الصوم عبادة فرضها الإسلام وجعلها من أركان الدين , والعبادات بصورة عامة إضافة لكونها طاعات واجبة فهي تربي في الفرد الإرادة اللازمة لإبقاء الوازع الداخلي المحرك لسلوك الإنسان يقظا وفاعلا ومنسجما مع العقيدة والشريعة في إحقاق مايقع في خط التقوى والصلاح وإبطال ماهو في دائرة الباطل والفساد .
فهي تلبي الحاجة للإرتباط بالله , والموضوعية في القصد وتجاوز الذات , والشعور الداخلي بالمسؤولية لضمان التنفيذ , وقد ثبت الشهيد محمد باقر الصدر هذه النقاط الثلاث في نظرته العامة في العبادات. والعقيدة كي تتجسد في السلوك لابد لها من تمارين تقوي الإرادة وتجعلها نافذة دوما , وتبعث الوعي الروحي في حركة الإنسان الحياتية , ليستحضر أبرز تجليات الإيمان العملي بإنه إن لم ير الله فسبحانه يراه في كل تفاصيل الحياة وكل عنصر من عناصر مسيرة الإنسان , والعبادات تقوم بهذا الدور لإنها مشروطة بالنية الخالصة وهذا مجالها بين الإنسان والخالق عز وجل , وهذا هو الضمان لشعوره بالمسؤولية الداخلية التي تتجاوز كل أدوات الضبط والتنظيم والمراقبة على الصعد القانونية والإجتماعية .. من هنا يتجسد أمل الانسان في التغيير مستدعيا القيم الإيجابية التي تدعو لها الأديان كالصدق والإستقامة والأمانة والمسؤولية وطلب العلم واعمال العقل والعمل في سبيل الإنسان الذي هو سبيل الله الغني عن عباده , ففي الحديث عن رسول اللة (ص) « الخلق عيال الله , وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله » . وفي الوقت الذي يغرس فينا الدين الثقة في التغيير الإيجابي للواقع ويزودنا بالطاقة التي تحتاجها إرادة التغيير , فانه في المقابل يؤكد أن ذلك لايكون تلقائيا ولاتتساقط ثماره على الجميع , وإنما يرتبط بمقدار ما نغيره في نفوسنا باتجاه التزكية بعيدا عن الفساد والسلبية ليتحقق فلاح الذات وصلاح المجتمع وصدق الله العظيم إذ يقول” قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها “
هنا لابد من القول بضرورة إعادة ترتيب الفكر والسلوك في فهمنا لشهر رمضان الكريم وتعاطينا معه كمقدمة ضرورية للتعبئة الفكرية والروحية ما نواجه به كل شهور وايام السنة , فلنمتحن أنفسنا , كم نحقق في سلوكنا من مصاديق الصوم الأكبر , بالإبتعاد عن الصفات والأعمال القبيحة من الكذب والغيبة والنميمة وعدم التثبت وإطلاق التهم بدون بينة وإثارة الشائعات والترجيفات؟ ومدى تحركنا على خط التقوى خاصة في حال إمتلاك بعضنا لمواقع المسؤولية وحالات القدرة على الأصعدة السياسية والمالية والإجتماعية ؟.. هل يراقب هؤلاء أنفسهم في كل يوم وكل ساعة ويخضعونها للحساب الدقيق في أي إتجاه تتحرك ؟ هل تتجه لتضييق الدوائر التي تندرج في إطار المحرم دينا وعقلا مما يعد في صلب السياسة وإدارة شؤون الناس ومصالح الوطن , من هدر وسرقة المال العام والإستهانة بمصالح الناس بوضع من لايستحق بوظيفة مهمة وإحتكار المواقع والمنسوبية والمحسوبية والرشوة ؟ أم انه لم يحرك ساكنا بل يحاول التوسعة والإمتداد في إستخدام الموقع العام لصالح الذات الشخصية والجهوية وترسيخ المحاصصة المتعارضة مع مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص , والمؤثرة سلبا على البناء المؤسسي للدولة والمعيقة للتنمية والمقدمة للقاصرين وعديمي الكفاءة والمبعدة لأهل التخصص والقدرة على الإنجاز والحامية للمفسدين والمتلاعبين بالمال العام .. وتسأل وماذا عن الذي يصوم النهار ويقوم الليل ويدعي الالتزام بالموازين الشرعية لكنه لايضع حدودا واضحة لاتقترب من ما يستقبحه العقل ويدينه المجتمع من ضعف الشعور بالمسؤولية تجاه الموقع والوظيفة والمال العام ؟ والجواب على ذلك أن الإنسان كل متصل في فكره وسلوكه وعواطفه وإي إختلال في ذلك سينعكس سلبا ويثقل ضميره , ولو لم ينعكس الدين والعبادة إيجابيا في ردعه عن الدوائر التي تخلو من الكرامة والمسؤولية تجاه البناء الصحيح لمؤسسات الدولة , وحماية المال العام واستغلاله بطريقة مثلى لصالح المواطن وعدم توظيف الطاقات البشرية الكفوءة في خدمة الناس وتنمية المجتمع وبناء العراق , فاية وظيفة إجتماعية تنتظر من هذا الشكل للتدين ؟ وأين أثر التقوى في عبادته وصيامه وماذا يفهم من قوله تعالى « كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلّكم تتقون » أليست التقوى أن يجدنا الله حيث أمرنا ويفقدنا حيث نهانا , في التواجد على خط العدل والأمانة والمسؤولية في إعطاء الفرص وفق الأسس الصحيحة وإستخدام أموال الدولة بالطريقة المثلى , بالسير فعلا في طريق إمام وخليفة المسلمين علي (ع) حين يقول \" ألا وإن إعطاء المال في غير حقه تبذير وإسراف وهو يرفع صاحبه في الدنيا ويضعه في الآخرة ..\".
وهل تنسجم التقوى مع التوسل بوسائل غير صحيحة للوصول إلى الأهداف والمقاصد السامية وعلى فرض تحقق نية الإصلاح ؟
أقرأ ايضاً
- ثورة الحسين (ع) في كربلاء.. ابعادها الدينية والسياسية والانسانية والاعلامية والقيادة والتضحية والفداء والخلود
- التداعيات السياسية بعد قرار المحكمة الاتحادية
- العملية السياسية تستعيد عافيتها !!