- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
دور الاسرة في تعزيز الوعي بالقانون عند افرادها
بقلم: د. اسامة شهاب حمد الجعفري
ان وفاق الفرد مع المجتمع ليس فطرياً, وإنما يكتسبه اكتساباً, لان هذا الوفاق عبارة عن التزامات وقيود وواجبات فرضها القانون على الفرد وعليه ان يتحملها, وتعد الاسرة هي المؤَسِسِ لهذا الوفاق الاجتماعي, وتضطلع بدور خلاق له لدى افرادها, ولا يمكن لها تؤدي هذه المسؤولية بأحسن اداء اذا لم يكن هناك وعي بالقانون داخلها ولا يتحقق الوعي بالقانون اذا لم يكن هناك تعريف به. فكيف يمكن ان نخلق علاقة بين القانون وافراد الاسرة؟ كيف يمكن ان يوجد القانون كثقافة اسرية اصيلة وسلوك فاعل داخل الاسرة وخارجها؟
ليس المهم من رب الاسرة ان يعلِّم افراد اسرته كل النصوص القانونية التي تحكم مجالات الحياة فهذه من مهام رجل القانون المختص, وانما المهم منه ان يخلق وعي اسري بالقانون, وهذا الوعي لا يتحقق الا اذا قام رب الاسرة بتعريف افراد اسرته على القانون كفكرة اجتماعية تحكم الانسان منذ الولادة الى الموت لاستيعاب اهميته وضرورته واثاره, واذا ما خلق هذا الوعي الاسري فان الاقتناع بسلطة القانون وسيادته ستكون ظاهرة اجتماعية وسيتحقق هناك داعمين اجتماعيين فاعلين لهذه السيادة. والتعريف بالقانون داخل الاسرة يكون من خلال الاجابة عن الاسئلة الاتية:
اولاً: لماذا القانون ضروري في الحياة؟
ثانياً: لماذا يجب علينا طاعة القانون؟
ثالثاً: علاقة القانون بالدين والاخلاق؟
اولاً: لماذا القانون ضروري في الحياة؟
لما كان المجتمع يتكون من افراد, ولكل فرد مصلحة خاصة, ولما كانت هذه المصالح متباينة وغير متجانسة, واحياناً متضاربة ومتعارضة, ولما كان مدار الفطرة الانسانية اشباع مصالحها الخاصة, فإن تباين المصالح هذه وتعارضها وسعي الفرد الى تحقيقها بكافة السبل يُترجِم نفسه داخل المجتمع على صورة "صراع على المصالح", وربما تتحول الى اصطفافات واستقطابات تتذرع بالقوة للوصول الى اشباع تلك المصالح مما يهدد استقرار ونظام المجتمع ويتحول الى غابة القوي يأكل الضعيف فيه فتضيع الحقوق والحريات, فلابد من توليد تسويات واتفاقات وتفاهمات لكل هذه المصالح المشروعة واهدار المصالح غير المشروعة, وقواعد القانون هي التي تنجب تسويات مقبولة بين المتنازعين حيث مصالح الجميع المشروعة محفوظة ومكفولة. فيكون القانون ضروري لهندسة المصالح اجتماعياً داخل المجتمع الواحد من خلال خلق بيئة اجتماعية صالحة للتعايش السلمي بين كل هذه المصالح المتابنة والمتعارضة والمتصارعة, وتوجيهها نحو تحقيق الخير العام للجميع, وفرض العقاب على كل من يحاول فرض مصلحته خارج شرعية القانون ويعتبرها عدواناً على المجتمع باسره. فالقانون ضروري لحفظ البقاء الانساني وتطوره.
ثانياً: لماذا نطيع القانون؟
النظرة السائدة في المجتمع هو رفض الخضوع للقانون وهذه النظرة متوارثة بين الاجيال ومازالت قائمة, وكأن القانون كيان منفصل عن المجتمع ومفروض من الخارج, وطاعته عمل اضطراري خوفاً من العقاب الذي يترتب عن مخالفته, الا ان هذه الرؤية غير صحيحة فالفرد يلتزم بالقانون بإرادة واعية حرة لا باضطرار, لان طاعة القانون لا تعني طاعة الاشخاص, كما ان طاعة القانون لا تكون لذات القانون وانما احتراماً للحريات والحقوق التي ينظمها, بما في ذلك حرية وحقوق الفرد الذي يطيع القانون, فالفرد كما هو يحترم حقوق وحريات الاخرين بطاعته للقانون, فإن الاخرين يحترمون حقوق وحرية ذلك الفرد بطاعتهم للقانون, فتكون طاعة القوانين هي دفاعاً عن المجتمع لأنها تمثل قوانين وجود المجتمع وارادته العامة التي تتمظهر بصيغة قوانين, وان فرض طاعة القانون بنصوص جزائية هو لخلق اطمئنان اجتماعي لدى الجميع ان الجميع يطيع القانون بما في ذلك السلطات التي اصدرت القانون ونفذته. فيكون القانون هو حرية الافراد المنظمة, وطاعة القانون هو احترام الحريات المنظمة لا الفوضوية.
ثالثاً: علاقة القانون بالدين والاخلاق؟
القانون ليس كيان غريب عن المجتمع, وانما يصدر من رحم المجتمع بما يحمل ذلك من معطيات اخلاقية يؤمن بها ومن معتقدات دينية ملزمة للجماعة البشرية, فالقانون يمثل تدوين للمسلك الديني والاخلاقي التي تمثل حضارة الشعوب عبر الازمنة , مثل الاخلاص والامانة والوفاء بالعهود والعقود والمواثيق والالتزام بالصدق وحسن النية في القول والعمل واحترام الواجبات ازاء نحو اسرته ومجتمعه, واحترام التنوع الديني والطائفي في المجتمع باحترام المشاعر الدينية للاخرين وطقوسهم وعدم ازدراء الاديان والطوائف والرموز الدينية لها. والتزام العدالة في التصرفات القانونية, كما ان القانون يدعو الى ازدراء الجريمة وكراهية الافعال المنشة لها, وامكانية التعبير عن الرأي بما لا يخل بالنظام العام والآداب العامة, كل هذه السلوكيات التي ينظمها القانون وغيرها انما هي قواعد دينية وقيم اخلاقية مستقرة في روح الشعب وضميره الانساني. فكانت علاقة القانون بالدين والاخلاق علاقة اصيلة كونهما مصدران يرفدانه بالأحكام القانونية في حالة عدم وجود نص قانوني يعالج الواقعة المعروضة.
أقرأ ايضاً
- دور الذكاء الاصطناعي في إجراءات التحقيق الجزائي
- رمزية السنوار ودوره في المعركة
- فازت إسرائيل بقتل حسن نصر الله وأنتصرت الطائفية عند العرب