"طكت المحولة" عبارة لازمت العراقيون منذ اكثر من ثلاثين عاما وهي عبارة تخلق لدى العائلات القلق والهم والنفور من الوضع المزري لشبكة الكهرباء الوطنية، هذه العبارة تتردد عندما تتعرض محولات توزيع الكهرباء في المناطق السكنية الى الاعطاب او الانفجار او الاحتراق فتخلق حالة من الهلع مصحوبة بحفلة صعقات وشرار يشبه الاحتفال برأس السنة، لكنها تعلم الجميع انهم سيحرمون من الكهرباء الوطنية المجهزة لمناطقهم لان عدد المحولات التي تحترق وصلت الى مئات الالاف ولا توجد جهة يمكنها اصلاحها واعادها الى الخدمة، ويلجأ الناس للاتصال يهاتف شكاوى الكهرباء ويأتي الجواب الجاهز انتظروا لحين توفر محولة جديدة لكم، وتعيش العائلات في جحيم الصيف والمرضى يعانون والرضع يصرخون وكبار السن يختنقون من الحر، ويتملكهم اليأس لان صاحب المولدة الاهلية لا يستطيع تزويدهم بالكهرباء والوطنية تغذي الحي، وامام هذا النفق المظلم والمعاناة المريرة التي اصبحت جزءا من حياتنا وبعد ثلاث عقود من الزمن والاذى الذي يصيب الناس بشكل مباشر خلال عطب تلك المحولات انبرت العتبة الحسينية المقدسة لزرع بذرة خير بدأت تكبر لتسد جزء من النقص الحاد في هذه المحولات عندما افتتحت معملا لاصلاحها بدأ باصلاح خمسون محولة شهريا ووصل الى اصلاح ثلاثمئة محولة شهريا ويسعى للوصول الى اصلاح الف مولدة شهريا وافتتاح معمل لانتاج تلك المحولات، ووفر للبلد مليارات الدنانير ومنع خروج العملة الصعبة من البلد، انها يد المرجعية الرحيمة التي تضع البلسم على كل جرح.
الفكرة والإنشاء
يتحدث مسؤول شعبة الكهرباء في العتبة الحسينية المقدسة المهندس كرار سعد علي السعدي لوكالة نون الخبرية عن هذا المنجز بقوله " بعد التعرف على الحاجة الماسة والملحة لتوفير مولدات التوزيع الخدمية في الشبكة الكهربائية والنقص الحاد في الاعداد المطلوب توفيرها نتيجة لاعطاب الاف منها سنويا في جميع المحافظات وخاصة في فصل الصيف، تولدت فكرة لانشاء ورشة او مصنع لاصلاح المولدات الخارجة من الخدمة المتكدسة في جميع مديريات الكهرباء في العراق وبكميات كبيرة جدا، واعادتها كمحولة بمواصفات تضاهي الجديدة او تتفوق عليها وتعود للعمل وبكلفة قليلة جدا، ومن هنا بدأ انشاء معمل نور الوارث لصيانة وانتاج المحولات الكهربائية التابع للعتبة الحسينية المقدسة في العام 2020 وطبقت على ارض الواقع بعد اعداد دراسة مستفيضة عنها وموافقة المتولي الشرعي للعتبة الحسينية المقدسة الشيخ عبد المهدي الكربلائي عليها وبوشر بالعمل بعد التنسيق مع مديرية توزيع كهرباء الفرات الاوسط التي تضم محافظات كربلاء المقدسة والنجف الاشرف وبابل والقادسية باعتبارها الجهة المستفيدة حيث كان الامر يقتصر في البداية على اصلاح المحولات العائدة لها فقط حسب طاقة الانتاج المتوفرة في المعمل".
طفرة في الانتاج
واضاف السعدي ان "شهر تشرين الاول من العام 2021 شهد ابرام اول عقد مع مديرية كهرباء الفرات الاوسط وبدأ العمل بسحب المحولات التالفة من المحافظات حسب جدول مبرمج بين الطرفين واعادة اصلاحها وانتاجها وبمواصفات تطابق مواصفات المحولات المستوردة والمعتمدة من قبل وزارة الكهرباء، ويمنح لها ضمان لمدة سنة واحدة وهي نفس مدة الضمان الممنوحة للمحولات المستوردة من الخارج واول عقد تضمن اصلاح (50) محولة شهريا وهو عقد مفتوح لم تحدد فيه الكمية الكلية وتمكنا من انجاز التزامنا بالعدد ثم بدأت زيادة كميات المولدات التي يتم اعادتها الى الخدمة بمواصفات عالمية ووصل الانتاج الكلي حاليا الى ( 300) محولة شهريا اي بمعدل ست اضعاف مما كنا ننتجه سابقا"، مبينا ان " خطة التطوير للمعمل تتصاعد مع الحاجة لزيادة الانتاج بعد ان وصلت الينا طلبات من مديرية كهرباء الوسط التي تضم محافظات الانبار وديالى وواسط ومديرية كهرباء الجنوب التي تضم محافظات البصرة وميسان وذي قار والمثنى، وهناك كم هائل من المحولات التالفة التي تحتاج الى اعادة تأهيلها وصيانتها".
