بوصفي انسانا وهبته الايام وعيه ، في ذروة ما مر به العراق من محن ومصائب ، درجت على رؤية عيوب الحكام والمسؤولين الحكوميين بمختلف مستوياتهم ، صغارا و كبارا .
وكنت حينذاك ، ايام البعث، ادهش ايما دهشة بل اكاد لا اصدق ان تبدر من مسؤول حكومي بادرة سوء ، ولطالما تساءلت : ترى لماذا يتصرفون على هذا النحو ؟ وهم يمتلكون دولة لا ينقصها شيء البتة ، باستثناء ان يتحلوا بضمائر حية من اجل ان يمهدوا الطريق لابنائهم واحفادهم واحفاد احفادهم ! لم افكر ابدا بما يقدمونه لابناء جلدتهم وبلدهم ، كانت الفكرة الاساسية هي ان يهتموا بمصير اقربائهم فقط ! كنت اقول انها الفكرة الاكثر التصاقا بالواقع ، لان الانسان مهما بلغ به داء عدم الاكتراث للاخرين ، فلا بد له من الاكتراث لامر اقربائه . كلما رأيت احد ابناء مسؤولي ذلك العهد يمرح ويتجاوز حدود حقه وحقوق الاخرين ، ايقنت بسواد ومآل مصيرهم . لست ممن توفروا على مزايا خاصة ، او من الذين ينظرون بنور الله ويستطيعون سبر اغوار البشر ومصائرهم في هذا العالم ، لكن من بين قناعاتي النادرة في مصير الانسان هو ان يحصد تماما ما زرعته يداه من دون زيادة او نقص بمقدار حبة . اذا ما استثنينا سهام المقادير ، فهي تحترم الناس دون تمييز .ترسخت وكبرت لدي تلك القناعة ، حين رأيت عدي وقصي نجلي صدام وهما لا اكثر من اشلاء ممزقة على احد اسرة الجيش الاميركي الطبية ، اذ بذل اطباء التجميل لديه ، خلاصة ما امتلكوه من خبرة ، كي يعيدوا ترميم تلك الاشلاء حتى يصدق الناس ، وحتى تؤكد الايام ولعها بالثأر الرهيب على من بغى ، وتذكر الناس بمقولة ، ان من يزرع الشوك لايحصد به عنبا .حين يذكر صدام وعائلته والمثل الذي ضربوه ، فاننا لسنا بحاجة لامثال اخرى ، صدام مثل صارخ ، لكل تهور وظلم وسوء الادارة والتصرف ، وهو نموذج يجدر بكل مسؤول التوقف عنده ، لانه نموذج لا يمكن لاي مسؤول الوصول الى حدود قوته ونفوذه وسطوته . والجميع رأى كيف آلت الامور بصدام وعائلته ، مآلاً مراً وشائناً وعاراً . حيث قتل وسجن وشرد اغلب افراد اسرته .بتقديري لو احب صدام عائلته حسب ، لما تصرف على ذلك النحو ، لكنه لم يحب احداً .
شاع اعتقاد مخل وساذج ، لدى اغلب ساسة العراق منذ العهد الاول لتأسيس الدولة والى اليوم ، مفاده ان السلطة مغنم وفرصة للاثراء والنفوذ اولا ، ومن ثم يأتي بالدرجة الاخيرة من سلم الاولويات معنى شرف ومسؤولية المنصب ان وجدت اصـلا .
ولهذا السبب بالتحديد صار العراق مضربا للمثل ب (سحل وحرق وقتل ) قادته ومسؤوليه ايام الزلزال وتبدل الاحوال .يخطئ المسؤول حين يعتقد ، ان الثراء سيمنحه وعائلته السعادة لانه لم يمنح صدام ، ويخطئ من يعتقد ان النفوذ والقوة والتسلط سيمنحه الامان ، لانه لم يمنح صدام وعائلته كذلك .نريد من المسؤول في العراق ان لايحب الناس جميعا ، نريده فقط ان يحب عائلته واهله ، لان حبهم سيضمن له ان يعمل بشرف وجد ، كي يضمن لهم عيشا كريما بلا ادنى شك ، وهذا ما علمتنا اياه الايام وصدام.
أقرأ ايضاً
- خليجي 25.. دروس خالد والبصرة ودرجال
- دروسٌ وعِبر مِن المونديال
- الإدارة المالية الإتّحادية في العراق: أزمات المال والسياسة والموازنة