حاوره: كاظم ناصر السعدي
محمد زمان شاعر وفنان مسرحي عراقي معاصر أكدّ بمنجزه الإبداعي حضوره المتألق في المشهد الثقافي الكربلائي اعد الكثير من النصوص المسرحية الجادة والرصينة والمونتاجات الشعرية الرائعة...عقل مسرحي حداثي وطاقة شعرية خلاقة كان بيته القريب من شارع (صاحب الزمان) في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي ملتقى أدباء وفناني كربلاء من الشباب، ولتسليط الضوء على واحد من الرموز الثقافية البارزة في المدينة فقد كان هذا اخر لقاء معه اجرته مجلة المسرح الحسيني وتعيد نشره وكالة نون الخبرية
س1/ كان المسرح في ثمانينات القرن الماضي يحتل مساحة كبيرة من اهتمامك فقد أسهمت في تأسيس فرقة (المسرح الجماهيري) واستقطبت مجموعة من الفانين للعمل فيها وأعددت نصوصاً مسرحية جادة ورصينة مثلت على خشبة المسرح... ما لذي يمثله فن المسرح في وعيك؟
* مرّ المسرح بمراحل وتجارب غنية متعددة شكلت فيما بعد ركائز من المثل والقيم والتصورات التي يستند إليها هذا الخطاب الإنساني المفعم بالحركة والتغيير ولا هذا التاريخ الحافل والمثالي الذي أسهم في إرساء الكثير من رموز المسرح لما تكون وتشكل هذا الحدث الخالد والذي يجسد الالتصاق الحقيقي والصادق بالحياة والحرية والكمال، فإذا كنت منتمياً إلى المسرح فإنك بالمحصلة النهائية تنتمي إلى الفضيلة والجمال والشجاعة وتسعى في كل مشاريعك الفنية إلى تجسيد هذا الانتماء روحاً حية وثابة لتبني كل هاجس نهضوي وفكري يرمي إلى تكريس المشاريع الإنسانية العظيمة .
لذا فلم يكن المسرح بعد كل هذه التجارب وعلى مر الحياة ترفاً فكرياً أو انتماءً وظيفياً فحسب بل كان احساساً كاملاً بالأشياء والواقع ومعايشة حقيقية لكل هموم الإنسان وأحلامه المشروعة وسعيه المستمر لبناء المجتمع الكبير الذي يؤمن برسالته وقيمه الفاضلة وأهدافه النبيلة.
س2 / يشكل الشعر هذا الفن العرق في وجدان الإنسانية شفرة ماكثة في كل تجربة إبداعية ولكن علينا أن نفهم الشعر شيئاً ملازماً للروح المتفردة الشاعر يضفي ألقاً وتميزاً على الرمز والوزن والصورة الفنية هذا التشكيل قد لا يقارن بشعرية المسرح فالمسرح يقر بضرورة ظهور الحركة والمنظر والصوت والمؤثرات ولحظات الصمت أكثر مما يقتضيه فن الشعر وتقنياته من اظهارات وكأنه يكتفي بحضارة التصويب اللفظي بالدرجة الأساس أي بالمنطوقات اللغوية المحضة التي تدور بأفق ذات واحدة تعبر عن العالم في حين يتموضع المسرح وكأنه هو العالم الموضوعي ويبقى المسرح يحوز على تمظهرات مرئية ومسموعة في خطابه الفني .
* إن شعرية المسرح لا يقصد بها مقارعة الشعر الغنائي حجته اللفظية ذلك إن الحوار الدرامي فيها يتكفل هذه المهمة التصويتية لكنه يضفي على اللغة بعداً حوارياً أكثر تعبيرية ووظيفة درامية أكثر كثافة لان مساحتها أوسع وتضم تعددية صوتية وتنوع أدوار وصراعات وحقولاً شاسعة من التمظهرات الحسية الشاخصة.
