كربلاء المقدسة المدينة التي شرفها المولى القدير بحكمةٍ منه في احتضان جسد ريحانة الرسول الحسين بن علي المرتضى (صلوات الله وسلمه عليهم) ولِما لهذه المنزلة العظيمة التي حظيت بها بادر الموالون والمحبون لمذهب آل البيت سلام الله عليهم منذ مئات السنين بالسكن في جوار هذه البقعة الشريفة المتمثلة بالعتبتين الطاهرتين، وبمرور الزمن وتوالي العصور أصبحت لكربلاء سبعة مناطق تتفاوت في تاريخ إنشاءها ومساحاتها ومن هذه المناطق ما تسمى بمحلة باب الطاق أو الطاگ كما تسمى محليا والتي تقع الى الشمال الغربي من مرقد الإمام الحسين (عليه السلام) ..
ومحلة باب الطاق تجاور محلة باب السلالمة من جهة الشمال والشمال الشرقي ومحلة المخيم من جهة الجنوب ومنطقة القزوينية من جهة الغرب فهي محلةٌ حافلة بالتراث الذي لم يبقى منه إلا مسميات أزقتها ومعالم أخرى كحمام كبيس وشارع السور، ومسميات أخرى اندثرت مع معالمها ومسميات لا زالت لوقتنا الحاضر منها طاق الزعفران وعگد النَصة وعگد الطَمة والعگد الكبير كما لا زالت بعضَ مناطقها توجد فيها معالم قديمة منها بيوتاتها الأثرية التي بنيت بهيئة معمارية عثمانية وفارسية وهندية ومنها الشناشيل وفسح المنازل وأطرها، وبناء الدور باستغلال المساحة كاملة للبناء حيث لا يتجاوز مساحة الدار أكثر من (100) مترا مربعا، ومن الجدير بالذكر أن نسمع فيها بيوت تبلغ مساحتها (28) مترا مربعا فهي كذلك تشتهر ببناء السرداب: \" هو المكان الذي يحفر تحت الأرض في الأماكن الحارة عادة يكون بعيداً عن الشمس وقريباً من الرطوبة ليكون بارداً \"، إلا إن هذه الدور ما تبدوا عليه الآن إنها آيلة الى السقوط ومهملة وتعاني من قدمها، بالرغم من إنها هي الوحيدة التي بقت من المعالم الأثرية..
[img]pictures/2010/07_10/more1278507101_1.JPG[/img][br]
يقول أحمد سعيد البنا :\" لا زال في محلة باب الطاق الكثير من المنازل القديمة الآيلة الى السقوط فهي متروكة دون أي أعمار أو ترميم وتهدد جيرانها والمارة بخطر، مبينا إن سبب ترك هذه البيوت أما لأنها موقوفة ذريا أو هي وقف لديوان الوقف الشيعي، والبعض من أصحابها عراقيون لكن خارج البلد تركوها هكذا دون عمارة أو ترميم\" ..
ويقول الحاج أبو عباس العطار (76) عاما،لمراسل موقع نون \" إن منطقة باب الطاق محلة تساهم مع المحلات الستة الأخرى بتشكيل مدينة كربلاء القديمة، وسمعنا من آباءنا إنَّ سكنت هذه المحلة في الأصل هم من السادة آل فائز وكان يوجد بها في السابق السبيل (السقاية) في حسينية تاج در باهو؛ دار الأميرة الهندية (تاج در باهو)، ما تسمى اليوم بهيئة الزهراء المظلومة وهي من ضمن حدود المحلة وقُبيل خمسين عاماً أو يزيد ما كانت المياه متوفرة كما هي عليه اليوم، فقد كان الماء يُحمل في قِرَبٍ على الدوابّ ويُباع على المحتاجين\".
وتابع العطار: \"لأجل توفير المياه للزوار في فصل الصيف، سعى أهل البِرّ والإحسان من المقيمين في كربلاء، إلى بناء محلات خاصة لشرب الماء وتشييد مخازن للمياه المعدّة له، أُطلق عليها (السبيل) وقد جُهّزت بعض المساجد بالسبيل، كما أخرج البعض من داره محلاً لسقاية الناس يشرب منه السابلة، وكانت تُملأ عن طريق (السقّاء) جالب الماء وبائعه\".