تكاليف وتوفير
ولفت مسؤول شعبة الكهرباء الى ان "مبلغ اصلاح المحولة يشكل اقل من (20) بالمئة من كلفة المستوردة وعلى سبيل المثال ان المحولة التي يبلغ سعر استيرادها عشرة الاف دولار لا يصل مبلغ اصلاحها وصيانتها الى الفي دولار وهي عملية توفر مليارات الدنانير للدولة وتمنع خروج العملة الصعبة من البلد، وعلى هذا الاساس اصبحت الحاجة ملحة جدا لتوسيع المعمل ليتماشي مع حجم الطلب على المحولات، لذلك نحتاج الى مسقفات كبيرة جديدة ومكائن اضافية وآليات اكثر وساحات خارجية للخزن وعدد نقل ورافعات، ونحن نعتبر ان هذا المعمل هو نواة لدراسة متكاملة ومخططات جاهزة ستقدم الى المتولي الشرعي للعتبة الحسينية الشيخ عبد المهدي الكربلائي لاستحصال الموافقة ونأمل في العام المقبل لتنفيذ هذا المشروع والوصول الى انشاء معمل لانتاج محولات التوزيع الكهربائي بجودة اعلى من المستورد وباسعار وطنية مناسبة وبأيدي عراقية وصيانتها في وقت واحد، والملاكات العاملة حاليا هي خليط من الايدي العاملة التركية والعراقية ونعمل على الاستفادة من الايدي العاملة الاجنبية لتطوير الملاكات العراقية من منتسبي العتبة الحسينية والايدي الاجيرة، ومنذ افتتاح المعمل قبل ستة اشهر الى الآن تمكنا من اعادة (1000) محولة الى العمل، ونسعى الى الوصول الى اصلاح الف محولة شهريا، عازيا سبب النجاح الى التعاقد مع مستثمر محلي سهل الكثير من خطوات العمل سواء بالتمويل او تجهيز المواد الاولية والمعدات بسرعة بدون القيود الحكومية او غيرها".
طرق علمية
ويشرح السعدي خطوات العمل بقوله انها "تبدأ بطرق علمية حيث تجرد المحولة ومعلوماتها، فيتم تحديد مواصفاتها واعدادها ويتم توثيقها في سجل خاص، ثم تبدء عملية تفكيكها واخراج القلب الحديدي وافراغ الزيوت منها وغسل البدن الخارجي وارساله الى عملية حدادة لغلق اي ثقب او اصلاح اي خسف اي ضرر به، ويتم صبغة باصباغ خاصة بالمحولات، فيما يدخل الملف الى ورشة اللف ويفتح السلك التالف ذي القدرة العالية والسلك ذي القدرة الواطئة والصفائح الحديدية المغناطيسية تفتح على شكل وريقات وتنظف بالماء الساخن ويعاد تجميعها وتثبيت العزل للقلب الحديدي للمحولة ويعاد تثبيت الملف الواطئ وطبقة العزل ثم يثبت الملف العالي والطبقة العازلة ويغلق باحكام ويدخل في فرن لتجفيفه من كل المؤثرات الخارجية التي تولد الرطوبة ويبقى في الفرن في فصل الصيف لمدة ثماني ساعات بدرجة حرارة تصل الى (150) درجة مئوية وفي فصل الشتاء يبقى لمدة يوم كامل وبدرجة حرارة تصل الى (250) درجة ويستخرج بعدها ويوضع داخل البدن الحديدي في حوض الزيت الخاص المستعمل في محولات التوزيع الكهربائية الذي تصل درجة العزل فيه الى (76(KVA ويبقى الملف في الزيت لمدة 24 ساعة ليدخل الزيت في ادق المسامات الضيقة وتخرج كل الفقاعات ويوضع النقص الذي فقد من الحوض ويجهز بالعوازل الخزفية والاقطاب النحاسية ومقياسي الزيت والحرارة بعد اكمال الفحص عليها وتستبدل (الكازكيتات) لمنع النضح وتغلق بغطائها الخارجي وتصبح المحولة جاهزة وتذهب الى الفحص النهائي وتفحص عازلية ومقاومة والخسائر حديدية والنحاسية باجهزة حديثة ومتطورة ومختصة الكترونية بعد تغذيتها بالتيار الكهربائي باحمال عالية ويتم الفحص تحت اشراف الجهة المستفيدة ويتم استلام المحولات للجهة المستفيدة بعد احتساب كلفة التصليح".
المواد الاولية
واوضح ان " المواد الاولية المستخدمة في صيانة المحولات تستورد بمواصفات عالمية وبجودة وكفاءة عالية جدا لضمان جودة المحولات بعد تجهيزها، ومثلا ان الورق العازل للمحولة يستورد من الهند وتعد من ارقى المناشيء والزيت العازل يستورد من تركيا وايران وبنسبة عزل تصل الى (76 KVA ) وهي نسبة جيدة جدا وبنوعية مميزة، اما الاسلاك النحاسية التي تمثل اهم اجزاء العمل فتستورد من ايطاليا والعوازل الخزفية والنحاسية تجلب من مناشيء عالمية تركية وايطالية بمواصفات عالمية ومحول الفولتية من مناشيء المانية ".
قاسم الحلفي ــ كربلاء المقدسة
تصوير ــ عمار الخالدي
أقرأ ايضاً
- قدمت لهم (550) الف وجبة طعام :العتبة الحسينية تأوي (8300) وافد من العائلات اللبنانية في كربلاء المقدسة
- في ثلاث دول: العتبة الحسينية تنفق قرابة (8) مليار دينار على اغاثة الشعب اللبناني
- حققت (15) الف زيارة طبية: العتبة الحسينية تنفق اكثر من "ملياري" دينار على علاج الوافدين اللبنانيين(فيديو)