سالم مشكور
في حوار مع المفكّر محمد عبد الجبار الشبوط عن واقعنا السياسي ومحاولات بناء الدولة في ظل التخندقات المكوناتية، قال إنّ "عقلية المكونات لن تبني دولة مواطنة". كنت أريد التعقيب بان عقلية المكونات تتراجع في العراق وبالتالي هناك أمل كبير في بناء الدولة، لولا أن رئيس البرلمان السابق محمود المشهداني أحبط تفاؤلي عندما ظهر،في تلك اللحظة، في حوار تلفزيوني قائلا: "السياسيون السنّة يرون إننا غير معنيين بالتجاذبات داخل المجموعة الشيعية أو غيرها طالما أننا نحصل على حصتنا من المناصب وهي معلومة وثابتة". هذا الكلام فضلا عن تأكيده لرأي الشبوط، فإنه يهيل التراب على الآمال التي ظهرت مؤخراً من أن عقلية التحاصص المكوّناتي بدأت بالتراجع. لم يكن هذا هو الدليل الوحيد على عدم التراجع، فالسياسي الذي يجاهر بالقول إن "الدكتور أياد علّاوي ليس سنيّا وبالتالي فليس من حقه أن يصبح وزيراً للدفاع التي هي من حصة السنة" هو أيضاً يؤكد أن عقلية المكونات المتحاصصة ما زالت تحكم السلوك والتفكير رغم الشعارات التي أطلقت بالضد من ذلك.
هكذا هي دولة المكونات، كلٌ يريد تحصيل مكاسب لمكوّنه، ليتطور الامر الى صراع على زعامة المكون، وبين مكوّنات المكّون. وفي ظل عقلية المكونات ينمو التعصب لابن المكوّن والكراهية تجاه الاخر، ويغيب الوطن عن وعي الافراد وتتلاشى المواطنة لصالح الهوية المكوّناتية.
لم تات النزعة نحو المكونات في العراق مع الاحتلال الأميركي كما يزعم البعض، رغم أن أوساطاً أميركية قدمت مشاريع ترسّخ عقلية المكونات وتجعلها أساساً لتقسيم العراق، مثل مشروع بايدن، ومشروع بيتر كالبريث، بحجة أنه يشكل حلّا للنزاع في العراق بعد ٢٠٠٣. جذور عقلية المكونات تعود الى عهد النظام السابق وسياساته الاقصائية وحر السلطة على فئة واحدة رغم تطعيمها بشخوص تنتمي إسميّا الى المكونات الأخرى رغم انسلاخها منها استرضاء للرئيس. البعض يرجع المشكلة الى ما قبل تأسيس الدولة العراقية ويستشهد بشكوى الملك فيصل الأول من عجزه عن صهر المكونات العراقية في إطار وطني.
ما حدث بعد ٢٠٠٣ هو تمسك المستبعدين سابقا بمكوناتهم، ومحاولة تعويض ما عانوه، مقابل خوف المحظييّن سابقاً من الاقصاء كرد فعل على الوضع السابق. قد يكون الامر رد فعل طبيعي، لكن غير الطبيعي هو استمراره خمسة عشر عاماً دون معالجة، والأخطر من ذلك هو بناء الدولة على هذا الأساس وترسيخ هذا البناء وتمدّده الى المستويات الدنيا، الامر الذي يجعل البلاد مجرد اطار يحوي كانتونات طائفية وقومية، منغلقة على نفسها مختزنة للضغينة بينها.