بقلم: هشام الهاشمي
العراق قد يتسبب بإحدى أكبر المصالحات إقليمياً، إذا استخدم مؤسساته الدبلوماسية والمخابراتية للتوسط بفتح قنوات تواصل بين السعودية وإيران، او بين امريكا وإيران.
تجد إيران أن لديها ما تكسبه من صلة العراق بامريكا والسعودية وهي لا تراهن على التعثر في إعادة الهدوء السياسي وتخفيف العقوبات الأمريكية عليها.
وعلى الرغم من "الانتصار" الذي يمثله هزيمة داعش عسكريا والتوصل إلى توافق على اختيار عبد المهدي رئيسا لمجلس الوزراء، فإن الحكومة الجديدة لا تبدو حاضنة حقيقية للإصلاح الشامل والمصالحة المجتمعية، إذ إن عجلة المحاصصة الطائفية والقومية تسير بسرعة أكبر من سرعة الخطط والإجراءات الحكومية.
ومع المراهنة المنطقية على تطوير وتسليح وتدريب قوى الأمن والجيش وقوات الحشد تُطرح أيضاً تساؤلات حول الطبيعة المستقبلية للأمن. فالسلاح السائب بات ينتشر من الشمال إلى الجنوب، موازيا ومنافسا لقوى الدفاع الوطني للدولة التي لم تستطع بعد أن تثبت سيطرتها الحاسمة لفرض القانون على الجميع. لذلك فإن هذا الوضع المضطرب يفرض على الأقتصاد العراقي المتدهور انتظاراً وترقباً، وزاده قلقاً أن حكومة عبد المهدي تبحث عن منفذ لمعالجات الأقتصادية بمعزل عما إذا كان الوضع الأمني قد أستقر فعلاً أم لا.
إرباك أكبر تشعر به الحكومات المحلية حيال النهج الحكومي القلق في التعامل مع الوضع الاقتصادي والفساد المالي والإداري.
طبعاً يجب ألا ننسى هناك من يستخدام العلاقة المتوترة بين اربيل وبغداد، والاحتجاجات الشعبية كما في الجنوب والفرات الأوسط مثلاً، ففي مثل هذه الحالات تعطي اللجان الحكومية تحليلات ونصائح مضطربة كما تتخذ مواقف غير متماسكة دائماً، مما يعيد إلى الأذهان الفكرة المتداولة عن أن الحكومة الاتحادية لا تضع سياسات بل لديها ردة فعل لكل أزمة. أما كيفية إدارتها فهذه قصة أخرى. يكفي مثلاً أن طريقة تصرف قوات الأمن ازاء الاحتجاجات السلمية غالباً ما تخلق مشكلات لا داعي لها، بل إنها تسيء إلى سمعة الحكومة خاصة في ملفات الحريات وحقوق الإنسان، التي تقول الحكومة العراقية إنها خاضت النضال والمقاومة لتحقيقها، وعلى رأسها إقامة الديمقراطية وحرية التعبير والاحتجاج. لكن هذه الحكومة تستثني على الدوام الاحتجاج الشعبي والمدني المستقل وتتصادم معه، فالأساس عندها هو أمن الأحزاب المسيطرة على الحكم وليس أمن المواطن ولا أمن مؤسسات الدولة.
وهنا تبدو الحكومة الجديدة بالغة الارتباك، فأي اقتراض مالي لن يحقق للحكومة الاتحادية الأهداف الاقتصادية التي تسعى إليها، وأي ردع خشن لا يزال غير مضمون النتائج، أو على العكس ينذر بفتح صدامات متفرقة.
السؤال المطروح الآن في العراق يكاد يحمل جوابه مسبقاً. ففي كل مرة تكبر الاحتمالات بأن يكون الحل الأقتصادي ومكافحة الفساد هو الذي تهجس به بغداد، ولا تلبث الأغلبية أن تكون مع أي خيار سلمي متوافر. لذلك يتعزز الاقتناع بأن الحكومة العراقية لن تغير عاداتها وتقاليدها، لكنها قد تكون مضطرة هذه المرة لمناورة طويلة لتسهيل المهمة.
إذا نظرتم إلى شركات النفط في جنوب وشمال العراق، تلاحظون أنهما سيكونان مركزين جديدين للطلب على النفط بعد اشتداد تنفيذ العقوبات على إيران.
