لم يكن في خطط واحد من اشهر الاطباء العرب في علاج السرطان ان ياتي الى العراق ويعمل بشكل دائم وهو الطبيب الحاذق المكتسب لخبرات كبيرة من مؤسسات اميركية، والذي اسس انظمة علاجية واستحدث طفرات علمية في بلده مصر، كما انه استاذ تدريسي ويدير مجموعة من المسؤوليات الطبية في اشهر مستشفى مصري لعلاج السرطان، هذا الطبيب الحاذق وجهت اليه دعوة من هيئة الصحة والتعليم الطبي للعمل في العراق، وبذات الوقت وصلته دعوة اخرى من بلد عربي للعمل، فانحسر تفكيره في العمل لمدة قصيرة ثم التواصل عبر الانترنت، لكنه ما ان وطأة قدماه في العراق وشاهد ما موجود من مؤسسات علاجية لمرضى السرطان، قرر على الفور ان يبقى في العراق ويؤسس لمشاريع طبية كبيرة كان قد اسسها في بلدة بثلاث سنوات، وكان له ما اراد لكن بمدة لا تتجاوز سنة واحدة.
مسؤوليات ورحيل
ويسرد الطبيب المصري الدكتور "حنفي احمد حافظ" قصته مع العراق وكربلاء ومستشفيات العتبة الحسينية لوكالة نون الخبرية بالقول " عندما اتصلوا بي من هيئة الصحة والتعليم الطبي ودعوني للعمل في العراق، لم يكن بداخلي اي حافز للمجيء والاستقرار هنا، وكان قراري ان احضر لارى نظام العمل واساعدهم في بناء منظومة عمل قوية، وكنت اعتقد ان عملي هنا لا يتعدى شهر او شهرين ثم ارجع الى بلدي واتواصل معهم عبر (بث مباشر) في الانترنت لمساعدتهم، وكان من الصعب ان اترك المسؤوليات الملقاة على عاتقي في بلدي مصر، كوني اعمل مسؤولا في معهد الاورام واستاذ تدريسي، ومشرف على شهادات الدكتوراه في المعهد ومسؤوليات اخرى كثيرة، وقبل كل هذا فإن مستشفى سرطان الاطفال في مصر المعروف بإسم (57357) هو القصة عندي عندما بدأ بالعمل فيه عام (2008)، وكنت حينها عائدا من اميركا الى مصر بعد التدريب ومخطط للعودة الى اميركا مرة ثانية، وعندما افتتحت مستشفى سرطان الاطفال ودعوني للعمل فيه لما لدي من امكانات، التحقت بهم ولم تكن فيه حينها برامج زراعة نخاع العظم، وبدأت بتأسيس هذا البرنامج علي يدي وكنت اول من خطط ونفذ لايجاد هذه الخدمة عام (2009)، وكان معي استاذي الدكتور "علاء الحداد"، وعملنا كل شيء بمفردنا من اصغر مهمة لاكبر تحدي، ولكوني اخطط لنقل التجارب الناجحة الى غيري لتعميم الفائدة عملت على نقل تجربتنا الى اجيال جديدة ليس في سرطان الاطفال فقط، بل في زراعة نخاع العظم، وخططت في العام (2012) وانا في اميركا تولدت عندي فكرة لعمل زمالة تدريبية للاطباء بمجال اورام الاطفال بين مصر واميركا بمستشفى هارفرد في مدينة بوسطن التي تعتبر اعلى مستشفيات اميركا، وكان هناك مسؤول في المستشفى يريد تنفيذها، وبالفعل دخلت الفكرة حيز التنفيذ عام (2014)، ووصلت اول مجموعة لتتدرب لمدة (12) اسبوع في بوسطن، وتوالت الزيارات بيننا وبين الاميركان وفي العام (2016) اعتمدني الاميركان مسؤولا مباشرا عن برنامج الزمالات الدراسية".
