- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
إدارة الدولة والبرنامج الحكومي وبناء الدكتاتوريّة التنمويّة في العراق (الممكنات - التحديّات - السياسات)
بقلم: د. عماد عبد اللطيف سالم
ليسَ من السهلِ، بل يكادُ يكون من المستحيل، إعادةُ بناءِ بلدٍ مزّقتهُ الصراعات والانقسامات، بوجود "نماذج" سياسية تتوزّعُ على السُلُطات الثلاث في هذا البلد، كهؤلاء "السيّداتِ" و"السادة".
لذا ما على السيد رئيس مجلس وزراء العراق القادم سوى تجاوز هذا اللغو الشاسعِ والعقيمِ، وهذه المناكفات والمهاترات التي كلّفت هذا البلد الكثير من المال والجُهدِ والدمِ طيلة عشرينَ عاماً.
ما عليهِ سوى أن يبقى بعيداً عن هذه "المزابل" الشاسعة، وأن يسلَخَ نفسهُ بعُمق،عن هذه العلاقاتِ "التخادميّةِ" سيّئةِ السُمعة، وعن هذه "المقاولات" المُشينةِ، و"الجُنَحِ" المُخِلّةِ بالشرف الوطنيّ، وأن يتركَ كلّ هذا الهراء العظيم خلف ظهره، و يمضي قُدُماً في بناء "دكتاتورية تنمويّة" Development Dictatorship، نحنُ أحوجُ ما نكونُ اليها الآن أكثر من أيّ وقتٍ و ظَرفٍ آخر .
الهدف الرئيس للدكتاتورية التنموية هو: أقصى تعبئة و"تحشيد"، وأكفأ تخصيص للموارد المُتاحة Maximum Mobilization and Efficient Allocation of Resources .
تقوم هذه "الدكتاتوريّة التنمويّة" على ثلاث ركائز أساسيّة لتحقيق التنمية الاقتصادية، هي:
1- خطّة تنمية وطنيّة مُصمّمة بشكلِ جيّد.
2- و حكومة من ذوي الاختصاص قادرة على تنفيذ هذه الخطّة.
3- وبرنامج حكومي واضح وصارم يُتيح للحكومة "الاستحواذ" على (أو تدبير وتأمين) رأس المال الضروري لتنفيذ هذه الخطّة .
وأرجو أن لا يُصابَ السيد رئيس الوزراء القادم بالفزع منْ صراخ الذين لا همّ لهم سوى تحويل كلّ المُمكِنات الى مستحيلات. فهذه "الدكتاتورية التنمويّة" هي في كلّ الأحوالِ أسهلُ وأقلّ كُلفةً من "دكتاتورية" مهاتير محمد التنمويّة، التي لم تكن تملكُ من المقوّمات والموارد غير شجرة زيتِ النخيل، والفقر والجهل والانقسام العِرقيّ الذي كان يفتكُ بماليزيا.. وأسهل وأقلُّ كلفة من "دكتاتوريّة" لي كوان يو التنمويّة، التي لم تجد في حوزتها من المقوّمات والموارد سوى المستنقعات والبعوض والفساد الذي كان يفتكُ بسنغافورة.. وأسهل وأقلُّ كلفة من "دكتاتوريّة" بارك جونغ هي، التي لم تجِد في كوريا الجنوبيّة كلّها لا نفط، ولا موارد أخرى، بل لم تجِد لا مراعٍ ولا أراضٍ صالحةٍ للزراعة، ولا تملِكُ غير تاريخٍ مُمتَدٍ من الحروب "العقائديّة"، والخوف من الجوع الدائم.
وأتمنى من السيد رئيس مجلس الوزراء القادم أن لا يخشى من "دسائس" الأهل قبل "مؤامرات" الغرباء، ومن حروب الاصدقاء قبل معارك الأعداء، ومن "ألغام" الأقربين قبل "خنادق" الأبعدين. ففي الحرب الكوريّة وحدها تم احتلال وتخريب العاصمة (سول) ثلاث مرّات.. ورغم ذلك ها هيَ (سول) الآن، واحدةً من أجمل مدن العالم وأكثرها أمناً وصلاحيّةً للعيش، مع أنّها لا تبعدُ عن الحدود مع كوريا الشماليّة بأكثر من 60 كيلومتراً، و تتطايرُ صواريخ كيم إيل جونغ الباليستيّة - النوويّة فوقها وحولها بينَ حينٍ وحين.. وبوسعِ جيشهِ أن يَصِلَ اليها بالدرّاجات الهوائيّة، وأنْ يُعيدَ احتلالها في أيّةِ لحظة.
وألتَمِسُ من السيّد رئيس مجلس الوزراء القادم أن لا يستنكِفَ من التعلِّم من الآخرين. لقد أرسلَت كوريا الجنوبية نساءها الى مستشفيات المانيا لتعلّم أصول التمريض.. وأرسلت عمّالها الى مدن الشرق الأوسط لتعلّم أصول البناء في أقسى الظروف.. وأرسلَت طلاّبها واساتذتها الى أفضل البلدان والجامعات في العالم، ليستنسِخوا وينقلوا ويطَوّروا أفضل ما فيها، ويُسهموا في نهضة كوريا بزمنٍ قياسيّ.
و لا تجفَل سيدي رئيس الوزراء من "بروباغندا" الداخل والخارج، ولا تيأس بسبب العويل.. فمجلة Foreign Affairs الرصينة جدّاً كانت قد ذكَرَت جازمةً جدّاً في عام 1960 بأنّ: "ليس هناك من فرصةٍ لتحقيق مُعجزةٍ اقتصاديّة في كوريا".. وبعدَ عقدٍ واحدٍ من هذه "المقولة" بدأت هذه "المعجزة" بالتحقّق، و ها هو اقتصاد كوريا الجنوبية الآن، هو الاقتصاد الرابع في آسيا، ومن بين الاقتصادات العشرين الكبرى على مستوى العالم.
أخيراً .. لا تأبه سيدي رئيس مجلس الوزراء القادم لمن يقولُ لك: أنتَ وحيد، وليس هناك من "كتلةٍ برلمانيةٍ" تدعمك. في هذا الأمر أرجو أن تكونَ على ثقةٍ من أنَ العقول الجميلة لدى خيرة شباب هذا البلد، اضافةً لـ "شيوخِ" الخبرةِ فيه ستقفُ معك، وتشدُّ أزرك.. وأرجو أن لا تشُكّ لحظةً واحدةً أنَ الملايينَ من العراقيّينَ، ممن يحبّون هذا البلد حبّاً جمّاً، سيعملونً معك بإخلاصٍ، دون صخَبٍ أو مِنّة.
بوسعكَ أن تفعلَ ذلك.. عندما تقرّرَ أن تفعلَ ذلك .
إن لم تستَطِع ذلك، لا تقبل "التكليف"، وتُجلِّل نفسكَ بالعار.
أنتَ بطبيعةِ الحال ستحتاجُ الى مكنسةٍ هائلة، ولا شيء آخرَ غير مكنسةٍ هائلة.. عندما تَسُدُّ "الأزبالُ" الأفاقَ كلّها، كما هو حالُ العراق الآن.
واجبكَ أنتَ.. أن تبحثَ عن هذه "المكنسة".
وواجبنا نحنُ.. أن نكنُسَ معك ..
عندما تحينُ لحظة "الكَنسِ" العظيمة هذه.
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- التكتيكات الإيرانيّة تُربِك منظومة الدفاعات الصهيو-أميركيّة
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى