- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
بازار المناصب إذ يُفتتح رسمياً في العراق
حميد الكفائي
ليس عيباً أن يتنافس المتنافسون على الزعامة، فـهـذا حق مشروع لأي شخص طموح شريطة أن يمتلك الأهلية ومقومات الزعامة ومنها توفــر الســـند السياسي والمقبولية الوطنية. لكن ما يجـــري حالياً من ترويج لزعماء وقادة محتملين قد تجاوز الواقعية ودخل في باب الفكاهة. وقد وقع في فــــخ هذه الطموحات الجامحة لبعض المؤمنين بصـــــدفة «اليانصيب» حتى الصحف الأجنبية الرصينــــة مثـــل «فورين بوليسي» التي أدرجت أسمـــاء حــالميــن بالمناصب العليا لم يفكر بهم أحد
من المرجح أن يكون المطروحة أسماؤهم لتولي مناصب عليا، خصوصاً رئاسة الوزراء، هم شخصياً وراء هذه الترشيحات «الفضائية». وقد بلغت درجة الفكاهة بأن أحد الذين طُرحت أسماؤهم في وسائل التواصل الاجتماعي أصدر بياناً «يرفض» فيه تولي رئاسة الوزراء وكأنها فعلاً قد عرضت عليه، مبيناً أسباب «رفضه» المنصب! أحد الذين وصلوا إلى الوزارة بطرق ملتوية في عهد نوري المالكي هو الآخر يدس اسمه في الترشيح لأي منصب، سواء كان عراقياً أم دولياً متوهماً بأنه سيصل إلى منصب جديد بـ «ضربة حظ» جديدة. والمستهجن أن اسم المرجعية الدينية يُقحم أحياناً في هذه الترشيحات، وترى أن بعضهم أدعى أنه مرشح المرجعية لرئاسة الوزراء وكان قبيل الانتخابات قد جمع عدداً من الشباب ودفعهم للتنديد بالحكومة التي هو عضو فيها، متهمين الجميع بأنهم «حرامية» باستثنائه طبعاً، في مسرحية هزيلة تنم عن انحدار أخلاقي خطير!
المرجعية الدينية تحتاج لأن ترد على مدعي التحدث باسمها، كما ردت سابقاً وكذبت ما ادعاه مسؤول عراقي أثناء زيارته الولايات المتحدة بأنه «يحمل رسالة من المرجع السيستاني إلى الرئيس بوش!» ما اضطره إلى نفي حمله أي رسالة قائلاً إنه لم يكن يقصد ما قاله لكنه يعرف رأي المرجع السيستاني وأراد أن يوصله إلى الأميركيين! نوري المالكي أعلن بأنه يرشح قصي السهيل، الذي شغل منصب نائب رئيس البرلمان عن التيار الصدري في الفترة ٢٠١٠- ٢٠١٤، رئيساً للوزراء. لا شك أن السهيل شخصية رصينة وقد امتلك من الشجاعة أنه اعترض بقدر من اللياقة على قرارات قيادته، ولكن ترشيح المالكي له يحمل دلالة صارخة وهي أنه يعارض ترشح حيدر العبادي لولاية ثانية، علماً أن الأخير هو رئيس المكتب السياسي لحزب الدعوة الذي يشغل المالكي منصب أمينه العام. لقد وضع المالكي حزب الدعوة في مأزق جديد بعد رفضه الدخول مع العبادي في قائمة واحدة في الانتخابات الماضية ما أدى إلى انقسام الحزب وتشتيت أصواته وخسارته الفعلية في الانتخابات. فإن كان حزب الدعوة قد وجد «عذراً» لدخول الحزب بقائمتين متنافستين في الانتخابات الماضية، فكيف يفسر ترشيح المالكي شخصاً منافساً لرئيس مكتبه السياسي؟ لم يعد ممكنا التستر على «كسر العظم» داخل حزب الدعوة بل أصبح من الضروري إنقاذ سمعته بإجراء حاسم وجريء يعيد ثقة أعضائه وأتباعه به. لا يمتلك الحزب قيادياً بارزاً ومؤهلاً لرئاسة الوزراء حالياً غير العبادي، لذلك فإن ترشيح المالكي شخصاً من خارج الحزب يشكل طعنة في الصميم في مستقبله السياسي.
