزوات أو الشهوات باستخدام مفردة (العشق) تصورا منه بأنه أسمى غاية للحب والطاعة والولاء والتبعية وما شابه ذلك. في حين إن الله سبحانه وتعالى حين يأمرنا بالطاعة والحب في أن نتبعه ونتبع رسوله صلى الله عليه وآله وأهل بيته الأطهار صلوات الله عليهم يختبرنا بأقوى ما نملك من طاقة للوصول إلى الطاعة والموالاة وهو الحب (إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)()
ثم أن المال الذي تصل درجة حب الناس إليه حد العبادة أحيانا والذي حتى تقدم في سياقه في القرآن الكريم على البنين رغم قرب درجتهم بل جزئيتهم من الإنسان فقال الله تعالى: (وتحبون المال حبا جما)()
وإن مفردة جم في اللغة تعني الكثرة في كل شيء، ورغم شدة وقوة حب المرء للمال والذي يفوق كل حب حتى حب البنين لم يعبر عنه القرآن الكريم بالعشق. وليس أبرز شاهد من قصة يوسف التي يسردها لنا القرآن الكريم ولم يتطرق لهذه المفردة (قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً) ولم نسمع يوما ما أن الرسول الكريم صلى الله عليه وآله ولا أحد من المعصومين صلوات الله عليهم وردت على لسانه هذه المفردة. (اللهم اجعل لساني بذكرك لهجا وقلبي بحبك متيما)(). والشواهد كثيرة والأدلة أكثر بل أقصى ما عبر به النبي صلى الله عليه وآله عن المودة والموالاة والحب الإلهي والإتصال الحقيقي هو كلمة (حب) إذ قال صلى الله عليه وآله: (عندما أراد أن يسلم الراية إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه: (غدا سأعطي رايتي كرارا غير فرار يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ولو كان هنالك تعبير أكثر دقة وأعظم بلاغة وأقوى دلالة وأسمى مرتبة في الموالات والإطاعة من كلمة الحب، ولو كانت كلمة عشق ترمز بالحب الإلهي لأطلقها النبي صلى الله عليه وآله.
وهل من محب لله أكثر من أمير المؤمنين صلوات الله عليه (والذين آمنوا أشد حبا لله)(). ويمكن أن يكون هذا دليلا آخرا وقاطع إلى ذلك إذ أن لفظ هذه المفردة يوحي للمتلقي صفة لعلها تتنافى والمفهوم العقائدي
هذا وسلام الله عليكم ورحمة الله وبركاته
حسن كاظم الفتال
السؤال: يستخدم بعض الشعراء والأدباء والكتاب ساعة يودون إعلان الولاء وبيان الحب إلى الإمام الحسين صلوات الله عليه أو الصديقة الطاهرة الزهراء صلوات عليها السلام أو أي من أئمة أهل البيت صلوات الله عليهم يستخدم كلمة (عشق) بدل مفردة الحب تصورا منه بأن ذلك أسمى في التعبير.
فهل يجوز عقائديا ومنطقيا وأخلاقيا استخدام ذلك في الشعر والمقال أو ما شابه ذلك.؟
هل وردت هذه الكلمة على لسان أحد من الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم ؟
الجواب:
ـــــــــــــــــــ
ينبغي الإجتناب عن استعمال مثل هذه الألفاظ في الشعر وغيره ولم تكن هذه طريقة أهل البيت صلوات الله عليهم في ادعيتهم مع الله تعالى ولا في محاوراتهم مع الناس