- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
قانون لحماية الطفولة العراقية
عباس الصباغ
تسونامي ردود الافعال الغاضبة التي رافقت مأساة الطفلة (رهف) التي قضت نحبها نتيجة تعنيف ذويها وقساوتهم المفرطة تجاه طفولتها البريئة ما ادى الى وفاتها نتيجةً للأساليب الوحشية التي اتبعها هؤلاء معها ودون سبب معقول او مبرر وحتى وان وجد هنالك سبب ما، ولكن لايجوز ان يكون خارج حدود التأديب والتعزير التي اقرتها الشرائع السماوية او الوضعية، وجرت فصول هذه المأساة المفجعة بعيدا عن انظار المجتمع او العشيرة او الدولة او القانون ومشرّعيه ، وكانت النتيجة ان تلقى الطفلة (رهف) ربها صابرة محتسبة شاكية الى الله ظلم ذوي القربى الذين اقترفوا جريمتهم بدم بارد وهي جريمة تعد خرقا قانونيا صارخا ومنافيا للاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الطفل التي صادق عليها العراق.
وكان يتحتم على امواج هذا التسونامي الغاضب ان تصل الى متون البرلمان، والشروع بسنّ قانون ملزم لحماية الطفولة العراقية البريئة، فقضية (رهف) التي نالت قسطا كبيرا من الاهتمام الاعلامي، لم تكن الاولى من نوعها او الاخيرة، فلربما توجد قضايا مشابهة لاتكون بعيدة عن ابشع انواع الاستغلال الجسدي او الجنسي وغيرها، فهذه القضية هي ليست قضية شخصية بل هي قضية مجتمع بأسره قد يتعرض احد افراده وخاصة الاطفال الذين لاحول لهم ولاقوة الى تعنيف قد يؤدي الى انشاء عاهات نفسية او جسدية مستديمة عندهم او الى وفاتهم كما حدث للطفلة رهف، وقد يحدث لغيرها ماحدث لها، اذا لم تتحرك السلطة التشريعية عاجلا الى وضع قانون يحمي براءة الطفولة من الإعاقة او الموت، و ذلك استنادا الى الدستور العراقي الدائم ومواثيق الامم المتحدة الخاصة بالطفولة وحمايتها، علما ان الدستور العراقي الدائم قد نصّ على كفالة الدولة لحماية الطفولة كما يلي: [المادة (29):- ب ـ تكفل الدولة حماية الأمومة والطفولة والشيخوخة، وترعى النشء والشباب، وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم. ثالثاً:ـ يحظر الاستغلال الاقتصادي للأطفال بصورهِ كافة، وتتخذ الدولة الإجراءات الكفيلة بحمايتهم] ، كما حرّمت مواثيق الامم المتحدة كافة اشكال العنف ضد الاطفال وفي كافة الظروف وتحت اي سبب كان.
فالتعنيف ضد الاطفال ليس غريبا عن جميع المجتمعات ، ولكن ان يصل الى درجة القتل وفي مجتمع مسالم كالمجتمع العراقي هذا الامر يستدعي تدخّل جيش كامل من خبراء علم الاجتماع وعلماء النفس ومحللي الشخصية وفقهاء القانون واصحاب الجهات التنفيذية كالشرطة وغيرهم لوضع خارطة طريق تساهم في تحصين براءة الطفولة العراقية من التعنيف الاسري وتحمي النشء الجديد من تفشي العاهات الجسدية والنفسية والتي تؤدي في المستقبل الى تأسيس مجتمع فيه اناس منحرفون او غير طبيعيين، كما تضع غطاء امنيا وقانونيا للمعنّفين اسريا فضلا عن وضعهم في محميات قانونية تحت رعاية الدولة والقانون لحين انجلاء اسباب تعنيفهم.
الكرة الان في ملعب البرلمان اذ عليه ان يستكمل مناقشاته لمشروع قانون مناهضة العنف الأسري، الذي أُعدّ في سنة 2015 وبقي دون تصويت لحد الان مع إدخال تعديلات جوهرية عليه، ثم التعجيل باقراره، كما على البرلمان ان يعدّل او يلغي المادة 41/1 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدّل التي نصت على انه: [لاجريمة اذا وقع الفعل استعمالا لحق مقرر بمقتضى القانون ويعتبر استعمالا للحق: 1- تأديب الزوج لزوجته وتأديب الآباء والمعلمين ومن في حكمهم الاولاد القصّر في حدود ما هو مقرر شرعاً او قانوناً او عرفاً].أي أن افعال الضرب والعنف التي يمارسها الزوج تجاه زوجته والاباء تجاه أبنائهم استناداً للمادة المذكورة انفا، تعد من قبيل استعمال "الحق" والذي يعدّ بدوره سببا من أسباب الإباحة، والتي بمقتضاها لا يمكن مساءلة الزوج أو الأبوين جزائياً ولا مدنيا عمّا يقع من اعتداء مادام قد استخدموا حقهم المنصوص عليه قانونا بموجب هذه المادة التي اشترطت ان يكون التأديب في حدود المقرر عرفا وشرعاً وقانوناً وهو ما شجع البعض على ارتكاب جرائمهم تجاه ذويهم وخاصة النساء والاطفال بكل سهولة.. الجميع يترقبون اصدار قانون ملزم لحماية الطفولة العراقية من ذات المصير الذي دفعت به الطفلة رهف حياتها.
أقرأ ايضاً
- من يوقف خروقات هذا الكيان للقانون الدولي؟
- الجواز القانوني للتدريس الخصوصي
- الأطر القانونية لعمل الأجنبي في القانون العراقي