وبالنظر إلى الموقع الجغرافي للعراق، وما يحوزه من احتياطيات هائلة من النفط والغاز، فإن النفط العراقي قد يسد الفراغ الذي تتركه إيران، وسوف يكون لذلك انعكاسات اقتصادية وسياسية واسعة على العراق.
كل ذلك سيكون عظيما لو تجاهلنا مسألة تدهور الاقتصاد العراقي الريعي، وأن الطلب على النفط سيكون بالفعل منخفضاً في أوروبا والولايات المتحدة؛ لأنها اقتصاديات راشدة، وبطريقتهم، يسعون إلى ترشيد استهلاك النفط.
لا يأخذ معظم المراقبين بالاعتبار احتمال نشوب حرب بين الولايات المتحدة وحلفائها مع إيران وحلفائها. ومع ذلك، يمكن القول نعم؛ إن هذا ممكناً. وفي حالة حدوث حرب محدودة، فإن منطقة الخليج سوف تُغلق بالكامل والعراق سيكون جزءا منها ومن الصعب تحييده، ولكن كيف سيكون اقتصاد العراق مع غلق الخليج العربي؟.
بالتالي إذا لم تقم حكومة عبد المهدي بتشجيع وتيسير الاستثمار، فإننا سوف نصل إلى وضع يتسم بتضييق الفجوة بين العرض والطلب، ومن ثم ستضطرب أسعار النفط، ومعها يضطرب اقتصاد العراق وموازناته المالية وتخطيطه، وعند ذلك ترتفع نسب الفقر والبطالة والجريمة اكثر مما هي عليها اليوم.
استمرار التنافر بين القوى السياسية العراقية، وذلك على خلاف توقع البعض من أنه بعد إتمام التوافق بين البناء والإصلاح على حكومة عبد المهدي، فإن مختلف المكونات والقوى السياسية العراقية ستسعى إلى الوفاق السياسي، وتبنِّي الحلول الدستورية والعقلانية للمشكلات التى يواجهها عراق مابعد داعش، ولكن ذلك كان تفاؤلاً مبالغاً فيه، حيث استمر منهج عملية تصفية الحسابات بين احزاب سياسية تعتبر الأهم في مكونات البيوتات السياسية العراقية" الشيعية والسنية والكردية والتركمانية وحتى داخل الأقليات "، واستمر الصراع الشرس بينها، والمؤسف حقاً أن هذا الصراع يقوم في أغلبه على جدلية المنتصر والمهزوم، على النحو الذي يتجاوز ويتنافى مع طبيعة التنافس السياسي، بهدف إقصاء الآخر بأي وسيلة وبأي ثمن. ومن هنا فقد تجد فلول داعش وخلاياها النائمة في البيئة المحررة حديثا ساحة ملائمة، لتنفيذ عملياتها الإرهابية ومحاولة تطبيق أفكارها المتطرفة من جديد.
وفي الوقت الذي يغلب فيه التنافر على طبيعة التحاصص الحكومي والتشريعي وتوزيع الأمتيازات والسلطات بين القوى السياسية المختلفة، هناك تعثر في جهود تمكين الأستقرار وتحفيز الاقتصاد او إنقاذ ما يمكن انقاذه، وقد يترتب على ذلك تزايد حدة الخلافات السياسية بين الأقطاب السياسيين العراقيين.
وهكذا اخذت تتضخم العوامل الداعمة لحالة عدم الاستقرار في العراق من جديد، ومما لاشك فيه أن سيادة مثل هذه الأجواء المتأزمة على الصعيد السياسي تورث تصدعا اجتماعياً، تعد ثغرة لحدوث مزيد من العمليات الإرهابية.
على أي الأحوال، فإنه وفي ظل هذه المعطيات الرتيبة وتراكم اسباب الفساد والفتن من جديد، يصعب تلمس ملامح جيدة لصورة المستقبل الاقتصادي والسياسي لحكومة عبد المهدي، وفي ظل تعثر جهود تمكين الاستقرار وإيقاف الفساد، سيظل التشاؤم سمة يتعايش معها العراق لفترة من الزمن، ما لم تتدارك مختلف القوى السياسية معضلة الاقتصاد.
أقرأ ايضاً
- اهمية ربط خطوط سكك الحديد العراقية مع دول المنطقة
- حماية الاموال العراقية قبل الانهيار
- نصيحتي الى الحكومة العراقية ومجلس النواب بشأن أنبوب النفط الى العقبة ثم مصر