بقلم | هشام الهاشمي
لقد حصلت مناطق صلاح الدين ونينوى والأنبار وشمال ديالى وجنوب كركوك على تحريرها، وتنتمي هذه المناطق الى العرب السنة ويشاركهم معظم المكونات والأقليات الدينية والقومية العراقيّة، المناطق الحضرية فيها تنتمي إلى المجتمع الليبرالي وغالبهم من الطبقة الوسطى والتجار واصحاب الحرف والصناعات والمهن وطرق الحياة المواكبة للحداثة، والقرى والأرياف فيها تنتمي الى المجتمعات المتدينة والمحافظة، حيث المجتمع الزراعي ونمط الاقتصاد التقليدي، وطرق الحياة بطيئة التكييف مع الحداثة.
هذا الخليط المتباين ومتعدد الثقافات أنتج تمرد ديني سني متطرّف يسعى لأحياء الخلافة على منهاج النبوة وسلف الأمة بحسب تأويله وتحريفه وفهمه للنصوص العقائدية والفقهية والسلوكية، وجعل وسيلته الحصرية هي السلاح " الجهاد" وتبني إكراه الناس على الأحكام الدينية كما يراها بالحديد والنار.. حاملا معه الكراهية ونظرية الفسطاطين التي دعا لها اسامة بن لادن، ومنهجية ابو مصعب السوري، وتجربة الزرقاوي، وادارة التوحش للحكايمة، وحماسات ابو حمزة المهاجر والعدناني، وبيعة البغدادي.. ميراثا غير متوازن وطاقة شبابية وتجارب قتالية متوحشة وخبرات ومهن أمنية وعسكرية ولوجستية.
وحيث ان القوات المشتركة العراقية أعلنت النصر على تنظيم داعش عسكريا، نصرا خسرت به داعش ارض التمكين وقدرتها على رفع رايتها على اَي بناية مدنية او حكومية او عسكرية على ارض العراق، وتحولت الى فلول تسكن البوادي والصحاري والجبال والتلال والمناطق الزراعية الوعرة، تعمل على تمويل نفسها ذاتيا، وإنهاك القوى القتالية الماسكة للأرض والمرابطة في الطرق الرابطة بين المحافظات وعلى أطراف المدن والقرى والحدود، فصارت تستهدف المواطن العراقي على الهوية مرة واُخرى على الولاء السياسي والمذهبي، فكثيرا ما يبدو أن أيسر الطرق للحصول على المال هو ترهيب العزل من الأهالي ومن ثم فرض الآتاوت عليهم، وتسليط الاضواء الاعلامية على ضعف الحلول الأمنية الحكومية، وبالتالي يفقد المواطن ثقته بقدرة القوات الأمنية على حمايته، وهنا يأتي دور الإرهابي بالاستيلاء على إرادة المواطن وماله، وبالفعل قد تزايد معدل العمليات الإرهابي على الطرق والقرى وأطراف المدن خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، وينطبق هذا الوضع كثيرا على ما كتبته في مقالتي عن مثلثات الموت، حتى أصبحت العشرات من القرى الصغير المنتشرة في أطراف تلك المدن تفقد شعورها بالتحرر من احتلال داعش خاصة في الليل.
صحيح أن طرق؛ ديالى_كركوك، صلاح الدين_كركوك، بغداد_كركوك، تلقى اهتماما كبيرا من لدن الاعلام والقيادة المشتركة العراقية، لكن هناك مناطق جنوب نينوى وغرب الأنبار وشمال شرق ديالى وجنوب غرب كوكوك وغرب صلاح الدين وجزيرة سامراء هي بحاجة الى اهتمام وقرارات حاسمة وضربات شديدة.
ربما تكون هناك إجراءات أمنية تقليدية مسلم بها، لكنها لا تحمل دلالة او قرائن استباب الأمن وتمكين الأستقرار، وكأن احداث الصينية وجنوب الحضر وغرب حوض الثرثار لم تثير اهتماما لدى المخطط العسكري والاستخباري العراقي.
ماذا كان دور المواطن خلال تلك الحوادث؟ ومدى تورطه فيها؟
هنا ينبغي ان نفرق بين مواطن يتواصل مع الأجهزة الاستخبارية بكل جدية ومتابعة ودوائر الاستخبارات والمعلومات لا تهتم او تبدي استجابة!، والمواطن الذي لا يريد ان يتورط بعملية الإبلاغ عن التحركات المشتبه بها، فغالب الأهالي الذين عادوا كان لديهم نشاطا واسعا في تقديم المعلومات لكن صدموا، بإهمالها وعدم الاهتمام بها، حتى بات احدهم يخاف على نفسه، حينما يأتي الداعشي ويعاتبه او يهدده بعد ان تم فضحه..
لقد تعددت هذه الإشكاليات وبمدن وقرى محررة، ومن جانب دوائر معلومات واستخبارات مختلفة الجهات، لكن من الصعب بالفعل كشفها لبغداد او لقيادات العمليات المسؤولة، أو حتى مجرد إثباتها، اصبح المواطن يحسب حساب لردات الفعل الغاضبة من ضابط او محقق كسول او فاسد، لكن يبقى هناك احتمال قائم وواقعي دائما، ليس كل ما اخبر عنه المواطن صادقا بالضرورة، وهناك دائما تهويل بشأن مصلي المساجد واصحاب اللحى، وتضخيم تورط الضباط والبعثية السابقين.
بشكل عام ينبغي ان تتعامل دوائر المعلومات باحترام وبحذر مع تقارير وشهادة المواطن باختلاف أنواعها، فالمواطن يمارس وأجبه وبنفس الوقت يرغب بالسرية، وكأنه شخص مجهول، ويبقى اسمه وشخصيته الحقيقة غير معلومة، حفاظا على حياته وسرية تقريره وشهادته..
وايضاً فأن دور المواطن الشريف لا يمكن الا ان يكون مؤثرا وفعالا، فالمواطن يعلم ان أمن مدينته وقريته هو قراره، وبالتالي هو صانع وشريك بالأمن مع رجل الأمن.
أقرأ ايضاً
- دور الاعلام القضائي في تحقيق الأمن القانوني
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول
- كلية الذكاء الاصطناعي.. قرار متسرع؟