
مع تصاعد وتيرة التهديدات الأمريكية بشن هجمات على إيران، ووضع الأخيرة صواريخها في حالة استنفار، يجد العراق نفسه في قلب منطقة تتصارع فيها مصالح كبرى القوى الدولية والإقليمية.
وفي هذا الإطار، كشفت مصادر مطلعة، اليوم السبت، عن وساطة عراقية بين طهران وواشنطن لتهدئة التوتر بين الطرفين وتفادي الأضرار المترتبة جراء كون العراق في موقع الوسط.
وذكرت المصادر بحسب صحيفة “الأخبار” اللبنانية، إنه “تتصاعد في الداخل العراقي المخاوف من تأثيرات مباشرة، قد تطاول أمن البلاد واقتصادها واستقرارها السياسي من جراء ذلك الصراع”، مبينة أن “الإطار التنسيقي، يخشى من أن يؤدّي أي تصعيد عسكري جديد إلى استهداف العراق مجدّداً، أو إلى توتّر أمني ينعكس سلباً على الحياة اليومية والاستثمارات والأسواق المحلية”.
وأضافت أن ” هناك اجتماعات مكثّفة أجرتها القوى المشكّلة للإطار التنسيقي خلال أيام العيد، لمناقشة تلك التهديدات وبحث التطورات المتسارعة وسبل حماية العراق من تداعياتها”، مبينة أن “هناك شبه اتفاق على عدم التدخّل أو الانحياز إلى إيران، ومراعاة سيادة البلاد والحفاظ على أمنها، وهذا يتوافق مع رؤية الحكومة الحالية”.
وأوضحت أن “الاجتماع ركّز على أهمية النأي بالعراق عن أي صراع إقليمي محتمل، وضرورة توحيد الموقف السياسي تجاه أي محاولات لزجّ البلاد في أتون مواجهة بين واشنطن وطهران”.
وتابعت أن “قادة الإطار طرحوا جملة مبادرات، أبرزها التحرك عبر القنوات الدبلوماسية لتخفيف حدة التوتّر، وتفعيل دور الحكومة العراقية في التوسّط بين الطرفين”، وفقا للصحيفة.
وبالتوازي مع ذلك، تبادل قادة سياسيون فاعلون زيارات خلال الأيام الماضية؛ ومن بين هؤلاء النائب الأول لرئيس مجلس النواب، محسن المندلاوي، والأمين العام لمنظمة “بدر”، هادي العامري، ورئيس تيار الحكمة، عمار الحكيم، والأمين العام لحركة “عصائب أهل الحق”، قيس الخزعلي. وجرى خلال الزيارات بحث التحدّيات التي تواجه البلاد، فضلاً عن أولويات المرحلة المقبلة، والتشديد على أهمية تعزيز وحدة الصف لضمان استقرار البلاد.
وحذر الأمين العام لمنظمة بدر، أحد أقطاب “الإطار التنسيقي” ، هادي العامري، في 2 نيسان الجاري، من خطورة اندلاع حرب بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، مشيراً إلى أن هذه الحرب لن تقتصر على طرفي النزاع، بل ستمتد نيرانها لتُشعل المنطقة.
وكان رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، قد أجرى اتصالاً هاتفياً مع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، مطلع الشهر الجاري، تبادلا خلاله التهاني بمناسبة عيد الفطر المبارك وبحث مجمل العلاقات الثنائية بين البلدين وتطورات المنطقة، حيث أكدا على تعزيز العلاقات الأخوية بين البلدين وبين باقي الدول الإسلامية والجارة، وإحباط المؤامرات التي تحاول زعزعة الاستقرار وإثارة الخلافات بين دول المنطقة.
كما شهدت قاعدة عين الأسد الجوية الواقعة في بلدة البغدادي في محافظة الأنبار غرب العراق، باتجاه الحدود مع سوريا، خلال الأيام الماضية، تعزيزات عسكرية أمريكية شملت منظومات دفاع جوي متطورة.
وذكرت “صحيفة العالم الجديد”، أن “نشاطا مكثفا لطائرات الشحن الأمريكية لم يهدأ داخل القاعدة، حيث تزامنت التعزيزات الأمريكية مع تصاعد التهديدات المتبادلة بين إيران والولايات المتحدة.
وأشارت إلى أن “تعزيزات الدفاع الجوي الأمريكية تهدف لمواجهة هجمات مؤكدة إما من طرف الفصائل العراقية أو من طرف إيران، في حال تعرضت هذه الأخيرة لهجمات أمريكية.
واوضحت المعلومات السياسية في بغداد إن “الحكومة العراقية لا تريد استخدام الأراضي والأجواء العراقية لضرب إيران، وإن محادثات عراقية أمريكية تجري بهذا الخصوص”.
وحذر المرشد الإيراني علي خامنئي، في 31 آذار الماضي، الولايات المتحدة حال قصفها إيران بأنها ستواجه ردًا قاسيًا للغاية.
وقال خامنئي في خطبة صلاة العيد من مصلى طهران إن “أي محاولات للعدوان ستواجه بردود متناسبة”، مشيراً إلى “استعداد إيران للتعامل مع أي تهديدات عبر ضربات قوية تعكس قدرتها على الدفاع عن أمنها ومصالحها”.
