بقلم: حسين فرحان
من الصعب جدا أن نتغاضى عن فوضى الخدمات التي تجتاح محافظات العراق الوسطى والجنوبية والغربية والشرقية معللين ذلك بالوضع الأمني او بغيره من التبريرات التي أكل الدهر عليها وشرب، ومن الصعب أن تترك مظاهر الفساد والسرقة والكسل وخيانة الشرف الوظيفي دون انتقاد.
فمدننا وبكل بساطة لاتمت الى حياة الآدميين بصلة وليس فيها ما يسر ناظرا أو مطلعا مراقبا عن بعد، فهي مدن ماتزال تستهلك بنيتها التحتية المنشأة منذ أكثر من نصف قرن دون تغيير يذكر ما عدا بعض الاصلاحات الترقيعية التي استهلكت موازناتها وأضافت المزيد من الدولارات لأرصدة حيتان الفساد وهي بلا ملامح كما هو حال جميع المدن في سائر أرجاء المعمورة وتمتلك معالم واضحة يتغنى بها أهلها وتكون في مرصد كاميرات تصوير القاصدين لها وهم يتفننون ويبدعون في التقاط صورهم فيها , لكنها تحمل معالم من نوع آخر يبعث على الاشمئزاز والاكثار من ندب الحظوظ , ففي افقر بلدان الارض هنالك ما يسر الناظر وأن كان بسيطا , وهنا فقدنا سرورنا كما فقدنا الكثير من أشياء كانت وأقول (كانت) بقلب يملؤه الاسى معلنا رغبتي بلعن الفاسدين من الاولين والآخرين أيا كان شكلهم أو لونهم , فالقضية تستحق ذلك لأنها وباختصار قضية (شعب محاط بالنفايات , وقد سرق إبتسامته الأسى) ,وأتأمل في كل ماتقع عليه عيناي , وأقسم لكم أنني لا أرى الا مشهدا واحدا متكررا سئمت النظر في تفاصيله , مشهد واحد متكرر لحالات متعددة أرى في طرح بعضها ماينعش الذاكرة المتغافلة المتناسية المضطرة الى التغافل والتناسي لعدم الجدوى في التفكير بنهاية جميلة لهذه المأساة.
ففي مدننا تبلغ درجة الحرارة صيفا 50 درجة مئوية وشوارعنا مكتضة بالسيارات الواردة بجنون دون مراعاة لسعة هذه الشوارع , والتلوث البيئي ليس في حسابات أحد فالغازات المنبعثة من عوادم السيارات مضاف اليها ماتبعثه المولدات الاهلية وليست المصانع العملاقة جعلنا في مصاف الدول الملوثة.
مدننا تصحرت ولم تعد تحيطها تلك الأحزمة الخضراء , لقد استبدلناها بالحواجز الكونكريتية التي اصبحت مظهرا دائما من مظاهرها , لتحجب كل شيء وراءها عن أعين السائرين بمحاذاتها ليكتفوا بتكرار قراءة إعلانات المحلات أو شخبطات المراهقين والنظر في صور المرشحين للانتخابات وقد مزقتها الأيادي الممتعضة من كل شيء.
وفي مدننا أكبر شبكة عنكبوتية في العالم , وهي بكل تأكيد ليست شبكة الانترنت بل هي من نوع آخر لامثيل له انها شبكة أسلاك المولدات التي أصبحت عقدة من عقد حياتنا مع سوء منظرها ومشاكل انقطاعها وتفاصيل ربطها , أنها ماننفرد به وقد نخسر هذه الميزة الفريدة لو أن الكهرباء الوطنية اصبحت بخير.
وفي مدننا نرى الارصفة المحتلة فهي ورغم احتلالها من قبل المنتفعين بريعها لم تسلم من الخراب , رغم أن البلديات لم تقصر في أحاطتها بمحجرات الدرجة العاشرة التي (تصدأ) ثم يعاد صبغها من قبل لجان (السطل والفرشاة).
وفي مدننا اصبح البشر يشاطر المواشي مدنيتها , فالمواشي عندنا هي ساكنة الحواضر وهي تتفوق بذلك حتى على مواشي الريف البريطاني او السويسري المسكينة التي تولد وتموت دون أن ترى أنوار المدن والعواصم , فهنيئا لمواشينا بجميع صنوفها وهي تنعم بالمدنية على أوسع الارصفة المحتلة.
وفي مدننا نشاهد بل نعيش أجواء ظاهرة كونية لاتكاد ترى في أكثر بقاع الارض , أنها دورة الغبار في الطبيعة , فالغبار لايعرف سوانا.
وفي مدننا الشوارع عبارة عن مطبات بين منخفض ومرتفع تجعل سائق المركبة مستغرقا في سماع سمفونية صدر السيارة متفكرا بما سيتقاضاه حداد الصدر من مبلغ يكسر الظهر.
بعد هذه الجولة على الارض لنرفع بصرنا نحو السماء , فسماء مدننا عاجزة عن الاحتفاظ بزرقتها أو صفاء ليلها لوقت طويل دون أن تتلقى وابلا من رصاص العراضات والفواتح او دون أن تتلبد بدخان المولدات الاهلية والحرائق والمفخخات أو انفجارات مستودعات الذخائر اللصيقة بمنازل المساكين.
وفي مدننا تمنحك الحكومة فرصة أكبر لتوديع نفايات المنزل فهي تلقى على قارعة الطريق لثلاث ليال وفي ذلك فوائد جمة , فلو كنت قد رميت - دون قصد - بشيء ثمين او ندمت على رمي شيء آخر فيمكنك مراجعة التل خلال ثلاثة أيام هذا في حال عدم مرور الباحثين عن قوتهم فيها , وهذه فئة تستحق لوحدها أن نضعها تحت المجهر فهي في كل الاحوال تحمل عنوان (مواطن) يعيش في بلد فيه من الخير المنهوب الشيء الكثير.
أقرأ ايضاً
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- الانتخابات الأمريكية البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الاعظم
- ما دلالات الضربة الإسرائيلية لإيران؟