ثامر الحجامي
يتفق الجميع على انتهاء صفحة داعش في العراق، وانقشاع الغيوم التي كانت تخيم في سمائه، بعد قتال مرير استمر ثلاث سنين، ابتداء من سقوط الموصل ناهيك عن الفترة التي سبقت ذلك السقوط المدوي، بيد إرهاب اسود أراد تمزيق العراق وتقسيمه، على أسس مذهبية وطائفية.
صفحة انتهى معها الإرهاب، بجهود أبناء العراق الذين بذلوا أرواحهم من اجل الدفاع عن بلدهم، توحد فيها الشيعي مع السني والكردي مع العربي، ووقفت جميع الطوائف على سواتر القتال لمواجهة الخطر الذي كان يهدد الجميع، فلم يسلم منه احد، حتى البيئة التي احتضنته إنكوت بناره واحرقت ما كان يحيط بها من بشر وحجر، كان الانتصار الكبير للعراق، والهزيمة الكبرى لهذا الإرهاب وداعميه ومموليه، الذين تحطمت أحلامهم على صخرة البطولة العراقية.
مع بداية عهد جديد لعراق ما بعد داعش، واستتباب للأمن في ربوع الوطن، ظهرت علينا جيوش جديدة سلاحها يختلف عما سبقها، مستغلة الأوضاع المشحونة التي تسبق الانتخابات البرلمانية العراقية، هذه الجيوش الجديدة بعضها مدعوم من نفس الجهات التي كانت تدعم الإرهاب، وبعضها مدعوم من أحزاب وشخصيات سياسية، ويعضها يحمل أجندات خارجية دولية وإقليمية، لكنها اتفقت على هدف واحد هو تمزيق لحمة الشعب العراقي، وخلق الفوضى بين صفوف مجتمعه، تلك هي الجيوش الالكترونية.
المعروف عن العراقيين استخدامهم الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي، لاسيما " الفيسبوك" الذي وصل عدد مستخدميه في العراق الى أكثر من 24 مليون، وصار ساحة خصبة لنشر الأخبار والمعلومات، ووسيلة لإيصال الأفكار والمشاريع بأقل كلفة وارخص سعر وأسرع وقت، وأصبحت الأخبار تنتقل فيه كسرعة النار في الهشيم، سواء كانت حقيقية ام مفبركة، فصار التسابق على كسب هذه الساحة، أشبه بالمعركة الحامية الوطيس بين الكتل والأحزاب السياسية، التي تريد التأثير على مستخدمي هذه الوسائل بأي صورة كانت.
فمع قرب كل انتخابات تقوم الأحزاب والشخصيات السياسية، بتجييش وسائل الإعلام وتوجيهها باتجاه الدعاية الانتخابية لكل منها، ولأن العراقيون يستخدمون الفيسبوك بصورة كبيرة، توجهت هذه الأحزاب والشخصيات نحو هذا الفضاء الافتراضي، فظهرت الصفحات الممولة التي لا يحصى عددها، واشتغل ناشطوا الفسبوك بالترويج لهذه الأحزاب، واحتدم الصراع حتى أصبح ما يشبه الحرب البيضاء.
بل ذهبت هذه الصفحات ومن يسمون أنفسهم بالناشطين المدنين الى ابعد من ذلك، فصارت الأخبار المفبركة والإشاعات الزائفة، والتسقيط السياسي والاجتماعي هو الرائج فيها، دون مراعاة لحرمة أو ورع أو خوف من قانون، وصارت هذه الصفحات تجتاح عالم الفيسبوك كاجتياح داعش لثلث مساحة العراق، وستفرق مجتمعه وطوائفه وقومياته كما أراد أن يفعلها داعش، مستعينة بالمال السياسي الوفير والدعم من الداخل والخارج، وكما كان المواطن البسيط ضحية للإرهاب، سوف يكون ضحية لهذه الجيوش الالكترونية.
إن الخطر الذي يواجه المجتمع العراقي من هذه الجيوش، هو شبيه بخطر الإرهاب، وما لم تكن هناك صولة عليه توقفه وتحد منه، وتمنع التسقيط السياسي والاجتماعي والأخبار الكاذبة والمفبركة، التي تهدد السلم المجتمعي الهش فسيكتوي الجميع بنيران هذا الإرهاب الجديد، الذي يدخل الى جميع البيوت دون سواتر للمواجهة.
أقرأ ايضاً
- الآثار المترتبة على العنف الاسري
- فازت إسرائيل بقتل حسن نصر الله وأنتصرت الطائفية عند العرب
- التعويض عن التوقيف.. خطوة نحو تطور التشريع الإجرائي