س3 / لك شخصيتان متميزتان هما الشاعر والفنان المسرحي ... أيهما أكثر تجسيداً لذاتك المبدعة وأقرب إلى روحك ومثلك الجمالي؟
* كل الفنون الجميلة محببة وتستهوي روحي وهي متداخلة والشاعر الحقيقي المبدع يحاول أن يثبت جدارته بالحياة المضيئة بقيم الخير والحب والجمال والحرية بخلقه عالم جديد له معنى كذلك الفنان المسرحي يحاول بخطابه المسرحي أن يعكس العالم الأكبر على خشبة المسرح عبر أفكاره وأسلوبه الفني المبتكر والمتجاوب مع الحداثة فكلما تمادى في اختراقا للساكن والمألوف فانه بالتأكيد سيصل إلى تخوم الإبداع الذي يغير من طبيعة موقفنا من الأشياء ويسلب منها زيفها وبهذا يكون الخطاب المسرحي معتمداً على وحدة متجانسة من خطاب أدبي وبلاغة حوارية وفكرة تغييرية ورؤى جمالية في الوضعية المسرحية والشخصية وتصوير دلالي عبر الحركة والإشارة والإيماءة ومكونات العرض المسرحي مجتمعة.
س4 / عملية تثوير المسرح أدت إلى انتقاله من سلطة النص إلى سلطة مكونات العرض بعدما كان النص في المسرح التقليدي المحور والمرجعية الوحيدة باقتراح إن النص هو معطى مفتوح واحتمال يشتبك مع إبداع المخرج والممثل ... ما طبيعة العلاقة بين النص والعرض المسرحي؟
* إن العلاقة بين النص والعرض المسرحي علاقة جدلية يتحول فيها النص من نظام معين إلى نظام آخر في العرض فالنص يعد المادة الأولية أو العنصر المادي الأول الذي يكون المنطلق لقراءة جديدة هي قراءة العرض ونادراً ما يمر النص على خشبة المسرح من تعديل أو إضافة ففي تجسيد النص يشدد المخرج والممثل على أهمية مراحل معينة في النص ويقللان من أهمية مراحل أخرى فالنص عبارة عن علامات مرصوصة رصاً وغير عاملة إلا بفعل القراءة ومهارة المخرج والممثل في إدراك معانيها والإجابة على ما تقترحه من أسئلة كذلك توجد داخل النص معان توليدية تحيل إلى موضوعات جديدة من خلال تثوير بناها الداخلية وإضاءتها.
س5 / يعد المسرح كياناً متكاملاً ويعد الموروث الشعبي عنصراً فاعلاً في هذا الكيان الجمالي ومصدراً من مصادر الفكر الثرية بالظواهر الدرامية التي تقبل التمسرح والتشكيل الدرامي سواء على مستوى القراءة النصية او القراءة العرضية ...هل تعتقد إن الفن المسرحي معني بالبحث عن مواطن الجمال التي يتمتع بها الموروث الشعبي؟
* بما إن التراث هو قراءة وترجمة للبيئة والظروف التي نشأ في إطارها ؛لهذا يستلهم المسرحيون الدلالة الجمالية لتوظيفها ببصمة إبداعية خاضعة لاشتراطات القراءة الجمالية المعاصرة التي يعمل المسرحيون على تقديمها في عروض مسرحية متوائمة مع معارف المتلقي المعاصر .
إن تجسد معطيات الموروث الدلالي على أغلب عروض المسرح المسرح التراثية من الطرائق التوظيفية والكيفية التي يتعامل بها مبدع العرض [ المخرج] مع المفردة التراثية التي يرسم من خلالها دلالات متنوعة قد يتجه قسم منها إلى إيحاء سياسي أو محاكاة لظاهرة اجتماعية وبما إن المادة التراثية مترعة بالرمز فهي مؤجلة لان توحي بدلالات متنوعة ويمكن أن توظف باتجاهات ورؤى مختلفة لذلك ظهرت أشكال مسرحية متعددة بملامح جديدة ذات آفاق قرائية واسعة خرجت بالعرض المسرحي من القراءة السطحية والأفقية إلى قراءات عمودية متعددة وبفضل هذا الإثراء الدلالي يمكن أن يحقق الموروث الشعبي عنصري الثبات والتغيير في آن واحد .
