تعتبر العمامة أو ما تسمى بـ (الكشيدة) من أقدم ألبسة الرأس عند العرب عامة، ونظَر المسلمون في القدم للرجل الذي يبدو عاري الرأس من العمامة أو الكشيدة وكأنه ساقط المروءة تاركاً للآداب، وكانوا لا يحبذون خلعها وكشف الرأس إلاّ في المناسك تعبداً لله سبحانه وتعالى.
وجاء في كتاب (كشكول زنجاني)1 – فارسي – في عام 773 هـ وبأمر من الملك اشرف شعبان بن حسين ملك مصر تمّ وضع العمامة أو الكشيدة الخضراء للسّادة الأشراف التي اختيرت لهم تمييزاً عن شعار بني العباس الذين كان لباسهم السواد، وشعار اليهود الذين كان لباسهم الأصفر، وشعار النصارى الذين كان لباسهم الرمادي. وعلى اختلاف العصور تباينت الأزياء واختلفت بأشكالها وألوانها إلا إن (الكشيدة) لا زالت محافظة على أشكالها.
يقول الكاتب والمؤرخ (سعيد رشيد زميزم) \"تعتبر الكشيدة من الأزياء التي كان يعتمدها وجهاء المدن والقوم في زمن الحكم العثماني للعراق، وكان يطلق على من يرتديها بـ(ألجلبي) وكانت حينها ذات اللون الأصفر بينما كان لباس السادات الأشراف للكشيدة ذات اللون الأخضر،\" موضحاً، \"استمر ارتداء الكشيدة المعروفة حينها بـ(ألجلبي) بالنسبة للمقربين والموالين للحكام حتى مجيء الاحتلال البريطاني للعراق، إذ ساد بعدها ارتداء السدارة التي أصبحت بديلة للكشيدة، وهذا بالنسبة للوجهاء والمقربين من الولاة، فيما حافظ السادات الأشراف على ارتدائها حتى يومنا هذا\".
وأشار زميزم، \"انه عند تولي نوري السعيد رئاسة وزراء البلد قام باستبدال(الكشيدة والچراوية) التي كانت حينها معروفة أيضا بـ(السدارة) التي سميت حينها (بالسعيدية) لكثرة ارتدائها من قبله، بالإضافة إلى الحاشية الحاكمة حينها\"، مؤكداً \"إن الكشيدة موجودة في مصر وسوريا وتركيا وتصنف (العمة أو الكشيدة) على أنها من الموروثات التي يعتز بها\".
بينما يقول السيد \"محمد حسن الموسوي\" (65) عاماً من خدمة الإمام الحسين (عليه السلام)،\" توجت بالكشيدة منذ ما يقارب (58)عاماً، إذ تعتبر الكشيدة من تراثنا وأصالتنا التي تعد من أقدم الألبسة التي يعتمدها، وعلى وجه الخصوص خدمة أل البيت (عليهم السلام )، وإن تاريخها يعود لزمن الحكم العثماني للعراق، وبحسب معلومات توارثناها من أبائنا وأجدادنا أنها متداولة في العراق منذ ما يقارب (300) سنة، مبيناً، \"إن ما تتميز به الكشيدة في الوقت الحالي هو إن لبّاسها الآن هم من السادة الخدم في المراقد المقدسة وهي تحمل الوشاح الأخضر بينما اللون الأبيض يرتديه طلبة العلم والفقه بالإضافة إلى ذلك هو اللباس المعروف لدى مشايخ المذهب السني.\"
فيما يقول الحاج \"مهدي الحاج أمين\" والملقب بـ(أبو الكشايد) وهو لقب يطلق على صانع الكشيدة،\" تعد مهنة صناعة الكشيدة من المهن القديمة جداً والتي اشتهرت فيها مدينة كربلاء منذ القدم وهي مهنة متوارثة عن آبائنا وأجدادنا، ومن المشهورين في هذه المهنة هم (السيد وهاب والحاج علي أبو الكشايد والحاج محمد أمين الخراز) وكانت صناعة الكشيدة تتم على ما تسمى(الڤينة) ذات النوع النمساوي و(الجيكسلوفاكي) وهذا في القدم أي قبل ما يقارب خمسين عاماً ،\"موضحاً،\" كانت لمدينة كربلاء خصوصية في صناعة الكشيدة إذ كنا نقوم بصناعتها لكل من سوريا وإيران بالإضافة إلى المحافظات الموجودة داخل العراق\".
وتابع الحاج أمين،\" تمر صناعة الكشيدة بمراحل عدة معتمدة على الخبرات الموجودة لدى صانعها من حيث طريقة لفها وكيفية جعلها بالحجم المناسب، بالإضافة إلى ذلك كان هناك من يرغب بوضع الكركوشة فيها وهذا كان سابقاً أما ألان فتكون فيها فتحات في الأعلى وتسمى بـ(الدكمة)\".
مؤكداً، \"أصبحت مسألة ارتداء الكشيدة من الماضي والملاحظ يجد انه ليس هناك من يرتديها سوى السادة الخدم وعدد من الوجهاء القدامى الذين لازالوا يرتدونها وهم قليلون جدا في العراق\".
يذكر إن السيد \"محمد شريف\" متولي مصر كان يجعل السادات الأشراف بالملابس الخضر والعمة الخضراء الزاهية في مقدمة موكبه أينما يتوجه لمكانتهم السجية ونسبهم الشريف، إذ قال الشاعر جابر بن عبد الله الأندلسي:
جعلوا لأبناء الرسول علامة إن العلامة شأن من لم يشهرُ
نور النبوة في وسيم وجوههم يغني الشريف عن الطراز الأخضر
تحقيق: صفاء السعدي
أقرأ ايضاً
- لماذا يثق العراقيون والعالم بالسيد السيستاني ...السيد الاشكوري يجيب (فيديو)
- مهندسون احترفوا التصوير... عدسات عربية توثق مسيرة الزيارة الاربعينية من البصرة الى كربلاء المقدسة (صور)
- فيديو...العتبة الحسينية المقدسة تضع خطة لليلة تبديل الراية في الأول من محرم : جاهزون للتنفيذ