- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
بنور كربلاء ستضيء الكون برمته
بقلم:حسن كاظم الفتال
ــ مرثية لرحيل الحاج حسن علوان الصباغ ــ
كربلاء المقدسة.. المخلوقة قبل الخلق.. المشرفة على كل بقاع الأرض..المخلوط تربتها بذرات مسك من الجنان.. محراب الملائكة المؤدية الصلاة شكرا لله فيها.. كربلاء المقدسة.. منذ الأزل.. لا تسطع الشمس على ثراها إلا بعد أن تُهيل قبلاتها على كل ذرة من ترابها.. وتستأذن للشروق.. فتذري القبلات بسطوعها على كل وديان الموالاة.. ذرات ترابها شذرات تبرق.. وتتوهج في حنايا الآفاق المبجلة.. منذ الأزل هي ميناء مرور كل الأنبياء والرسل والأولياء..ومحطُ ركابهم.. ما مر بها نبي أو رسول أو ولي إلا وترجل من راحلته.. وانحنى على شذرات تربها إكراما وتبجيلا.. وبلل أديمها بندى دمعات ساخنة سخية.. تنبؤاً منه بما سيحدث في الطف من أسى.تحننا ومواساة لنفسٍ مطمئنة سترجع إلى ربها من هذه البقعة الطيبة راضية مرضية. كربلاء المقدسة.. مملكة.. ملكوتها المجد والعز والكرامة والإباء. طالما اشتاقت لأن تتوسم بالطهر وتتوشح بوشاح وجاهة وسؤدد.. فألبسها الله جل وعلا جلباب الجلال.. وتقمصته بكل وقار..ساعة حط ركابَه سيدُ شباب أهل الجنة سبطُ رسول صلى الله عليه وآله. الإمام الحسين صلوات الله عليه على ثراها. ليريق دمه الطاهر فيرويها فيطهرها فتعشوشب عفافا ونجابة وجلالا وبهاءً وإباءً وكبرياء.. سحابات الرفعة تخفظ أجنحة الذل برحاب كربلاء لتتوضأ برذاذ تحمله نسمات العقيدة..قادم من صوب العلقمي. ثم تستقي من العلقمي مجدا.. فتعلو تلك السحابات.. لينثال منها قطر غيث السؤدد على ساكنيها من الإنس والملائكة.. من الأولين والآخرين.. فيحصنهم جميعا بفطم من رمض يوم القارعة..
كربلاء المقدسة.. قلدها الحسين صلوات الله عليه من ياقوت الجنة ودررها قلادة زهو أبدي.. وخُطَّ وهج القلادة على جيدها البهي.. فصارت تزهو بعنفوان علاها
.. هذه المدينة الحسينية المقدسة العظيمة.. يفوح عطر بهاء تراثها.. فتستنشق عبيره الأفئدة النقية.. في كل أصقاع الدنيا..وتنتعش به وتتجلى الصدور الزكية بانشراحها.. وتتبرأ من كل علة أو درن.. تراث لا نظير له.. انفرد بتوهج بهائه وببهجته وتميز برونقه. لذا راحت تتسابق لشم هذا الأرج الأنفس اللوامة.. وتحفظ تراثها لتلتحق بالأنفس المطمئنة. وتنافس الموالون على تشييد تراثها وصون معالم هذا التراث. وإبراز جمالية معالم هذا التراث.. تعددت عناصر ومقومات تشييد التراث الحسيني الكربلائي ومكوناته. ولعل أبرز هذه المكونات الأدبُ الحسيني العظيم بكل صنوفه وأنماطه.. وقد تصدر الشعر المقفى بكل انشطاراته قائمة هذه الصنوف.. ومن ثم إنشادِه
