- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
استقالات بالآجل.. سوء المصير في غياب الضمير
بقلم: بركات علي حمودي
لم يشهد التاريخ السياسي العراقي منذ تأسيس الدولة العراقية على يد الملك فيصل الأول، هواناً واستخفافاً بعقول ومصير الشعب الا بعد تاريخ 2003 الذي اثبتت الاحداث انه تاريخ سيء الصيت، بعد ما حكمتنا طبقة سياسية في الحقيقة ما هي الا وريثة نظام مجرم وفاسد مثل نظام صدام.
اليوم .. وقد كان من المفترض اننا في عصر الديمقراطية (الصرفة) التي لا تتأثر بشخصية الحاكم الأكبر الذي يقود الهرم الأعلى للسلطة في العراق، بل من المفترض ان عمليتنا السياسية ومؤسسات الدولة وساستنا أي (ممثلينا) في البرلمان، جميعهم رهينة صندوق الاقتراع فقط لا غير وهي بطبيعة الحال نتاج الديمقراطية !
غير ان من هوان الديمقراطية في العراق، ان تكون ادواتها رهينة القائد او الزعيم السياسي وليس رهينة صندوق الانتخابات واختيار الناخب، فأصبحت العملية السياسية بالحقيقة تدار خارج اسوار البرلمان، في بيوت (الحُجاج والسيادة والشيوخ) وليس تحت قبة البرلمان، بل اصبح نواب البرلمان، اشبه بما كان يسمى (المجلس الوطني) ابان حكم النظام السابق، عندما كان المجلس صوري فقط لتمجيد رأس السلطة، اما السلطة الحقيقية فقد كانت بيد رئيس الجمهورية الحاكم الأوحد منذ سقوط الملكية وحتى سقوط صدام حسين!
وبالتالي، فقد اصبح النائب البرلماني بعد 2003 مجرد رقم لزيادة كفة هذه الكتلة على تلك الكتلة من اجل ان يكون الموقع التنفيذي الأكبر لهذه الكتلة او تلك الكتلة من المكون الأكبر كما سار عليه العرف السياسي (و إن كان هذا العرف يميل لمن هو اقوى على الأرض فأصبحت الكتلة الأكثر عدداً ليست بالضرورة من تشكل الحكومة، بل الحكمُ للأقوى على الأرض)!!!
وبذلك، فقد اصبح زعيم الكتلة هو المتحكم الأول بالكتلة السياسية التي هي غالباً كتل سياسية (طائفية)، حيث الزعيم هو من يعين وينهي، وبيده على الاغلب رقاب نوابه حتى وصل الهوان بنوابه بأن (يوقعون على كتب استقالاتهم دون تاريخ) ليكون النائب رهين زعيم كتلته، متى ما خرج النائب عن طاعة زعيمه، يقوم الزعيم (بحز رأس نائبه سياسياً) وذلك بكتابة تاريخ اليوم بالاستقالة، ليُنهي بذلك عضويته بكل سهولة ويُسر وبتوقيع النائب نفسه !
والعيب هنا ليس فقط بزعيم الكتلة، بل بالنائب نفسه الذي استرخص نفسه وقدم فروض الولاء والطاعة لزعيمه من اجل فسح المجال له بأن يكون ضمن قائمة سياسية لديها القدرة على كسب الأصوات قِبال ان يكون فيها دمية يتحكم فيها الزعيم، وبالتالي يكون فوز هذا المرشح سهل نسبياً وافضل من ان يغامر في قائمة اخرى قد لا تملك المال السياسي الذي يشتري ذمم الكثير من الناخبين !
لا بل اصبح الإفصاح عن هذه الدناءة والفضيحة السياسية طبيعياً، فالنائب يخرج على التلفاز ويبرر توقيعه لكتاب استقالته دون تاريخ ووضعه بيد زعيمه السياسي.
والأنكى من ذلك ان النائب الذي اقصده وهو (ليث الدليمي) والذي وقع على استقالته زعيم كتلته محمد الحلبوسي، كان يبرر من باب انه مظلوم وانه وقع على الاستقالة في تاريخ قديم وان ما حدث هو اجحاف له، والمضحك في الامر، ان زملاء هذا النائب من كتل سياسية أخرى كانوا حاضرين معه فتناقشوا على الهواء قضية الاستقالة و كيف كتبها ووقعها دون خجل من وعي وادراك المشاهد العراقي، فلم يتساءل زملاء السيد النائب الدليمي، انك كيف تكتب هكذا استقالة لتقبل على نفسك هذا الهوان ؟
بل تناقشوا فقط متى كتبها ولماذا كتبها ومن استخدمها وكأن الامر طبيعي !
فأصبح بذلك المواطن العراقي كمن يشاهد مسلسل مدبلج ممل عن مافيات لا تعرف معنى القيم والمبادئ، ليشاهد هذا المواطن مظلومية النائب المسكين دون مشاهدة ظلم هذا النائب لأصوات من انتخبه من المواطنين، لان المسلسل ممنتج بحسب الإخراج المُعد سياسياً !
وتستمر الكوميديا السوداء في كل هذا، فيطل علينا رئيس كتلة مثل (ابو مازن) يدين ما اقدم عليه الحلبوسي من تفعيل استقالة الدليمي واعتبرها دكتاتورية نرجسية، بينما هو ذاته خرجت لنا مقاطع فديو كيف ان عمار الجبر محافظ صلاح الدين السابق، يقسم له على القرآن الكريم بالولاء لأبو مازن، و كذلك ظهر مقطع فيديو اخر لـ(صالح الجبوري) وزير الصناعة في حكومة عادل عبد المهدي كذلك يقسم لأبو مازن بالولاء و الطاعة، ليستمر هذا النهج حتى في مؤسسات الدولة غير الحزبية !
وبناءاً على ما تقدم، يظهر جلياً ان هذه القضية هي قضية عادية ولا يخجل منها الساسة ويجدون المبررات الدائمة لها، واصبح الحديث عن ولاء وكيل الوزارة والمدير العام والضابط الفلاني وآمر القاطع الفلاني، للزعيم السياسي س او ص، قضية روتينية لا تحتاج لإثبات، وهذا ما يفسر لنا سقوط الموصل ذات يوم، وسقوط معنى الدولة كل يوم !
أقرأ ايضاً
- الاتحادات الفرعية بين الغياب والتغييب
- الاسوء على المركز والأكثر نفعا للإقليم.. ملاحظات حول الموازنة العامة الاتحادية – الجزء الرابع
- حكومة تصريف الاعمال وغياب الرقابة عنها