جئت الى العراق
كانت ردود الافعال صادمة لكثير من زملائي والعاملين معي في مستشفى (57357) عندما علموا باتخاذي قرار السفر الى العراق وترك المؤسسة هكذا يصف حافظ الحال ويضيف" ان جميع اعضاء مجلس الادارة في المستشفى قصدوني الى بيتي لمحاولة ثنيي عن قراري واقناعي بالبقاء، واستفسروا عن سبب رحيلي فأخبرتهم اني وعدت المسؤول عن هيئة الصحة في كربلاء المقدسة ولابد ان افي بكلمتي، وجئت اخيرا الى العراق وتحديدا في مدينة كربلاء في شهر آذار من العام (2023)، واطلعت موقعيا عن ما موجود هنا، وشعرت منذ اللحظة الاولى انه يمكن حصول فرق نجاح رهيب هنا، لما وجدته من عوامل نجاح تتمثل في البنى التحتية المميزة والاجهزة والمعدات ونظام العمل، وقيادة مؤسسة وارث الدولية لعلاج الاورام المتمثلة بالدكتور "حيدر حمزة العابدي" الخبيرة بمجال عملها والدعم الكبير الذي يقدم للمؤسة من العتبة الحسينية المقدسة، فوجدت ان ما ينقص كل هذا هو وضع نظام عمل قوي ومتطور يصنع طفرة طبية متميزة، واتباع آليات حديثة في العلاج، وانا سبق لي ان عملت انظمة مماثلة لزراعة نخاع العظم للاطفال في مدينة اسيوط بصعيد مصر، وقلت في داخلي اني لو اسست هذا النظام هنا والارضية مهيأة لذلك فسيحصل فخر للنجاح الذي سيتحقق هنا في كربلاء، وفيه اجر وثواب لآخر عمري كأنسان يعيش على هذه المعمورة"، وقال مستدركا ان" عرضا قدم لي من اقوى مستشفيات السعودية للعمل هناك تزامن مع العرض العراقي، ورفضت طلبهم لشعوري ان المسمى الوظيفي الذي سأعمل فيه هناك اقل من قدراتي ومكانتي العلمية، فقررت ان اتوجه الى العراق على الفور، وصادف حضوري مؤتمرا علميا في الامارات وكان احد المسؤولين السعوديين حاضر فقال لي وهو يتحسر هل من المعقول ان تحقق كل تلك المنجزات في العراق بسنة واحدة اذن نحن خاسرون".
الشروع بالعمل
وكتبت في ثاني زيارة تصور وخطة متكاملة لعمل نظام علاجي لقسم الاطفال في مؤسسة وارث بهذه الطريقة يوضح دكتور" حنفي" بداية شروعه بمشروعه العلمي والطبي الناجح ويضيف ان" الدراسة المتكاملة شملت كل صغيرة وكبيرة من الاحتياجات الى الملاكات والمعمل، وبعد اول زيارة لي وتوقيع عقد العمل مع المؤسسة، ابلغت الدكتور "حيدر العابدي" باهدافي في اول سنة سأعمل بها، وهي وضع نظام طبي عالمي في القسم لا يقل شئنا عن ما يقدم في اي مستشفى متقدم في اميركا او اوروبا دون مبالغة، وهذه تعرف من معايير منها عدد الوفيات التي كانت خلال (2024) لم تتجاوز (4) بالمئة، وهو رقم عالمي، ونسبة الاطفال الذين يتوفون من مضاعفات العلاج ومنها العدوى (1،5) بالمئة، ونسبة الاطفال المتوفين من اللوكيميا في اول فترة علاج وهي الاخطر (صفر) بالمئة، وهي اقل من المستسفيات العالمية ومن الاهداف ايضا فتح مركز تدريبي في قسم الاطفال بمؤسسة وارث للبورد العربي، والشروع باجراء عمليات زراعة النخاع للاطفال، وتمنكا من تحقيق هذه الاهداف الثلاثة خلال عام واحد، كما اجرينا تجديد لجميع البروتوكولات العلاجية وتحويلها من برامج كانت تطبق في لبنان من العام (2012) الى بروتوكولات خاصة بمؤسسة وارث وبمرجعية عالمية، بعد ان كانت تفتقد لذلك واصبحت حديثة جدا وفيها "بصمة مؤسسة وارث" ومطبقة على غرار ما موجود في اميركا واوربا من العام (2020 ــ 2022)، وتحدث باستمرار وفق المعايير العالمية، واصبح القسم يعالج جميع امراض السرطان الكثيرة جدا وتفرعاتها الاكثر التي تصيب الاطفال، لاسيما بعد استحداث طرق تشخيص متطورة ودقيقة جدا ومنها الفحوصات الجينية، وكذلك طرق تقييم الاستجابة والتحاليل الجينية لامراض اللوكيميا، لغرض تصنيف درجة خطورة المرض والتي كانت غير موجودة في العراق، واستحدثت خدمات طبية كثيرة لامراض عدة لم تكن متوفرة في العراق، ومنها امراض اورام الاطراف الذي كان الحل لها بتر الطرف واعاقة المريض، وحاليا يعالجون بتركيب دعامات او مفاصل صناعية ليبقى الطرف بدون بتر واجرينا الى الآن اكثر من (20) عملية ناجحة، وادخلنا جميع الطرق العالمية المعتمدة لعلاج المشاكل التي تحصل بعد العلاج".