في الدورات السابقة، أنيطت رئاسة الجمهورية بالأكراد، واتفق الحزبان الكرديان الرئيسيان، يكتي وبارتي، على تولي زعيم «يكتي» رئاسة الجمهورية وزعيم «بارتي» رئاسة الإقليم. إن بقي المنصب للأكراد فليس هناك مرشح بارز له من «يكتي» المنقسم على نفسه منذ غياب مؤسسه جلال طالباني سياسياً عام ٢٠١٢. أما «بارتي» فزعاماته تؤمن بالانفصال عن العراق ما يجعل تولي أحدها منصب الرئيس مستحيلا لأن المنصب يفرض على شاغله الحرص على وحدة العراق وصيانة الدستور، وهذا ما لا يؤمن به قاد «بارتي». أما حزب «كوران» فليس لديه قيادة واضحة بعد غياب مؤسسه نوشروان مصطفى، ناهيك أن يكون لديه مرشح للرئاسة. من المحتمل أن يرشح الرئيس فؤاد معصوم لولاية ثانية لكن تقدمه في السن قد يشكل عائقاً، ولا أحد يريد تكرار أزمة «غياب الرئيس لأسباب صحية».
رئاسة البرلمان شغلها باستمرار مرشح سني، وإن تواصَلَ هذا التقليد غير المحبذ بين العراقيين، لأنه يرسخ مبدأ طائفية المناصب، فإن وزير الدفاع السابق خالد العبيدي الذي جاء في المرتبة الثانية من حيث عدد الأصوات، يعتبر خياراً مناسباً. لقد برهن العبيدي على شجاعة سياسية نادرة عندما فضح الصفقات الفاسدة لبعض السياسيين أثناء استجواب البرلمان له عام ٢٠١٦. كما برهن على أنه عراقي فحسب، فلم يكترث للتوازنات الطائفية التي يحسب لها آخرون ألف حساب، فرشح في قائمة «النصر» بقيادة حيدر العبادي، فكافأه الناخبون في الموصل بالتصويت له بكثافة. سيحصل العبيدي على منصب رفيع في الحكومة المقبلة، إن كان هناك وعي سياسي ونظرة بعيدة الأمد عند الكتل السياسية حول التماسك الوطني والحاجة إلى النزاهة والكفاءة عند شاغلي المناصب العامة. إلا أن بقاء المحاصصة الطائفية سوف تبعده عن المناصب العليا كرئاسة الجمهورية أو البرلمان، لأن الرجل فوق الطائفية.
أما المنصب الأهم في الدولة، رئاسة الوزراء، فإن التنافس عليه يحتدم بين الكتل السياسية (الشيعية تحديداً). المرشح الأوفر حظاً حتى الآن هو حيدر العبادي بسبب المقبولية التي يتمتع بها وسجله الناجح «نسبياً» في المنصب، على رغم وجود مآخذ عليه كالتردد في اتخاذ القرارات وعدم استعانته بالخبراء واعتماده على أشخاص قلائل مقربين منه بينما تحتاج رئاسة الوزراء إلى طاقم أكبر وتوزيع أوسع للمهام كي تكون فاعلة. كما طرحت وسائل الإعلام العربية والأجنبية مرشحين مستقلين أبرزهم، البروفيسور علي علاوي، وهو رجل ذو خبرة واسعة وثقافة عالية ولديه أفكار إصلاحية مهمة، ولكن من المستبعد أن تتفق الكتل السياسية على شخص من خارجها على رغم وجود تأييد سياسي ظاهري لتشكيل حكومة تكنوقراط التي لن تنجح إن لم يتوفر لها سند سياسي قوي.
لا يبدو التوصل إلى اتفاق بين الكتل السياسية وشيكاً، إذ اعتاد السياسيون على استنزاف كل فرص تحقيق الطموحات الجامحة قبل أن يعودوا إلى الواقع، بعد محاولات «إقناع» تضطلع بها دول أخرى. هذه مشكلة ثقافية لا حل لها في الوقت الحاضر ولا نملك إلا أن نتجرعها. ولكن الغموض الذي ولدته الانتخابات الأخيرة، التي ما زال كثيرون يعترضون على نتائجها، بدأ يترك آثاراً سيئة على مزاج العراقيين خصوصاً مع اشتداد حرارة الجو وتفاقم أزمتي الكهرباء والجفاف، ومن هنا تأتي الحاجة إلى حسم الموقف سريعاً. فهل يتصرف السياسيون بحكمة هذه المرة ويتوصلون إلى حلول تهدئ الشعب الغاضب؟
* كاتب عراقي
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى
- الأطر القانونية لعمل الأجنبي في القانون العراقي