- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
وللإبطال مقابرٌ ايضا..!- طقسٌ كُروي
بقلم:رحيم الشاهر
اذا أردتَ أن تتعقب أسرار براعة العراق المتواضعة في كرة القدم ، فعليك أن تتعقب أسرار تكون الفريق العراقي وقدوم اغلب لاعبيه من المناطق الفقيرة عبر عقود من الزمن المنصرم، ولعل العقد السبعيني ، والثمانيني و..الخ يخبرانك أن معظم نجوم العراق لكرة القدم ، أنجبتهم الملاعب الفقيرة ،فجاؤوا على طبق من ذهب ، كما جاء اغلب الكتاب والشعراء والفنانين ، من بيوتات القهر والعملقة ! ، فجنى العراق على يد أولئك الأبطال ماجناه في بطولات آسيا ، والعالم، والعالم العسكرية، والخليج ( ومر ديكا) وو.. الخ ، والأسماء كبيرة وكثيرة، ولعل عصر العراق الكروي الذهبي لاينسى ثنائي ( علي كاظم- فلاح حسن) ، ثم حسين سعيد ثم دكلس عزيز ، ثم وميض ، عدنان درجال – ناظم شاكر –محمد طبرة – حسين العيبي – رعد حمودي – احمد راضي – يونس محمود .. الخ .. الملاعب الفقيرة في العراق هي صانعة النجوم ، قبل أن تتدخل الملاعب الفنية في صناعتها ، وصقل مواهبها ، ولعل أسرار ذلك ان الملاعب الفقيرة ، لاتأخذ ضريبة على الفتيان ، والشباب ، في ممارسة هذه اللعبة حتى في ابسط مظاهر لهوها وعبثيتها ، فكلنا في الصغر ركضنا خلف الكرة بحثا عن اللهو والشهرة والمجد ، ومارسناها على أحلام صوت المعلق الشهير المرحوم( مؤيد البدري) ، الذي كان ومايزال صوتُه صاعقةً توقظ عنفوان الأجيال ، جيلا من بعد جيل ، وكلنا كان يحلم في ملعبه الصغير أن يصبح هدافا بصاعة مؤيد البدري ، ولكن الأحلام شيء ، وحكم الغيب شيء آخر ( تسير الرياح بما لاتشتهي السفنُ)، وكلنا وضعنا في الصغر صور المشاهير على الصدور ، وجعلنا لهم أشباها أيما أشباه ، فمدرسي في اللغة الانكليزية يشبه حسين العيبي، ومدرسي الآخر يشبه رعد حمودي ، ومدرسي الآخر يشبه ( مؤيد البدري) ، وفي العراق تُلعب كرة القدم في كل مكان ، حتى يخيل إليك أنها شطرنج تُلعب حتى على المنضدة ، ولها جمهور عريض طويل ، إذا غضب يجعل من السباب رحمة ، ومن الرحمةِ سُبابا! ، ولكون العراق دولة متأخرة ومُتكالب حتى على غذاء طفولته وحليبها ، تجد ان فقراء طفولة رياضته ، يصنعون ملاعبهم بأيديهم ، ويأتون بحكامهم حتى ولو من القمر!، ويمسكون بالشمس لتأتي وتدفع الفواتير، لتجالس الفقراء ، وترى معجزاتهم!. نعم هكذا كان العراق في عقود تألقه الكروي ، في قريتنا آنذاك المحاذية لنهر( الهندية)، صنعنا ثلاثة ملاعب فقيرة: القريب، والمتوسط، والبعيد .. البعيد كان مجاورا لنهر( الهندية) الذي ينساب بجوار قريتنا ، ويجهل آباؤنا، وأمهاتنا الاسم الحقيقي لهذا النهر المخيف المهاب، اهو نهر دجلة أم الفرات! ، الذي تحيط به مرتفعات ومنخفضات مخيفة من تموجات الأرض ، حتى لتشعر انك وصلت سدرة المنتهى عندما تنحدر نحو ضفافه المنخفض ، وكنا نطلق على الملعب البعيد ( اسم ملعب الدوحة) ، ولكن الزمن الجميل ينساب من تحت قدميك ويجعلك تتقدم إلى الوراء! ، اجل فريق الحداثة الذي ضمني بالأمس فرقته أحداث الزمن شذر مذر : نفر في الدوحة الحقيقية، ونفر في (لندن) ، ونفر في أمريكا ، ونفر في المكسيك، ونفر في المغرب ، ونفرٌ أمسك بأرضه يعزف معزوفة ( عطش الفرات) ، ونفر في عليين.. وكانت كرة القدم تُمارس حتى في الليالي المقمرة ، حيث كان يعرض المسلسل المصري الشهير (بعد الغروب- عام- 1977) ، وكانت كرة القدم آنذاك تنافس المسلسل اللبناني المرعب ( عازف الليل)، وكانت تعاصر (مسلسل وآه يازمن)، الذي تلقيه على مسامعنا مذيعة الأمس خمائل محسن .. ثم ننام، فكأن كل تلك الأعوام مزحة حلم لايصدق!
وان الأيام هي الأخرى تموت فتصبح تاريخا للملكوتْ!