- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
السيدة زينب عليها السلام زهرة من روضة الرسالة المحمدية
ليس ظهور العظماء محض صدفة، إنما يأتي بناءً على عناصر مؤهلة، كالأصل الطيب والتربية الناجحة وصقل شخصية الفرد لنفسه وترويضها فضلاً عن الصفات الاكتسابية التي يأخذها نتيجة الاحتكاك بها عن طريق سلوك الوالدين، وهذه الصفات كلها كانت متوفرة في شخصية عقيلة بني هاشم زينب بنت أمير المؤمنين (عليهما السلام) فهي وليدة النورين والتي اخذت تربيتها منهما، فإذا كانت الفتاة اكثر تأثراً بأمها بأخذ الصفات والخصال منها، فما بالك بأم هي سيدة نساء العالمين، ولا عجب ان كانت ابنتها سيدة نساء عصرها.
*الشجرة الطيبة لا تثمر إلا الطيّب
أوليست هي التي كانت ترافق أمها وهي تلملم جراحها، وتتحمل الآلام، وهي تسارع الى أمير المؤمنين (عليه السلام) لتمنع القوم من إكراهه على البيعة، ألم تشاهد كيف ضُربت أمها على متنها بالسياط لتتوقف عن اللحاق بزوجها أمير المؤمنين وقد أخذه القوم ليبايع في المسجد عنوةً.
بلى... كانت زينب الى جانب أمها الزهراء (عليها السلام) حين أنشدت ذلك الخطاب الصاعق في مسجد ابيها بالمدينة، وهي التي روت من بعد تفاصيل ذلك الخطاب الذي رسم في ذهنها وهي بعدُ طفلة صغيرة، معالم الطريق الرسالي بكل بوضوح وشفافية، فكانت مسيرتها أولاً؛ مع أبيها أمير المؤمنين من المدينة الى الكوفة التي حُظيت لأن تكون حينها عاصمة دولة العدل الإلهي، والمسيرة الثانية كانت مع شقيقها الحسين (عليه السلام) أيضاً من مدينة جدها لكن هذه المرة الى كربلاء حيث الملحمة التاريخية المدوّية، ثم مسيرة السبي المفجع الى الكوفة التي تحولت الى جيب عسكري للدولة الأموية، ومنها الى الشام، ثم كانت العودة الى المدينة، إنها بحق نسخة متطورة لمسيرة أمها فاطمة (سلام الله عليها)، من البيت الى المسجد، ومن المسجد الى البيت، ومن قبل تطوافها على بيوت الانصار طالبة منهم نجدة الحق.
وكان خطابها في الشام، وأمام الطاغية الأموي يزيد نسخة مصغرة من خطاب أمها الزهراء (عليها السلام) في المسجد النبوي؛ فاللغة والمفردات، والمفاهيم والاهداف، و الشجاعة والحكمة، والاثارة والاستنهاض، كلها كانت حاضرة في تلك المسيرة، وزادت البنت على أمها انها كانت أسيرة مكبلة، مفجوعة بأعز الناس، ولكنها عادت فأسرت آسريها، وقيدت مكبليها، وقهرت قاتلي أهلها بالكلمة الحق، وحسن التوكل على الله، وكفى به وكيلا.
في بيت عبد الله بن جعفر
لقد جاء النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) الى أسرة جعفر بن أبي طالب بعد استشهاده وقال بحقهم هذه الكلمة عندما زارهم: (انا وليهم في الدنيا وفي الآخرة)، ثم قام الامام أمير المؤمنين بكفالتهم من بعده، أوليس هو الوصي والوارث والولي من بعده؟، وكان من بين أولاد جعفر عبد الله، فقد كان مباركا حيث قال له النبي عند استشهاد والده: (... وأما عبد الله فيشبه خلقي وخلقي)، كما دعا له (صلى الله عليه وآله) بقوله: (اللهم اخلف جعفرا في أهله، وبارك لعبد الله في صفقة يمينه)، وقالها ثلاثا، لذا كان عبد الله ثرياً لنجاحه في أعماله، وكريما الى أبعد الحدود وقد ضربت به الامثال في الكرم، ومشت الركبان بقصص كرمه حتى لم يجد اعداؤه من بني أمية طريقاً للطعن فيه الا نسبوه الى الاسراف لكثرة كرمه وعظيم جوده!
فقال فيه الشاعر:
ولو لم يكن في كفه غير روحه لجاد بها فليتق الله سالكه
*زواج العقيلة
هذا عبد الله وهذه صفاته، وها هي زينب كبرى بنات عمه أمير المؤمنين (عليه السلام)، قد بلغت مبلغ النساء فتقدم اليها عبد الله، ولم يتردد الامام (عليه السلام) في الاستجابة، وبالذات لانه روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) انه نظر مرة الى اولاد بني هاشم فقال: بناتنا لأبنائنا وابناؤنا لبناتنا، وها هم اليوم يحققون أمنية الرسول الأكرم، فاذا بالامام يزوج ابنته لابن عمه، ولم يذكر التاريخ شيئا من تفاصيل الزواج ولم يتجاوز ما كان في زواج فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) لانه كان المثل الاعلى لزيجات ابنائها الكرام (عليهم السلام جميعا).
ولم يذكر التاريخ ان الامام علياً (عليه السلام) اشترط على عبد الله شروطا معينة، ولكننا نستطيع ان نتنبأ بتلك الشروط من خلال الدور المرسوم سلفاً لسيدة كربلاء زينب (سلام الله عليها)، وهكذا لم يتردد عبد الله بن جعفر لحظة عندما عقدت زينب العزم على مرافقة أخيها في قيامه ضد الطاغية يزيد، وبعث بأبنيه الرشيدين الذين استشهدا مع خالهما وسيدهما الامام الحسين (عليه السلام)، وكان فخورا بشهادتهما في ركاب السبط الشهيد، وقد انجبت العقيلة زينب اربعة من البنين: عليا ومحمدا وعونا الاكبر وعباسا وفتاتين، وان النساء كُن يختلفن عليها لتلقي عليهن التعاليم الدينية، وقد هاجرت مع ابيها و زوجها الى الكوفة وقد شارك زوجها عبد الله في الدفاع عن الامام امير المؤمنين في حروبه ضد البغاة وكان من امراء جيش الاسلام في تلك الحروب.
كل هذه الصفات كانت مقدمة لأن تتحمل العقيلة زينب كل تلك المصائب العظيمة التي احتسبتها عند الله في واقعة الطف، ومنذ تلك اللحظة عرفت زينب ان مسؤوليتها توجب عليها الصبر فجلدت واحتسبت الله في صبرها، فقد رسمت عقيلة بني هاشم (ع) أروع صور الإيمان والبطولة والإباء في مواقف رسمت على صفحات الحضارة الانسانية لوحة زاهية الألوان، وأضحت الملامح لكل انسان يريد بيقين أن يختار طريقه في الحياة، هذه المواقف التي أسست منهجاً راقياً لمن أراد أن يؤمن بالغيب واليوم الآخر ويرى جمال الحكمة.
أقرأ ايضاً
- التعدد السكاني أزمة السياسة العراقية القادمة
- كيف تكفي 10 دولارات احتياجات المواطن؟
- المسرحيات التي تؤدى في وطننا العربي