بقلم: سليم الحسني
إذا أردنا أن نبحث عن صفحة مشرقة في العراق ما بعد ٢٠٠٣، فلن نجد سوى الحشد الشعبي، إنه الصفحة المشرقة الوحيدة في السنوات التي تلت سقوط الطاغية صدام.
فطوال ما يقرب من عقد ونصف من العملية السياسية، كان التاريخ يدوّن واحدة من حقب التاريخ المأساوية التي مرت على العراق، محاصصة، وطائفية، وفساد، وفشل، وانهيارات، وقتل وتدهور شامل.
في هذه السنوات كانت الطبقة السياسية منشغلة بمصالحها الخاصة، تتنافس على المكاسب، تنهب ما استطاعت من أموال الشعب، يتستر بعضهم على فساد البعض.
وفي هذه الحقبة الكئيبة، صار القتل مألوفاً، ولم تعد للدم قيمة.. وصار العراق مستباحاً، فقد فتح حدوده ومنافذه شركاء العملية السياسية، يستعينون بالحكومات الإقليمية على تقوية نفوذهم في معركة التنافس على القوة والسلطة.
في حزيران ٢٠١٤، سقطت الموصل وصلاح الدين والأنبار، وذهب الآلاف من الشباب ضحايا تنظيم داعش وأتباعه خصوصاً في جريمة تكريت (سبايكر) الجرح النازف حتى الآن من دون محاسبة المتسببين فيها وفق الإجراءات القضائية. فالقضاء أصبح أرخص السلع المعروضة للبيع في سوق المسؤولين والسياسيين ورجال الأعمال.
كان الانهيار متسارعاً، وراح يزحف الإرهاب نحو بغداد، حتى أصدرت المرجعية العليا، فتواها التاريخية، فتوى النهوض والقيام، وفتوى الإدانة الصريحة بأن رجال السياسة عاجزون عن حماية العراق، وأن البلد لا يحميه ولا يدافع عنه ولا ينتشله من الضياع، إلا الجمهور الفقير من الوسط والجنوب، من أبناء عبد الزهرة واخوانه وجيرانه.
فاجأت الفتوى قوى الإرهاب وصُناعه، في الداخل والخارج، فتعالت الأصوات بتسمية الحشد الشعبي بـ (المليشيات الشيعية)، وصارت هذه التسمية هي الرسمية في الإعلام الخليجي، وكانت عواصم السعودية وقطر والامارات، تضخ المال للجماعات الإرهابية، وتملأ جيوب وحقائب الكثير من القيادات السياسية برزم الدولارات، من أجل مشروعهم الطائفي الذي بدأ بشعارات التهميش، ثم تطور الى خيم الاعتصام، حتى انتهى الى سيطرة داعش على المناطق السنية، وقد دفع أهالي تلك المناطق الضريبة المكلفة من الخراب والدمار والنزوح من مناطقهم.
وقد حاول بعض رؤساء الكتل أن يخدع الفقراء، فارتدى بعضهم زي الحشد الشعبي، مصطحباً معه المصورين المحترفين، يلتقطون له الصور ليخدعوا بها الفقراء، لكن الشعب كان قد شبع من التجارب، وكانت عيون الأمهات والشباب العاطل عن العمل وأبناء الشهداء، يعرفون هذه الوجوه الناعمة، ويميزون بين الخدود البراقة بالنعيم والهواء المعطر، وبين الخدود المتشققة بالشمس والعمل وتراب الأرض.
وحاول البعض أن يجامل طائفية القيادات السنية وعواصم المال الخليجي، فأطلق تسمية (الميليشيات الوقحة) حيث أدخل الفرحة على تلك العواصم وراحت تكرر تسميته في نشراتها ووسائلها الإعلامية، وتتخذها ذريعة للنيل من الحشد الشعبي. كما شجّع ذلك القيادات الطائفية على محاولات ضرب الحشد الشعبي سياسياً وميدانياً. وهنا يجب تسجيل الشكر للعبادي أنه واجه تلك الضغوطات، وجعله تشكيلاً رسمياً قانونياً.
ببطولات وتضحيات الحشد الشعبي، توقف الانهيار في العراق، ابتعد بهذه الجموع الشجاعة من شفا حفرة التمزق، وراحت انتصاراته تتولى، تحرر الأرض من سيطرة داعش، وهي في ذلك تمزق أوراق المخططات الإقليمية ومشاريعها ورقة ورقة، ومشروعاً مشروعاً.
وكانت الضربة القاصمة لمشروع الشرّ، بما حدث في الموصل.. وكان النصر الأكبر في الموصل.
ما كان النصر ليتحقق لو لا فتوى المرجعية العليا ممثلة بالسيد السيستاني، ولو لا تضحيات الحشد الشعبي وبطولاته التي مهدت الطريق لعمل وانتصارات القوات المسلحة.
محطة مضيئة وسط العتمة ستظل برّاقة في تاريخ العراق، اسمها فتوى السيستاني وبطولة الحشد الشعبي، وبلد اسمه بجدارة عراق المرجعية والحشد.
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- فزعة عراقية مشرّفة