زراعة النخاع
جزء من خطط تطوير اساليب العلاج هو زراعة نخاع العظم، يقول عنها ان" الاحتياج كبير للاطفال لهذه الخدمة الطبية سواء الزرع الذاتي او التبرع من الغير والذي يعتبر جزء من العلاج وتحسين الشفاء للامراض التي تسمى بذوي الخطورة العظمى، او نسبة شفائها ضعيفة، وهناك فوائد اخرى لزراعة النخاع لامراض الدم الحميدة نتيجة عدم وجود فعالية نخاع الدم عند الطفل، او مصاب بمرض الثلاسيميا، او الانيميا للمولودين بنقص الخلايا المناعية، وتكون هنا عملية زرع لاستبدال النخاع المريض بالسليم للطفل من شخص آخر، وكان التحدي عندما وجدت ان امراض العقد العصبية التي تعتبر من اكثر الامراض صعوبة في علاجها التي سجلت نسبة (90) بالمئة من الاطفال لا يتشافون منها، فجعلنا لهم الاولوية في اجراء عمليات زراعة النخاع بعد خطوات علاجية يخضعون لها، وكذلك سرطانات الدم المتنوعة من ذوي الخطورة العظمى، او عندما يحصل له ارتجاع او نشاط او انتكاسة، وهي حالة توجب اجراء عملية زرع نخاع من الغير، بعد اعطاء الطفل المريض علاج كيمياوي مكثف ثم يستبدل النخاع المريض بآخر سليم من شخص يكون احد اقاربه او يتطابق الدم بينهما، والتحدي الذي وجدته في العراق ان هؤلاء الاطفال المصابين بهذه الامراض لابد ان يسافروا الى الخارج للعلاج، ويمكثون لمدة تتراوح بين (2 ــ 3) اشهر للعلاج وينفقون اموالا طائلة، ومنهم من يرتد عليه المرض ويسيطر على الطفل مرة ثانية، ومنها قررنا التعجيل في انشاء وحدة الزرع وكان المكان موجود لكن يحتاج الى تعديلات واحتياجات لاتمام عمل الوحدة، وخاصة بما يتعلق بحماية الطفل الذي يتلقى العلاج ويصبح جسده دون مناعة من اي عوامل خارجية او عدوى او فايروسات في الجو، وكان عندي شكوك في توفير كل ما نحتاجه لنجاح عمل الوحدة، ودخلنا في تحدي قوي جدا، ولكن توفرت جميع الاحتياجات بمواصفات عالمية متطورة، وبدأنا بالتحضير الكامل لعملية الزرع التي تعتبر معقدة وصعبة جدا، تبدأ بجمع الخلايا من الطفل الذاتي، ووضعه على جهاز فصل الخلايا التي تخضع لبرامج معينة يتم حسابها لجمع الخلايا، ثم تحفظ الخلايا للمحافظة على حيويتها وبطريقة لا تجعلها تتعرض للتلف، وتتم بخطوات دقيقة جدا اثناء التعامل معها وحفظها، وتقاس حيوية الخلايا لتكون اكثر من (90) بالمئة، وكانت النسب المتحقة لدينا من (90 ــ 94) بالمئة وهي نسب عالمية، وكتبت ووثقت جميع الخطوات تكتب لاننا نبني نظام علاجي قوي حتى يسير عليه من يعمل معنا او يأتي بعدنا، وبدأنا بأسوء مرض وهو ورم العقد العصبية من الدرجة الرابعة الذي يتشافى منه واحد من كل عشر مصابين قبل ان نبدأ بعمليات الزرع، بينما وصلنا الآن لاجراء العمليات الى (13) طفل جميعهم تشافوا من المرض، كما زرعنا لمريضين نخاع لاورام
العقد اللمفاوية النشطة او المنتكسة، وكانت ابرز عملية زرع للطفل "منتظر اياد" الذي كانت عمليته تحدي لصعوبة حالته من بداية العلاج واثناء الزرع، والمتبرع اخته الطفلة الصغيرة ذات الاربع اعوام، وحاليا تخضع حالة جديدة قدمت من احدى المحافظات للزرع من الغير كانت قد تعالجت في مؤسسة اخرى وارتد عليها المرض مرتين، واجرينا العمليات لحالات من بغداد والبصرة والسماوة والسليمانية، ولم تنتهي طموحاتنا في علاج الاطفال العراقيين من خلال توسيع الخدمة باضافة خدمات طبية جديدة ومتطورة، ونجحنا في الجزء الصعب ونبقى نحافظ على النجاح مع الدعم المقدم من العتبة الحسينية المقدسة، وانا متفائل لان النجاح الذي تحقق يجعل طموحي اكبر ما تحقق الى الآن، ومثلما حققنا تلك المنجزات نستطيع تحقيق غيرها".
قاسم الحلفي ــ كربلاء المقدسة
أقرأ ايضاً
- تعالجت مجانا بالعراق: سيدة لبنانية اصيبت بجلطة لفقدها ولدها و(178) شخصا بقصف واحد(فيديو)
- تستقبل طلابها في العام المقبل :العتبة الحسينية تُشـّيد جامعة تقنية تضم معاهد واقسام نادرة في العراق
- مكتب السيستاني بدمشق :يد العون العراقية تمتد الى (7) الاف عائلة لبنانية في منطقة السيدة زينب