- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
لمحات من السيرة العطرة لفاطمة الزهراء(ع) / الجزء الثالث عشر
حجم النص
بقلم : عبود مزهر الكرخي
فــــدك :
موقعها : فدك: قرية بالحجاز، بينها وبين المدينة يومان وقيل ثلاثة. أفاءها الله على رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في سنة سبع من الهجرة صلحاً… فهي مما لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، فكانت خالصة لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم). فيها عين فوّارة ونخيل كثيرة.(1)
والظاهر أنها قرية كان يسكنها اليهود وقد أبوا الانضواء تحت راية الإسلام في بادئ الأمر ولكنهم عندما وجدوا أن المسلمين احتلوا خيبر بقيادة البطل المظفر علي بن أبي طالب(ع) رضخوا لحكم النبي(ص) دون قتال بعد أن قذف الله بهم الرعب عند ذلك النبي(ص)على نصفها وروي أنه صالحهم على كلها، وقد ملكها الرسول(ص)لأنها لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب بإجماع المسلمين.وهو صريح في قوله تعالى {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.(2)
وقيمتها المادية وحسب الروايات كانت تقدر ب (100,000درهم)وحسب ما قال الحموي(وفيها عين فوارة ونخل كثيرة)وأن عمر منع أبو بكر من ترك فدك للزهراء لضعف المالية العامة مع احتياجها للتقوية لما يتهدد الموقف من حروب الردة وثورات العصاة .ومن خلال هذا الطرح يتضح أن أرضاً مثل هذه ويستعان بمحاصيلها في تقوية الدولة كانت ولا بد ذات نتاج عظيم وقيمتها المادية عالية وكانت تدر وارداً عظيماً على صاحبها.
وهناك اختلاف في مقدار ما تنازل به اليهود للنبي(ص) ولكن أكثرها تجمع والراجح أنه النبي(ص)صالحهم على النصف من نخيلها وأرضها أي على (50,000 درهم) وأشترى عمر النصف الأخر عند توليه الخلافة.
بعد أن أصبحت خالصة لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أوحى الله سبحانه وتعالى لنبيه: (فآتِ ذا القربى حقّه) .(3) فجعل النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فدكاً طعمة لفاطمة (عليها السلام) بأمر الله هذا. وقد تتابعت عليها الإحداث الآتية:
1 ـ كانت بيد فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) من سنة سبع من الهجرة النبوية وخلال حياة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وحتى تولى أبو بكر الخلافة تديرها بواسطة وكيل لها فيها، توزّع ثمارها وما تنتجه على فقراء المسلمين.
2 ـ لما تولى أبو بكر الخلافة… سلبها من فاطمة الزهراء (عليها السلام) بحجة أنها فيء المسلمين.
3 ـ وهبها معاوية إلى مروان بن الحكم ليغيظ بذلك آل الرسول ـ ومعنى ذلك أنها لم تكن قطعة أرض وإنما معناها أكثر قيمة وأهمية منها.
4ـ وهبها مروان إلى ابنه عبد العزيز، فورثها ابنه عمر منه ولما ولي الأمر عمر بن عبد العزيز ردّ فدكاً إلى أبناء فاطمة وعلي (عليهما السلام).
وهنا نود أن ننوه وذكر أنه رد ظلامة بني فاطمة وهذا اعتراف بمظلومية الزهراء وهذا ما ورد في الذهبي والسيوطي
5 ـ لما ولي يزيد بن عبد الملك قبضها فلم تزل في أيدي بني أمية حتى ولي أبو العباس السفاح الخلافة.
6 ـ دفعها أبو العباس السفاح إلى ولد علي مرة ثانية إلى أن ولي الأمر المنصور.
7 ـ لما خرج بنو الحسن على المنصور قبض فدكاً منهم. فرجعت بيد بني العباس.