[img]pictures/2010/07_10/more1278507101_2.jpg[/img][br]
فيما ذكر السيد ضايع كريم (63) عاما :\" إنه حينما وُجِدت إسالة الماء استعاض الناس بالأنابيب عن (السقّاء) وعُطّلت مهنة السقاية إلى الأبد وعلى الأثر تغيرت محلات السبيل من عملية بناء إلى صناديق يوضع فيها الثلج وتُزوَّد بالماء النقي، ولما تطورت الحال ووصلت البرّادات سعى بعض المحسنين الموسرين بوضع برّاد ماء كهربائي لسقاية السابلة والمستطرِقين\"
وتابع كريم: \" كانت معظم الأواني المخصصة لشرب الماء يُكتب عليها آيات قرآنية أو أبيات من الشعر تتغنى بحب آل البيت (عليهم السلام)، وتدعو إلى شرب الماء وثواب إسقائه وتذكُر حالة عطش الإمام الحسين عليه السّلام وأصحابه يوم عاشوراء واللعنة على بني أمية، وأما أشهر هذه الخزّانات فهي سبيل الروضة الحسينية الواقع في الركن الجنوبي الشرقي من صحن الإمام الحسين عليه السّلام، وهو الذي أمرت بتشييده والدة السلطان عبد المجيد العثماني سنة 1282هـ. وأرّخ تشييده الشاعرُ عباس القصاب الكربلائي قائلا
سـلـسـبـيـلٌ قـد أتـى تـأريـخـه (أشرب الماءَ ولا تَنْسَ الحُسينْ)
وعن طقوس شهر رمضان في هذه المحلة قال الحاج (مجيد خويطر) 80 عاما : \" كان في السابق وتحديدا منذ العقد الخامس أواخر العقد السابع من القرن المنصرم في ليالي القدر يتلو الناس القران ويدعو الله كثيرا، ويعقد مجلس حاشد في دار الأميرة الهندية تاج دار باهو في محلة باب الطاق بعد الإفطار ليتناول فيه الناس الشاي والحليب، ويقرا بعض أفراد الجالية الهندية مجلس تعزية وأشعارا في حق أهل البيت سلام الله عليهم وفي الليلة الأخيرة من ليالي القدر التي تصادف شهادة الإمام علي عليه السلام يخرج موكب للعزاء يحمل مثالا لنعش الإمام مغطى بعمامة خضراء، ثم يطوف الموكب شوارع المدينة وساحاتها مارا بالروضتين وينتهي بالدار، وبعدها يتناول المعزين الحلويات (الزلابية والبقلاوة) ثم مجالس تقام العزاء ..
[img]pictures/2010/07_10/more1278507101_3.JPG[/img][br]
فيما قال الباحث والاعلامي تيسير سعيد الأسدي لموقع نون : \" ذكر المؤرخون ان من أشهر الأسر التي سكنت المحلة السيد إبراهيم الزعفراني قاد المقاومة ضد الحكم العثماني في كربلاء بتاريخ 20 ذي القعدة سنة 1258ه ، ومن أثاره اليوم طاق الزعفراني في محلة باب الطاق نسبة إليه، وبها كان مولد مؤلف الرسالة الأسدية سعيد بن إبراهيم بن خليل ويرجع بنسبه الى السيد موسى المبرقع بن الإمام محمد الجواد عليه السلام، وكذلك من ضمن الأسر العلوية التي سكنت هذه المحلة آل عيسى وهم من الأسر العلوية القديمة وتنتسب الى عيسى بن زيد الشهيد بن الإمام السجاد زين العابدين عليه السلام وباسم بعض رجالها سميت محلة آل عيسى في كربلاء قديما، وقد احتفظت بهذه التسمية حتى القرن الثاني عشر الهجري وتتضمن هذه المحلة القسم الغربي من محلة باب الطاق ومحلة المخيم قاطبة وسميت أيضا باسم محلة آل فائز في كربلاء، وهي اليوم تعرف بمحلة باب الطاق ( القسم الشرقي ) ..
وتابع الأسدي : \" كما سكن المحلة السيد زين الدين الملقب بزيني ولد سنة 1074هـ وتوفي سنة 1174هـ عن عمر ناهز المائة عام. ولد في بغداد وهاجر الى كربلاء المقدسة وسكن محلة باب الطاق، وحسب ما جاء في الوثيقة التاريخية المكتوبة في سنة 1173هـ المصادف 1759م. كانت داره منتدى أدبيا، ومجلسه الأسبوعي كل يوم خميس تتبارى فيه الشعراء والأدباء ورجال العلم..
تحقيق / حسين النعمة
موقع نون خاص
أقرأ ايضاً
- فرع كربلاء لتوزيع المنتجات النفطية: الخزين متوفر والمولدات الاهلية تتسلم كامل حصصها من الكاز هذا الشهر
- تحول إلى محال تجارية.. حمّام اليهودي في كربلاء (فيديو)
- مكونة من ستين منسفا وصينية.. سفرة طعام طويلة على طريق الزائرين في كربلاء المقدسة (صور)