إن تراثنا غني بمفردات الموروث الشعبي لذا كان مصدراً رئيساً تستمد منه الظاهرة المسرحية موادها وإبداعها لهذا فان استعارة واستلهام الموروث الشعبي وتوظيفه كمعالجة للمشكلات الاجتماعية والحياتية الجديدة يتأتى من محاولة إعطائه صورة التفرد وذلك لامتلاكه انساقاً جمالية قادرة على التفاعل للخروج بقراءة جمالية فلسفية معاصرة وطرائق متجددة في التعامل مع الموروث.
س6/ الإخراج المسرحي موقف من الذات والعالم والأشياء بل ومن النص نفسه ... موقف نقدي متحرك وفاعل يولد الإبداع برأك هل إن التأسيس الإخراجي يبتدئ من ممارسة هدم بنية النص الكائنة/القديمة لإيجاد بنية العرض /الممكنة والجديدة ؟
* إن الإخراج المسرحي هو بالتأكيد موقف من الذات والعالم والتاريخ والأشياء وموقف من النص ...انه موقف الجزء من الكل والآني من الماضوي والمستقبلي والذاتي من الموضوعي فعندما يكون للمخرج موقف نقدي يتوخى الإبداع والمغايرة والإضافة إلى فضاء المسرح إضافة في الكم والنوع معاً فانه لن يكتفي بتفسير النص بل سيعمد إلى وضع بصماته الإبداعية في ضوء رؤيته الفنية الحداثوية المبتكرة والمتحركة أي إن تطبيقاته المسرحية لن تكون محاكاة لنص المؤلف بل هي تأسيس لمنظومة عروض جديدة ومغايرة تبتدئ من الضد أي من ممارسة الهدم / الحفر هدم بنية النص الكائنة /القديمة لإيجاد بنية العرض /الممكنة والجديدة.
س7 / تلعب الأدبيات والمرجعيات المسرحية دوراً كبيراً في تأسيس منظومة مرجعيات رؤيوية بتقديم عروض مسرحية متطورة باتجاه تاريخ الشعوب ومرجعياتها الأدبية والتاريخية والفنية... هل يمكن الاستفادة من واقعة ألطف وهي مرجعية كبيرة لتقديمها في عروضنا المسرحية ؟
* أرى إن الفن إذا أراد أن يستخرج من واقعة الطف ما يمكن أن يؤسس لمنظومة عرض مسرحي جمالي متطور عليه أن لا يأخذ من الواقعة شكلها والمتن الحكائي السردي المتعارف عليه ولكي يأخذ الاشتغال على الطقوس الحسينية شكله المسرحي الحقيقي لابد أن يقدم كعمل مسرحي كبير تدخل فيه السينوغرافيا والإضاءة وعملية تحريك وتوجيه الممثل إلى آلية الاشتغال على خشبة المسرح ولابد أن يتجاوز العرض نص الواقعة (المقتل ) بعملية صقل فني أكاديمي ليعطي مديات أكثر تأثيرا بالمتلقي ويرسم القيم الإنسانية والاجتماعية والسياسية التي أراد أن يبث رسائلها الإمام الحسين عليه السلام من خلال ملحمة كربلاء الخالدة بمعنى لابد ان تكون رسالة المسرح رسالة حضارية إنسانية تجسد مبادئ وأهداف الإمام الحسين عليه السلام كون المدرسة الحسينية مدرسة حياة شاملة باستطاعتها أن تقدم الحلول لمشاكل العصر المستعصية فالفكر الحسيني هو الامتداد الطبيعي للفكر المحمدي الخلاق إذن لابد أن يتوفر الخطاب المسرحي الذي يحاول أن يقدم الملحمة الحسينية الخالدة على جميع عناصر الخطاب المسرحي من الناحية الفنية والفكرية بحيث يؤدي إلى الغرض المطلوب وهو إحداث المتغيرات الايجابية التي باستطاعتها إحداث النقلات النوعية الآهلة بالحيوية والباعثة على التفاؤل والأمل بالحاضر والمستقبل.