8 ـ لما استوي الأمر للمأمون ردّ فدكاً الى ابناء فاطمة و علي (عليهما السلام) بعد أن استوثق عنها من القضاة في دولته وكتب لهم بذلك كتاباً فقام دعبل الشاعر وأنشد:
أصبح وجه الزمان قد ضحكا * * * بردّ مأمونٍ هاشمٍ فدكا.(4)
ومن هنا نلاحظ ان فدك كانت مثار جدل وشبهة وعلى مدى التاريخ ومن خلال تتبعنا للأحداث نلاحظ أنه تم الاستيلاء عليها بدافع الحقد والكره لأهل البيت والتي تعطي دليل واضح أنها اغتصبت وأخذت من صاحبها الشرعي وهي فاطمة الزهراء والتي نحلها أبيها نبينا الأكرم محمد (ص) والتي سنتابع ونثبت كيف أنها سلبت الزهراء(ع).
والقارئ عندما يقرأ حوادثها أشد ما يدعو للاستغراب هو قول أبو بكر عند في الجواب على احتجاج فاطمة(ع) : أن هذا المال لم يكن للنبي،وفي كلامه هذا مخالفة صريحة لما ذكره معظم المؤرخين والرواة في أنه أن النبي قد نحلها إلى بضعته الزهراء(ع) والذي ما كان ينحلها لولا أنه كانت قد ملكاً للنبي نصفها أو كلها ومخلفة لذكر القرآن الكريم في آية الحشر والتي تم ذكرها أعلاه.
والشيء المستغرب والذي يدعو للدهشة في قول أبو بكر عند احتجاج مع الزهراء روحي لها الفداء أنه يقول ـ أن الأنبياء لا يورثون ـ والإدعاء بأنه حديث للرسول (ص) قد حدث به ويقول ((نحن معاشر الأنبياء لا نورث))ولو رجعنا لكل كتب الخاصة والعامة من البخاري إلى الصحاح الستة لا نجد من يذكر مثل هذا الحديث ولا يتم التطرق إليه لا من بعيد ولا من قريب وحتى لم يذكره مسندهم الذين يعتمدون أبناء العامة وهو كعب الأحبار و(أبو هريرة)فلم يأتي بمثل هذا الحديث المفترى على الرسول(ص)،ولكنه الغدر والحقد الذي يكن في الصدور على أهل بيت النبوة.
والآن لنأتي إلى احتجاج فاطمة الزهراء(ع) في خطبة عصماء ألقتها في مجلس ابو يكر والمهاجرين والأنصار ووهي خطبة طويلة نأخذ القضايا المهمة لأنها لو أردنا تحليلها لكتُب عنها كتب مجلدات فسنكتفي بأهم المفاصل الرئيسية في خطبتها العظيمة. والتي تناولتها الكثير من المصادر بصحتها وشهد بها العدو قبل الصديق.
احتجاج فاطمة الزهراء ع على القوم لما منعوها فدك و قولها لهم عند الوفاة بالإمامة روى عبد الله بن الحسن بإسناده عن آبائه(ع) أنه
لما أجمع أبو بكر و عمر على منع فاطمة (ع) فدكا و بلغها ذلك لاثت خمارها على رأسها و اشتملت بجلباﺑﻬا و أقبلت في لمة من حفدﺗﻬا و نساء قومها تطأ ذيولها ماتخرم مشيتها مشية رسول الله(ص)حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم فنيطت دوﻧﻬا ملاءة فجلست ثم أنت أنة أجهش القوم لها بالبكاء فأرتج اﻟﻤﺠلس ثم أمهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورﺗﻬم افتتحت الكلام بحمد الله و الثناء عليه و الصلاة على رسوله فعاد القوم في بكائهم فلما أمسكوا عادت في كلامها فقالت(ع) :