ووصف المرشد الإيراني، التهديدات الأخيرة التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بقصف إيران إذا لم تتفاوض، قائلاً: “العدو يهدد بالشر، ولكن إذا حدث أي تصعيد أو شر، فإنه سيواجه ردًا قاسيًا للغاية”.
وهدد ترامب مؤخرا إيران بفرض رسوم جمركية إضافية، إلى جانب التلويح بالتصعيد العسكري.
وتأتي هذه التطورات في ظل الضغوط التي تواجهها طهران بعد تصاعد التوتر في المنطقة منذ اندلاع الحرب في غزة في أكتوبر 2023.
وأعلن ترامب، الأسبوع الماضي، بدء ضربات عسكرية واسعة النطاق على جماعة الحوثي اليمنية المتحالفة مع إيران، بسبب هجمات الجماعة على سفن الشحن في البحر الأحمر، وحذر طهران من تحميلها المسؤولية إذا لم تكبح جماحهم.
ومنذ عودته إلى البيت الأبيض في كانون الثاني الماضي، أعاد ترامب العمل بسياسة “الضغط القصوى” التي تستهدف عزل إيران عن الاقتصاد العالمي ووقف صادراتها النفطية.
وفي فترة ولايته السابقة بين عامي 2017 و2021، انسحبت الولايات المتحدة من اتفاق مهم بين إيران وقوى دولية كبرى فرض قيودا صارمة على الأنشطة النووية لطهران مقابل تخفيف العقوبات، وبعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في عام 2018 وإعادة فرض العقوبات، كسرت إيران هذه القيود وتجاوزتها بكثير، لكنها تنفي باستمرار سعيها لامتلاك أسلحة نووية.
وأجرى قائد الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني زيارة خاطفة غير معلنة إلى بغداد، في 19 آذار الماضي، وعقده اجتماعا مهما مع قيادات في الإطار التنسيقي وبحضور قادة الفصائل والحشد الشعبي الى جانب حضور السفير الإيراني في بغداد، وبحسب وسائل إعلام، فإن الاجتماع أكد على ضرورة التزام العراق بجانب الحياد وعدم التدخل في الملف السوري إلى جانب ضبط الملف الأمني ومنع أي اجتهادات خارج إطار الدولة.
ونقلت صحيفة “الشرق الأوسط”، عن مصادر في حينها، تحذير إسماعيل قاآني، لقادة فصائل عراقية من أن “هجمات الجيش الأمريكي ضد منشآت تابعة لجماعة الحوثي قد ترتد سريعا على بغداد”، مطالبا بعدم القيام بأي نشاط عسكري خلال هذه المرحلة الحساسة، وفي تطور متزامن قالت المصادر إن جماعة “الحوثي” أخلت مقرا استراتيجيا في أحد الأحياء الراقية وسط بغداد، وقد تغلق مقرين آخرين بعد ضغوط من “الإطار التنسيقي”.
وكان الباحث في الشأن السياسي مجاشع التميمي، أكد في تصريح سابق، أن “السبب الرئيس من زيارة قاآني هو لتعزيز التنسيق بين الفصائل المسلحة والحكومة لضمان استقرار العراق ومواجهة التحديات السياسية والأمنية المقبلة، لأن العراق يعد رئة إيران في موضوع فك الحصار الأمريكي عليها جراء العقوبات، لكن لغاية الآن فإن الولايات المتحدة تبدو مصرة على محاسبة ومحاصرة إيران”.
الجدير بالذكر أن وسائل إعلام كشفت عن مصادر مختلفة، في 17 آذار الماضي، عن إيصال وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيغسيث رسالة تحذير شديدة اللهجة إلى السوداني، خلال اتصال هاتفي، ووفقا للمصادر فإن “هيغسيث أبلغ السوداني، بأن أي تدخل للفصائل المسلحة العراقية، بشأن الاستهداف الأمريكي ضد الحوثيين في اليمن، سيدفع واشنطن لرد عسكري سريع ضد تلك الفصائل داخل العراق، ولذا يجب منعها من أي تدخل كما حصل سابقا في حرب لبنان وغزة”.
وأضافت المصادر، أن “وزير الدفاع الأمريكي شدد على السوداني بضرورة الإسراع بحسم ملف نزع سلاح الفصائل المسلحة والعمل على تفكيكها، وأكد أن هذا الملف محل اهتمام كبير لدى الرئيس ترامب وإدارته، فيما أكد السوداني بأن الحكومة تعمل على ذلك ولديها حوارات مع الأطراف المسلحة للوصول إلى اتفاق بهذا الخصوص”.
أقرأ ايضاً
- المصارف العراقية وواشنطن.. هل ستؤدي "المصالح الحزبية" لأزمة كبيرة؟
- حصول زعيم "قسد" على الجنسية العراقية يكشف عن فساد في دوائر التجنيس
- صراع دولي وشبهات فساد.. هل تفشل الاتفاقية العراقية الصينية؟