. فاشتهر المنظور شاعرا..وغاص في غور القضية الحسينية العظيمة.. وشاهد ببصيرته الحادة كل صور الوقائع والأحداث لواقعة الطف.. وتسلل ضميره الواعي وعقله النقي في مجريات جزئياتها.. كما يترقرق السلسبيل العذب.. ويتسلل إلى أودية ليخلصها من يبابها
.. الشاعر كاظم المنظور.. المنظور من قبل مولاه.. لم يدع رافدا من روافد بحر القضية الحسينية دون أن يدلي دلو نباهته الفطرية..أو يرتشف منه بفطنته العقائدية رشفة وفاء. فيذريها قوافي يندي بها قلوبا اعتصرها الولاء.. ولفحها التوق للمعرفة..وانبرى المنظور يطش درر قوافيه الشعرية غيثا هنا وهناك.. وانساب سلسال شعره العذب.. فتلقى حمزة الزغير منه كلمات.. فوجد فيها مستقرا ومتاعا لضميره..وأقدم يعتلي ربوات الإبداع والإخلاص الحسيني.. فيغزل المفردات بمغزل حنينه. لينسجها ترانيم حسينية.. يشدوها كهزار أو عندليب قادم من جنان المودة الحسينية.. فتجتذب دموعا ساخنة. والتحق بالمنظور شعراء حسينيون ليرافقوه في تنقيبه بمناجم الأدب الحسيني.. بأسنى معاصرة. وكذلك التحق بحمزة الزغير مرتلون لآيات أدبية تنبعث من قرائح خاشعة..أزدحمت بها صدور ألهمها الولاء الحسيني إلهام نماء فطري منزل من وحي صدق الولاء... صدور تواتر إلهامها من مرسلات المناقب والمآثر.. واحتشدت بمفردات حسينية متسقة.. وبقوافٍ منمقة..
كل أولئك أسسوا تراثا حسينيا ثرا غنيا معطاء..جسد روعة وعظمة المواقف ونقش في الذاكرات أبهى صور البطولة والإباء لواقعة الطف.. تراث يتغنى به كل قاصٍ ولا دانٍ.. إنما..
كاد هذا التراث أن يتصدع.. أو يناله الشتات أو أن يندثر في أقبية النسيان..أو يتبعثر.. فانبرى للم شمله وجمع شتاته الحماة المخلصون..وسوروه بحصن عناية واهتمام.. وكان أبرز وأشهر هؤلاء الحماة المرحوم الحاج حسن علوان
فقد جذبه حماسه العقائدي وحرصه وولاؤه الحسيني للتطوع في صون هذا التراث.. وصار نعم الصائن والحامي والحافظ للتراث الحسيني الكربلائي الثر.. حصنه وصانه وحماه من الشتات أو الإندثار.. من خلال التوثيق الصوتي. وأدى دوره بملازمة الثنائي من صُنّاع التراث الحسيني الكربلائي المنظور والزغير.. ومضى يتابعهما في تحركاتهما وتنقلاتهما وهو يحمل عدته التوثيقية.. مؤثرا التعب والعناء وبذل الجهد المضني على الإنطواء أو الإنزواء في ركن الإعتماد على الآخرين.. أو الوقوف على شرفات الانتظار والتأمل والتمنى.. ولم يقف متفرجا على ما يجري في ساحة الإبداع دون تدوين أو توثيق.. وحقا قد برع وأحسن إبداعا في الحفاظ على جوانب كثيرة من التراث الكربلائي الحسيني..
ومن أجل أن يوطد أواصر الرابطة الحسينية بين الناس وبين أحداث واقعة الطف ويبرهن خلوصه ويعلن عن صدق انتمائه للقضية الحسينية..ويشد أذهان التواقين للإطلاع على التراث أطلق تسمية الطفوف على الإستدويو الذي أسسه فسماه (تسجيلات الطفوف)
وتكفل بالنشر والتوزيع لمعظم القراءات
هذا فضلا عن مشاركاته في كل المجالس والمآتم الحسينية
فكان له حضور دائم وفاعل