الحمد لله على ماأنعم و له الشكر على ما ألهم والثناء بما قدم من عموم نعم ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها وتمام منن أولاها جم عن الإحصاء عددها ونأى عن الجزاء أمدها و تفاوت عن الإدراك أبدها وندﺑﻬم لاستزادﺗﻬا بالشكر لاتصالها واستحمد إلى الخلائق بإجزالها وثنى بالندب إلى أمثالها وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كلمة جعل الإخلاص تأويلها وضمن القلوب موصولها وأنار في التفكر معقولها الممتنع من الأبصار رؤيته ومن الألسن صفته ومن الأوهام كيفيته ابتدع الأشياء لا من شيء كان قبلها وأنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها كوﻧﻬا بقدرته وذراها بمشيته من غير حاجة منه إلى تكوينها ولا فائدة له في تصويرها إلا تثبيتا لحكمته و تنبيها على طاعته و إظهارا لقدرته تعبدا لبريته وإعزازا لدعوته ثم جعل الثواب على طاعته و وضع العقاب على معصيته ذيادة لعباده من نقمته و حياشة لهم إلى جنته و أشهد أن أبي محمدا عبده و رسوله اختاره قبل أن أرسله و سماه قبل أن اجتباه واصطفاه قبل أن ابتعثه إذ الخلائق بالغيب مكنونة وبستر الأهاويل مصونة و بنهاية العدم مقرونة علما من الله تعالى بما آيل الأمور وإحاطة بحوادث الدهور ومعرفة بمواقع الأمور ابتعثه الله إتماما لأمره وعزيمة على إمضاء حكمه وإنفاذا لمقادير رحمته فرأى الأمم فرقا في أدياﻧﻬا عكفا على نيراﻧﻬا عابدة لأوثاﻧﻬا منكرة لله مع عرفاﻧﻬا فأنار الله بأبي محمد (ص) ظلمها وكشف عن القلوب ﺑﻬمها وجلي عن الأبصار غممها و قام في الناس بالهداية فأنقذهم من الغواية وبصرهم من العماية وهداهم إلى الدين القويم ودعاهم إلى الطريق المستقيم ثم قبضه الله إليه قبض رأفة واختيار ورغبة وإيثار فمحمد(ص) من تعب هذه الدار في راحة قد حف بالملائكة الأبرار ورضوان الرب الغفار ومجاور الملك الجبار صلى الله على أبي نبيه و أمينه و خيرته من الخلق و صفيه و السلام عليه و رحمة الله و بركاته.
و أختصر في الموضوع.
فهذه الخطبة نموذج رائع من البلاغة الأدبية لبضعة النبي(ص)وهي تعد في مصاف الخطب ذات الإبداع للنثر الفني وأعظمها وهي باستثناء بلاغة سيدي أمير المؤمنين(ع) لأن الناقد يحكم فوراً بقصور كل من عاش في هذه الفترة بل وحتى الفترات اللاحقة عن مسايرة الزهراء في مستواها البلاغي الشامخ. وهذا ليس بغريب لأنها بضعة نبينا الأكرم محمد(ص) وزوجة الإمام أمير المؤمنين(ع)فعلمها أبوها في صباها وزوجها في ريعان شبابها الإبداع الأدبي والبلاغة التامة والفصاحة الكاملة والعلم والفضل في حديثها العام.
ونلاحظ السجع الجميل مثل ((ذيادة، حياشة)) وهو سجع مفرد ومزوج غاية في البلاغة. وهي خطبة من أروع الخطب ولكن لنشاهد ماذا قالت عنهم وعن ابن عمها وزوجها أمير المؤمنين:
ثم قالت أيها الناس اعلموا أني فاطمة وأبي محمد ص أقول عودا و بدوا و لا أقول ما أقول غلطا و لا أفعل ما أفعل شططاً لَقدْ جاءَ ُكمْ رَسُولٌ مِنْ َأنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَليْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَليْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ فإن تعزوه وتعرفوه تجدوه أبي دون نسائكم و أخا ابن عمي دون رجالكم ولنعم المعزى إليه(ص) فبلغ الرسالة صادعا بالنذارة مائلا عن مدرجة المشركين ضاربا ثبجهم آخذا بأكظامهم