س8 / فضلا عن كونك ذاكرة كربلاء الثقافية بحكم حضورك الدائم والمؤثر في المشهد الثقافي وصلاتك الحميمة بالأدباء والفنانين وإسهامك الفاعل في المنجز الإبداعي فأنت مؤرشف للنتاج المسرحي ...ما لذي يوثقه إرشيفك الفني؟
* لعل الأرشيف الذي أعددته ليس مجرد مبادرة شخصية ارتبطت بنشاط معه الواسع النطاق خلال الربع قرن الأخير من القرن الماضي لأننا نجد في كل مفرداته ذكريات حية توثق جيداً وبأبسط الإمكانات لأهم الجهات والأشخاص الذين رسموا في كربلاء ملامح الصورة المسرحية والشعرية على وجه الخصوص ولعل يوم المسرح العالمي 27/3/1979ومن خلال مهرجانه الأول بكربلاء كان المصادفة الأولى التي انسقت فيها وكنت معروفاً آنذاك شاعراً من جيل السبعينيات وخضت إعداد النصوص المسرحية والمونتاجات الشعرية كوسيلة أفرزت علاقة ثقافية متواصلة بين العشرات من أدباء وفناني كربلاء من خلال دعمي لنشاط[فرقة المسرح الجماهيري]التي كانت نقطة استقطاب للنشء والخريجين الشباب والتي تحولت بعد عشرة عوام على يدي وفي ذات يوم المسرح العالمي إلى مسرح تجريبي باسم [فرقة مسرح الشبلي] بعد أن أقمت لها خشبة مناسبة في باحة نقابة الفنانين استمر فيها المسرحيون والشعراء مع التشكيليين تجريب هوايتهم الثقافية حتى يوم المسرح العالمي عام 1990حيث بادرت إلى تقديم نسخة من الأرشيف إلى نقيب الفنانين العراقيين آنذاك(داود القيسي)كآخر نشاط لهذه الفرقة بعد زوال خشبتها بسبب زوال مبنى النقابة كله وهكذا ظل شريط تلك الذكريات النادرة حياً في أرشيف نموذج يغني الباحث في تقديم صورة النشاط المسرحي في المحافظات.
وهكذا يمكن القول بان محافظة كربلاء تتوفر لها بعض العوامل الدرامية في ممارسة النشاط المسرحي من حيث ارث المجتمع الكربلائي المرتبط كثيراً بصور متعددة الأشكال عايشها المجتمع من خلال طقوسه وفلكلوره الديني بشكل خاص وقد كانت محافظة كربلاء كبقية المحافظات تجد في مديريات النشاط المدرسي مجالا لممارسة الأنشطة المسرحية خاصة في الخمسينات والستينات من القرن الماضي حيث أفرزت تلك الممارسات الاهتمامات واللقاءات تياراً للاحتراف المسرحي تكثل في نشاط [فرقة مسرح كربلاء الفني] التي قادها الفنان الراحل (نعمة أبو سبع) حيث كان لوجوده كنقيب للفنانين فرع كربلاء أكبر الأثر في جمع الخبرات الذاتية والموضوعية لعدد غير قليل من الممارسين للنشاطات الدرامية والحفلات والأعراس والمواليد وغيرها من الأشكال الفلكلورية .
وفي السبعينات بدأت تظهر المنظمات الجماهيرية الثقافية التي انتشرت في المجال الطلابي والعمالي والفلاحي والتي تركزت بشكل خاص في المسرح الجماهيري الذي استقطب النشء من الخرجين الشباب كهواة في هذا المجال يكمل المجال الاحترافي الذي كان يتمثل بنشاط فرقة مسرح كربلاء.
أقرأ ايضاً
- تستقبل طلابها في العام المقبل :العتبة الحسينية تُشـّيد جامعة تقنية تضم معاهد واقسام نادرة في العراق
- وزير الداخلية: لا وجود لمصانع المخدرات في العراق وحدودنا مع سوريا مؤمنة بنسبة 95 بالمئة
- في مدينة سيد الاوصياء للزائرين: العتبة الحسينية تطعم وتسقي وتأوي ملايين من زوار الاربعينية