داعيا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة يجف الأصنام و ينكث الهام حتى اﻧﻬزم الجمع وولوا الدبر حتى تفرى الليل عن صبحه و أسفر الحق عن محضه ونطق زعيم الدين وخرست شقاشق الشياطين و طاح وشيظ النفاق و انحلت عقد الكفر والشقاق وفهتم بكلمة الإخلاص في نفر من البيض الخماص و كنتم على شفا حفرة من النار مذقة الشارب و ﻧﻬزة الطامع و قبسة العجلان و موطئ الأقدام تشربون الطرق و تقتاتون القد أذلة خاسئين تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد(ص) بعد اللتيا والتي وبعد أن مني ببهم الرجال و ذؤبان العرب و مردة أهل الكتاب كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله أو نجم قرن الشيطان أو فغرت فاغرة من المشركين قذف أخاه في لهواﺗﻬا فلا ينكفئ حتى يطأ جناحها بأخمصه و يخمد لهبها بسيفه مكدودا في ذات الله مجتهدا في أمر الله قريبا من رسول الله سيدا في أولياء الله مشمرا ناصحا مجدا كادحا لا تأخذه في الله لومة لائم وأنتم في رفاهية من العيش وادعون فاكهون آمنون تتربصون بنا الدوائر و تتوكفون الأخبار و تنكصون عند الترال و تفرون من القتال فلما اختار الله لنبيه دار أنبيائه و مأوى أصفيائه ظهر فيكم حسكة النفاق و سمل جلباب الدين و نطق كاظم الغاوين و نبغ خامل الأقلين و هدر فنيق المبطلين فخطر في عرصاتكم و أطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفا بكم فألفاكم لدعوته مستجيبين وللعزة فيه ملاحظين ثم استنهضكم فوجدكم خفافا و أحمشكم فألفاكم غضابا فوسمتم غير إبلكم و وردتم غير مشربكم هذا و العهد قريب و الكلم رحيب و الجرح لما يندمل و الرسول لما يقبر ابتدارا زعمتم خوف الفتنة ألا في الفتنة سقطوا و إن جهنم لمحيطة بالكافرين فهيهات منكم و كيف بكم و أنى تؤفكون و كتاب الله بين أظهركم أموره ظاهرة و أحكامه زاهرة و أعلامه باهرة وزواجره لائحة و أوامره واضحة و قد خلفتموه وراء ظهوركم أ رغبة عنه تريدون أم بغيره تحكمون بئس للظالمين بدلا و من يبتغ غير
الإسلام دينا فلن يقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين.
ونلاحظ هنا أنها أبدعت أبداعاً تاماً في تضمين الآيات القرآنية في أثناء الخطبة،ذلك التضمين الذي قلة من الأدباء يستطيعون النجاح فيه وظهرت الخطبة للقارئ عبارة واحدة مترابطة بين أجزائها ترابطاً وثيقاً. ومن أمثلتها في استشهادها بآيات من القرآن الكريم في قولها :
{إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ، حتى اﻧﻬزم الجمع وولوا الدبر ، و إن جهنم لمحيطة بالكافرين ن بئس للظالمين بدلا و من يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين}.
كما يشير إلى دور أمير المؤمنين (ع)في تثبيت قواعد الإسلام والذي ماقام ديننا الإسلامي إلا بسيف علي ومال خديجة وهذا مايعترف به الأعداء قبل الأصدقاء ويوضح كيف كان وضعهم في الجاهلية كيف حالهم من أنهم كانوا مهانين وأذلاء وجاءت الرسالة المحمدية لترفعهم وتعزهم وتجعلهم في عزة ومنعة وأقوياء ولكن هل هم أوفوا هذا الحق لنبيهم وأنهم راعوا الله في ذريته وبضعته؟ نترك لكم الإجابة لكم.
والآن لنستعرض ماقالته في خطبتها إلى غصب حقها في فدك والتي نحلها أبيها في حياته وكيف تم المحاججة والاحتجاج وفق منطق وبلاغة عالية وهي تقول :
ثم لم تلبثوا إلا ريث أن تسكن نفرﺗﻬا و يسلس قيادها ثم أخذتم تورون وقدﺗﻬا و ﺗﻬيجون جمرﺗﻬا و تستجيبون لهتاف الشيطان الغوي و إطفاء أنوار الدين الجلي و إهمال سنن النبي الصفي تشربون حسوا في ارتغاء و تمشون لأهله و ولده في الخمرة و الضراء و يصير منكم على مثل حز المدى و وخز السنان في الحشا و أنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا أفحكم الجاهلية تبغون و من أحسن من الله حكما لقوم يوقنون أفلا تعلمون بلى قد تجلى لكم كالشمس الضاحية أني ابنته أيها المسلمون أ أغلب على إرثي يا ابن أبي قحافة أ في كتاب الله ترث أباك و لا أرث أبي لقد جئت شيئا فريا أ فعلى عمد تركتم كتاب الله و نبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول وَ وَرِ َ ث سُليْمانُ داوُدَ و قال فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا إذ قال فهَبْ لِي مِنْ لدُنْكَ وَلِيا يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقوبَ و قال وَ ُأوُلوا الْأرْحامِ بَعْضُهُمْ َأوْلى بِبَعْض فِي كِتابِ الّلهِ و قال يُوصِيُكمُ الّلهُ فِي أوْلادِكمْ لِلذَّكرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثيَيْنِ و قال إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلى الْمُتَّقِينَ و زعمتم أن لا حظوة لي و لا إرث من أبي و لا رحم بيننا أ فخصكم الله بآية أخرج أبي منها أم هل تقولون إن أهل ملتين لا يتوارثان أ و لست أنا و أبي من أهل ملة واحدة أم أنتم أعلم بخصوص القرآن و عمومه من أبي و ابن عمي فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك فنعم الحكم الله و الزعيم محمد و الموعد القيامة و عند الساعة يخسر المبطلون و لا ينفعكم إذ تندمون و لكل نبأ مستقر و سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه و يحل عليه عذاب مقيم
ويجمل بنا قبل ان نتصدى لبحث فدك من ناحية النحلة ان ننبه القارىء الى اننا عثرنا على نقاش رائع من حيث الفكرة والاسلوب حصل بين قاضي القضاة والشريف المرتضى ذكره ابن ابي الحديد (5) الاول : ينفي ان يورث الانبياء ، والثاني : يثبته .
يدلل الاول ـ على رأيه بأن ما ورد في القرآن لا يتضمن الا وراثة العلم والفضل .
ويبرهن الثاني ـ على ان الإرث يتضمن المال والعقار أو لا ، ومن ثم العلم والفضل من باب التجوز ؛ وان كلمة ميراث في اللغة ، وما يتصل بها من المشتقات تعني بميراث الأمور المعنوية من باب التجوز والاتساع ، وان الدلالة اذا دلت في بعض الالفاظ على معنى المجاز فلا يجب إن يقتصر عليه ، بل يجب إن نحمل معناها على الحقيقة التي هي الأصل اذا لم يمنع من ذلك مانع . وإذا فرضنا جدلا إن الميراث يقتصر على العلم والفضل ، الا يكون آل النبي ، بحكم ذلك الميراث ، اولى من غيرهم بالخلافة !
ذلك ما يتصل بموضوع فدك من ناحية الميراث .
اما ما يتصل به من ناحية النحلة فقد ذكرت السيدة فاطمة لأبي بكر .
ان رسول الله قد وهبها فدك . فطلب الخليفة منها البينة على ذلك ، فقدمت له عليا ، وأم أيمن ـ مربية الرسول ـ فلم يلتفت الى ذلك وبدا كالمتشكك في شهادة سيدة ، فم أين بأبي بكر ان يسمو بها عن التشكك.(6)
فليس من المتوقع ان تكذب السيدة فاطمة على أبيها بعد موته بعشرة أيام فقط ، وفي مسألة تافهة كفدك ، أو إن تكذب أم أيمن العجوز الجليلة التي رافقت الرسول من المهد الى اللحد ـ أم أيمن التي خرجت مهاجرة إلى رسول الله من مكة الى المدينة ، وهي ماشية وليس معها زاد ـ أم أيمن زوج زيد بن حارثة مولى النبي وأم أسامة بن زيد !! أو إن يكذب ابن ابي طالب !!
وهنا نضيف من المصدر أن الأمام علي (ع) يشكك في شهادته والذي قال له نبينا الأكرم محمد (ص) في حديثه الشريف ((علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار)) والذي هو الحق كله فكيف بمثل هذه الشخصية أن يشكك بها والتي قال رسول الله والذي {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} .(7)
ولاندري كيف فات ابا بكر ان يتذكر ان الله قد انزل قرآنا في علي وفاطمة واذهب عنهما الرجس.
وقد كان المتوقع ان يكتفي الخليفة برواية فاطمة وحدها كما اكتفى أبوها قبل ذلك حين نازعه إعرابي في ناقة ادعى كل منهما أنها ناقته .
فشهد خزيمة بن ثابت للرسول فأجاز شهادته وجعلها شهادتين فسمى ذا الشهادتين ، ولكن موضوع السيدة فاطمة ـ مع هذا لا يحتاج إلى شهود ـ ذلك لأنها روت رواية عن أبيها ، كما روى أبو بكر رواية أخرى .
وان السيدة فاطمة لم تطلب منه البينة على ما ادعاه على الرغم من شكها في صحته ـ إما الشهود فموقعهم في الدعوى .
استمع الى قوله تعالى في سورة البقرة :« {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ .. وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ.. }.(8)والحجة التي نستند إليها في أهمية شهادة فاطمة إن موقفها عند الرسول ـ من حيث صدقها ـ لا يقل ، على أسوأ الفروض ، عن موقع خزيمة بن ثابت .
ويصدق الشيء نفسه على أم أيمن ، وابن أبي طالب الذي لم يعرف عنه قط إلا إتباع الحق وقول الصدق.(9)
اعتبر حديث ذي الخويصرة التميمي إذ قال : اعدل يا محمد فإنك لم تعدل حتى قال عليه الصلاة و السلام : ( إن لم أعدل فمن يعدل ؟ ) فعاد اللعين وقال ( هذه قسمة ما أريد بها وجه الله تعالى ) وذلك خروج صريح على النبي عليه الصلاة و السلام ولو صار من اعترض على الإمام الحق خارجيا فمن اعترض على الرسول أحق بأن يكون خارجيا أوليس ذلك قولا بتحسين العقل وتقبيحه وحكما بالهوى في مقابلة النص واستكبارا على الأمر بقياس العقل ؟ حتى قال عليه الصلاة و السلام : ( سيخرج من ضئضئ هذا الرجل قوم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية . . . ) الخبر بتمامه . ( الضئضئ الجنس والأصل ).(10)
وقد حذر النبي المسلمين في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له في حجة الوداع استنصت الناس فقال : لا ترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ! وفي قول اخر: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر فقال : يا أيها الناس أي يوم هذا قالوا يوم حرام قال فأي بلد هذا قالوا بلد حرام قال فأي شهر هذا قالوا شهر حرام قال فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا فأعادها مرارا ثم رفع رأسه فقال اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت قال ابن عباس رضي الله عنهما فوالذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته فليبلغ الشاهد الغائب : لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض!) وقد خففها البخاري في : 5/ 126 : فاستبدل لفظ ( كفاراً ) بلفظ ( ضلالاً ) ! !.(11)
وفي جزئنا القادم سنتابع قضية فدك وسنثبت بالدليل كيف أنها غصبت من صاحبها الشرعي وهي فاطمة الزهراء روحي لها الفداء إن كان لنا في العمر بقية لأن هذا الموضوع يحتاج إلى وقفة مفصلة لبيان الحجة والدليل على سلب أرث الزهراء (عليها السلام).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
----------------------------------------------------------------------------------------------
المصادر :
1 ـ معجم البلدان 4 / 238 ـ ..
2 ـ [الحشر:6]
3 ـ [الروم : 38 ]
4 ـ راجع معجم البلدان 4: 238، الكشاف للزمخشري: 2/ 661 تفسير فتح القدير للشوكاني 3: 224
5 ـ شرح نهج البلاغة 4 / 78 ـ 103 .
6 ـ عبد الفتاح عبد المقصود « الامام علي بن ابي طالب » 1 / 216 .
7 ـ [النجم : 3،4].
8 ـ [البقرة : 282] .
9 ـ كتاب علي (ع) ومناوئوه ص 55،56 بقلم عبد الهادي مسعود.
10 ـ كتاب : الملل والنحل المؤلف : محمد بن عبد الكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني المقدمة الرابعة : في بيان أول شبهة وقعت في الملة الإسلامية وكيفية نشأتها.
11 ـ وقد روت أخبار هذا التحذير النبوي مصادر الجميع في حجة الوداع ففي صحيح البخاري :1/ 38 وفي : 2/ 191 .
وقد عقد ابن ماجة في سننه: 2/1300 : باباً بعنوان : باب لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- ماذا بعد لبنان / 2
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول